دولة المؤسسات

عثمان أيت مهدي

تحدث وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاجل، يوم السبت 24/08/2013 في تصريحات صحفية: أنّ الجيش الأمريكي مستعد لعمل عسكري إذا قرّر الرئيس باراك أوباما.

قلت: وماذا لو قال وزير الداخلية أو وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي لرئيسه محمد مرسي: سيدي الرئيس، لقد خرج لميدان التحرير وشوارع مصر ما يزيد عن ثلاثين مليون مصري، يطالبون برحيلك، فما أنا فاعل؟

يقول له الرئيس: لم تنته عهدتي بعد، لينتظروا نهايتها. أو سأستدعي الهيئة الناخبة ليوم كذا. أو ها أنا مستقيل إذا رفضني شعبي.

دولة المؤسسات كأعضاء جسم الإنسان، كلّ عضو مكلف بمهمة لا يتجاوزها، ولا يقبل أن يحلّ محله عضو آخر.

لنتصور سيناريو آخر يقع بالولايات المتحدة الأمريكية، وزير الدفاع يقول لرئيسه الأمريكي: لن أقبل أن تطلق رصاصة واحدة على الشعب السوري، كفانا تدخلات في شؤون العالم الثالث، لقد كلّفت الخزينة الأمريكية كذا ملايير من الدولارات، ثمّ يتمرد على رئيسه ويقوم بعزله، وينصب نفسه رئيسا لأقوى دولة في العالم. هذا السيناريو لن يقبله أحد فوق الكرة الأرضية، لأنّ أمريكا دولة المؤسسات التي تسيّر وفق مسار متفق عليه مسبقا من طرف كلّ المؤسسات الفاعلة ومقيدة بقوانين دقيقة وصارمة لا تترك فجوات لخلق أزمات سياسية في البلد.

في بداية التسعينات من القرن الماضي، يتدخل وزير الدفاع الجزائري ليوقف المسار الانتخابي الذي فازت بأغلبية المقاعد البرلمانية فيه الجبهة الإسلامية للإنقاذ، ويُدفع رئيس الجمهورية الرافض لهذا القرار إلى تقديم استقالته أو إقالته كما يحلو للبعض تسميته. تدخل الجزائر نفقا لا تخرج منه أبدا، نفقا مظلما يتيه فيه أهل البصيرة، ثمّ لا أحد يسأل: من المسؤول عن الدماء التي سالت؟ وعن الأرواح التي زهقت؟ وعن النساء اللائي رملن؟ وعن الأطفال الذين يتموا؟ وعن الخسائر المادية التي تقدر بمئات الملايير من الدولارات؟.

قرار غير دستوري، لم يحترم مؤسسات الدولة كلّف البلاد والعباد سنوات من التخلف والضياع. وبعد ما يزيد عن عشرين عاما تقوم الشقيقة مصر أمّ الدنيا بنفس الخطأ، وكأن المؤمن يلدغ أكثر من مرّة من جحر واحد، وهي تعلم أنّ ما قامت به تجاوز للدستور، واحتقار لمؤسسات الدولة، وإلا كيف نفسر تحكم الوزارة في رئاسة الجمهورية، إذا لم يكن كلامنا صحيحا؟

وأكثر من هذا وذاك، بحسب ما ينشر في الصحف وتتداوله أقلام الكتاب والصحافيين بالجزائر، أنّ مديرية تتحكم في جميع الوزارات بما فيها الدفاع الوطني ورئاسة الجمهورية؟؟ ولا أحد يعلو بصوته على صوت هذه المديرية للاستخبارات العامة؟ أخطبوط يتحكم في دواليب الحكم والأحزاب والمنظمات الوطنية والشعبية، يتواجد في كلّ مكان من أرض الجزائر النائمة عن الحضارة والازدهار والتقدم.

دولة المؤسسات في العالم العربي لم تولد بعد، أو ولدت وما زالت صبية في المهد، قد ننتظر سنوات كثيرة حتى تكبر وتصبح يافعة، هذا إن لم تقم وحوش الخفاء باغتيالها من جديد.