اليوم هو الثامن من آذار: عيد المرأة العالمي
اليوم هو الثامن من آذار:
عيد المرأة العالمي..؟؟؟
عقاب يحيى
يحتفل العالم اليوم بعيد المرأة.. كإقرار ـ معلن ـ بما تعانيه، وواجب النهوض بها : حقوقاً وموقعاً تستحقانه باعتبارها نصف المجتمع ..الأخصب، والأنتج للبشرية، والمسؤول عن ديمومة الجنس الإنساني ورعاية أطفاله ..فتكثر الدعوات، والتظاهرات التي غالباً ما أصبحت فولكلورية، مناسباتية، بينما ما يزال وضع المرأة، خاصة في بلداننا العربية، ودول التخلف تعاني تراكب القيود، ومثقلات نتاجات القرون ..
لكن أين هي المرأة السورية اليوم من العيد؟، او من تلك الحقوق؟؟...
وهل لها أن تحتفي به؟.. وبأي حال يجيء وهي أم أو ابنة أو زوج الشهيد؟.. وهي المغتصبة، والنازفة، والمقهورة، والمهمّشة، والمغيّبة حتى في صفوف الثورة..وما آلت إليه الأوضاع عبر السنوات الأربع ؟..
ـ كيف للمرأة السورية أن تحتفي وقد تراجعت قضيتها مسافات، فلم تعد تلك الكلمات المعتادة عن حقوق العمل، وحقوق الحرية، والمساواة بالرجل، وإنصافها في الدستور والقوانين.. تعني الكثير حالياً أمام الوقائع المرعبة التي تعيشها، وتُفرض عليها، بما في ذلك موقعها، ودورها في صفوف الثورة، أو في برامج وسياسة معظم القوى السائدة : اليسارية منها والإسلامية وغيرهما، ناهيك عن نظرة القوى الإسلاموية، والمتشدد للمرأة ومكانتها، وحقوقها .
ـ إن عمليات الاغتصاب المنهّج لآلاف النساء السوريات من خلال نظام الرهاب والفئوية والحقد الفائض، وعبر الشبيحة متعددة الانتماءات : شبيحة النظام أو هؤلاء المحسوبين على الثورة، أو شبيحة الانفلات من كل قيمة وأخلاق هي اليوم ظاهرة فاقعة، بل قضية كبيرة تحتاج الوقفة، والحلول كواحدة من أبرز صور المأساة السورية، وقد قام نظام الإبادة بفعل مدروس باغتصاب آلاف المعتقلات، والسوريات محاولة منه لانتزاع الكرامة والشرف، وخلق مشكلات معقدة تتجاوز المرأة المغتصبة إلى عموم مجتمع الثورة، ومحيط تلك النساء.. بكل ردود الفعل، ونواتج ذلك الفعل، وما يولّده في أصعدة شتى..
ـ بالوقت نفسه، ومع تغول أطراف في الثورة نحو التشدد، والأسلمة تراجع بروز دور المرأة بشكل ملفت، واضمحل تأثيرها الواضح في حين حملت الأشهر، والسنوات الأولى مشاركة حيوية وكثيفة لآلاف النساء في عموم ميادين الثورة.. من التظاهر وقيادة الفعاليات السلمية، إلى التطبيب والتمريض والإسعاف، ونقل الإغاثة..إلى حمل السلاح، وإيصاله.. وكثير من الأعمال المهمة التي تركت فيها المرأة السورية بصمتها المشعّة.. واليوم، وباسم مفاهيم مشوّهة عن الإسلام، ناهيك عن الفكر الداعشي، يجري التراجع حتى عمّا نالته المرأة في نظام الاستبداد من بعض الحقوق الدستورية والواقعية، وتكثر الدعوات المتخلفة "لإعادتها" على البيت، لتحديد وظيفتها كما تقول" الفلسفة الداعشية " بأنها هي مخلوقة أَّمَة، ويجب تحجيبها منذ الولادة، وأنها وجدت وفقط للبيت، والإنجاب، ومتعة الرجال، ناهيك عن مفهوم السبي وما يحصل، وعن قهر البنات القاصرات وإجبارهن على الزواج، وعلى ولوج " بيت الطاعة" المسوّر بأسوأ أنواع القهر، والأسر، والظلم ..
ـ على صعيد آخر .. وفيما يخصّ وجود المرأة في التشكيلات السياسية، إن كان لجهة المعارضة التقليدية، أو الجديدة، أو الهيئات القائمة يمكننا الإمساك بذات العقلية الذكورية، الأحادية، الاستبدادية، وإن تغلّفت، وتبرّقعت بأجمل، وأكبر الشعارات عن المرأة وموقعها، وكيانها، وكينونتها، وعن حريتها ومساواتها بالرجل، أو محاولة الانسجام مع ما تنصّ عليه معظم الوثائق المنشورة والمتفق عليها لسورية القادمة : التعددية، الديمقراطية التي يجب أن تكرّس المساواة الكاملة بين جميع المكوّنات، وأولها المرأة، بما في ذلك حقّ الترشح لأعلى المناصب.. أي حتى رئاسة الجمهورية....
عندما نعاين الواقع لداخل وبنية وممارسات تلك التشكيلات نجد خطاَ عاما يتسم بضعف حضور ووجود ودور المرأة فيها.. درجة الندرة في بعضها، أو المَظهرة الديكورية لدى آخرين... وبما يخالف لوحة الواقع، وحقيقة مشاركة المرأة في الثورة . ناهيكم عن وجودها في المواقع القيادية.
ـ وعلى سبيل المثال عندما قام المجلس الوطني كان حضور المرأة فيه هزيلاً جداً، ولم تغيّره تلك اللمامات المزاجية والترقيعية . أما الإئتلاف فقد شاركت المرأة فيه عند التأسيس اثنتين، ثم صرن ثلاثة، وكان هذا معيباً، ومداناً، وتعبيراً صارخا عن واقع مريض، ورغم التوسعة ظلّ تمثيل المرأة هامشياً، مبعثراً، وانتقائياً، بينما لم ينفذ الإئتلاف قراراً"تاريخياً" متخذا بأن ترفع النسبة إلى 15 بالمائة على الأقل... والأمر نفسه نراه في عموم التشكيلات السياسية، بما فيها تلك التي تكثر من ضجيج الشعارات، وتتزاحم في المزاودات، حتى الحكومة المؤقتة لم تمثل المرأة فيها إلا بواحدة وبعد مداولات ومناقشات جمّة ..
ـ المرأة السورية اليوم : الأم، والمناضلة والزوجة والأخت، والحبيبة، والكيان، والحقوق تواجه ليس التركة الثقيلة الناجمة عن عقود، وقورن الاستبداد وحسب، بل، وأيضاً، مفاعلات التحولات التي عرفتها الثورة، أو فُرضت عليها، والتي تبرز فيها ذكورية تعيدنا إلى قرون موغلة بالجهل والتخلف، وبعضها سابق على الإسلام الحنيف الذي دعا إلى تحسين أوضاع المرأة، ومعاملتها في أمور عديدة على قدم المساواة بالرجل.. حيث يضمحل وجودها، ودورها تحت قعقعة السلاح والحربجيين، وتركن جانباً إلا ما ندر للقيام ببعض الأمور الجزئية، الضرورية التي لا يقدر هؤلاء الرجال على القيام بها .
ـ في اليوم العالمي للمرأة.. وانحناء أمام عظمة، وتضحيات، وبطولات المرأة السورية، وأمام الشهيدات والمعطوبات، والمغتصبات، والمحرومات من الزوج والأب والأم.. منهن.. جدير بنا أن نقف إجلالاَ لها، وأن نحيي وجودها، عاملين بصدق على غفساح المجال لها لتشارك بقوة في الحياة السياسية والكفاحية والاجتماعية لشعبنا.. وأن تثبت مقدراتها الأفعل، والأكثر تحمّلاً، وإبداعاً من كثير الرجال والمسترجلين.. وأن تقوم التشكيلات السياسية المعنية بقرن الشعارات بالواقع، والكلام الكبير بالتجسيد..
ـ كما أن المرأة السورية مدعو لانتزاع حقوقها بجهدها، وعملها، وتنظيماتها، وفرض كيانها على الجميع.. وهذا ممكن حين تتمحور تلك الجهود في أطر قادرة على فرض الممكن ..