موسم الكرة في موسم الأعراس
عثمان أيت مهدي
كانت الأفراح في سنوات السبعينات من القرن الماضي تقام بشكل يراعي الذوق العام وعادات وتقاليد كلّ منطقة. في العاصمة الجزائر تتوافد العائلات من كلّ جهات الوطن للاستقرار والعيش، حيث ظروف الحياة متوفرة ومستقرة مقارنة بالريف أو العمق الجزائري، فهي توفر لك ولأبنائك العمل والتعليم والصحة وغيرها من مستلزمات وشروط الحياة.
كانت الأعراس تقام في فصل الصيف، عموما، لما يوفره للناس هذا الفصل من صفاء السماء والليالي المقمرة والجو الهادئ والعطل السنوية وكذلك التخفيف على العائلات من عبء الاستضافة، فالناس قد تنام على وجه الأرض، وتكتفي باللبن والخبز وبعض حبات التمر للغداء والعشاء.
تختلف بعض المناطق الجزائرية في الشكل عن بعضها البعض، وتتفق من حيث الجوهر واللب. فالعرس يقام نهاية الأسبوع، وليلة العرس يتمّ فيها الأكل والشرب مساء وبعدها يسهر الجميع نساء ورجالا أطفالا وشيوخا مع فرقة موسيقية بحسب انتماء العائلة، إمّا إلى الغرب الجزائري أو الشرق أو الشمال أو الجنوب، فالطبوع مختلفة ومتنوعة إلا أنّ الطرب وميل الجسم إلى الرقص يجمع بينها.
السهرة تكون بمحاذاة منزل العريس، يحضرها الأقارب وأهل الحيّ وبعض من الأحياء المجاورة. قد تمتدّ أحيانا إلى مطلع الفجر، موسيقى وألحان من التراث، كلمات جميلة ومعبرة، ودون مكبرات الصوت، وينتهي العرس بفرح واستمتاع الجميع ثمّ الانصراف إلى لقاء في عرس آخر.
ذلك، كان في السنوات الخوالي، أمّا اليوم، حيث ارتفاع المستوى المعيشي مقارنة بالماضي، وبروز عائلات تعدّ بمئات الآلاف، تمتلك خزائن قارون وهارون، متناثرة في الأحياء المتوسطة للعاصمة والأحياء الغنية. يجمع بينها الغنى والجهل حيث مستواهم التعليمي في غالب الأحيان لا يتجاوز نهاية التعليم الثانوي، إلا أنهم يعرفون من أين تؤكل الكتف، اندسوا داخل النظام وتسلقوا المكانة الاجتماعية واستغلوا الفساد الذي انتشر في دواليب السلطة، فاكتنزوا الأموال بطرق مريبة.
أعراسها تعرفها من خلال نوعية السيارات المشاركة في الموكب، فمعظمها من الطراز العالي والفاخر، تنبعث منها موسيقى الراي أو الساكسو، وأغاني الملاعب.
قبل أسبوع من ليلة العرس يبدأ الحفل بمكبرات الصوت لأغان هابطة، يعيشها الشباب الطائش في الملاعب حين ينتصر فريقهم. ولا تتوقف هذه الأغاني إلا بانتهاء العرس، هرج ومرج، لغط وغوغاء، دخول وخروج من البيت، صياح وبكاء للصغار. إنّه عرس عائلة فلان، سيقضي الحيّ أسبوعا للفوضى، للعلم أنّ أعراسنا لا يتحكم فيها قانون وضعي ولا سماوي، تقام بحسب أهواء أهل العريس ومستواهم الاجتماعي والمادي والعلمي.
أغاني الملاعب من إبداع أنصار الفرق، وهم من الشباب عموما، لكن، كيف يتحول العرس إلى مناصرة للفريق يوم زفاف العروسة فلانة، أو عرس الشاب فلان، تلكم هي المشكلة؟ إذا كانت الرغبة ملحة من العائلات لأنها تجد منتهى غبطتها وأوج سعادتها في مناصرة الفريق فلان أو علان، فلماذا لا تكتري ملاعب تقيم فيها أفراحها، ترقص وتغني إلى الصبح، لا تزعج أحدا ولا يلومها أحد؟
من يعتقد أنّ موسم الكرة في بلادنا يبتدأ في نهاية أوت وينتهي في شهر جوان فهو مخطئ، لأن بعد هذا الشهر تستمر أفراح العائلات في الأحياء إلى غاية سبتمبر، أعراس كلّ أسبوع ومن كلّ الطبوع، تجد أغاني كلّ الفرق من على شرفات المنازل، ومن بداخل السيارات الفخمة حتى تخال نفسك تعيش داخل ملعب كبير.
للنكتة فقط، أتذكر مرة، بأحد أكبر شوارع العاصمة محل للتصوير الفتوغرافي، بداخل واجهة المحل، صورة مكبرة لثلاثي بلغت شهرتهم أصقاع العالم، وهم: لونيس أيت منقلات المغني والشاعر القبائلي الكبير، لوصيف حماني الملاكم المحترف في الوزن المتوسط الذي لاكم شيباطا الياباني على اللقب العالمي في هذ الوزن، إلى جانب لاعب كرة القدم القدير لارباس، لاعب شبيبة القبائل والفريق الوطني. نظر زميلي إلى هذه الصورة التي أعجبته دون شك، وقال مازحا: كلّ واحد من هؤلاء يملك ذكاء حادا دون شك. فأين يقع ذكاء كلّ واحد منهم؟ فقلت له بعفوية وتلقائية: الأوّل في رأسه، والثاني في قبضة يده، والثالث في قدمه اليمنى.