ياسمين آذار لمخضب بالدم 48+49

محمد فاروق الإمام

ياسمين آذار لمخضب بالدم

محمد فاروق الإمام

[email protected]

(الحلقة 48)

أبرز ملامح سياسة الأسد الداخلية

اعتمدت خطة الأسد في حكم سورية على:

- توفير الأمن للحكم ولأسرته ولأبناء طائفته الذين يتعاونون معه.

- السيطرة على القوات المسلحة مع الاعتماد على كتلة الضباط الموالين له من طائفته.

- تسخير الاقتصاد السوري لمصلحة أسرته والمتنفذين الذين يدينون بالولاء لحكمه.

- صد كل تحرك شعبي معارض وسحق الاتجاهات المعارضة ومطاردة أصحابها في كل الأقطار.

- محو المقومات العربية والإسلامية للشعب السوري، ومحو هويته وأخلاقه، ونشر الفساد بكل أشكاله.

واقتضى ما سبق بيانه الاعتماد على أجهزة الحكم المتعددة التي بلغت سبعة عشر جهازاً قمعياً، كجهاز المخابرات، وجهاز أمن الدولة، اللذين يضمان أكثر من عشرين ألف شخص وقياداته كلها من طائفته الموالين له، وكانت مهمة هذين الجهازين هي التجسس على الناس، والتدخل في حياة الناس الشخصية، واعتبار كل مواطن مداناً حتى تثبت براءته. وهناك جهاز الأمن المركزي، والأمن السياسي، وفرع فلسطين والمخابرات الجوية ومخابرات الحرس الجمهوري.

ناهيك عن السجون والمعتقلات الرهيبة في كل محافظة، وما فيها من صنوف التعذيب وآلاته الرعيبة. وسرايا الدفاع، التي كانت تضم أكثر من عشرين ألف مقاتل.

لقد ظهرت الخلفية الحزبية والطائفية بأحقادها وشرورها من خلال إشاعة التحلل الخلقي، وانتشار الرشوة، فعم الفساد والذعر والإرهاب داخل البلاد وخارجها. وأضحى النظام الحاكم أشبه بنظام عصابات المافيا، وبشريعة الغاب، وبات الناس يعيشون في حالة من الفوضى لامثيل لها، فالقوي يبطش بالضعيف، وانتشرت المظالم والمنكرات، وتحولت أغلبية الشعب تحت وطأة هذا النظام إلى مجموعات فقيرة، تجهد نفسها من أجل تحصيل لقمة العيش إذ أن البلاد ومنذ أاكثر من أربعين عاماً وهي تحكم بالحديد والنار، في ظل قانون الطوارئ المعلن منذ 8/3/1963م.

فالحاكم العرفي، يملك حسب قانون الطوارئ أن يفعل "بأي مواطن أو مقيم على أرض سورية، أو مار بها" مايشاء، بمصادرة حقه في الحرية وحجزه إلى آماد غير محدودة، قد تصل لأكثر من ثلاثين عاماً مع مصادرة أمواله المتحولة وغير المنقولة ويشمل مصادرة حقه في الإقامة والتنقل، وحرمان المواطن من وثائق السفر وغيرها. أما السجون فقد غصت بالمعتقلين الذين يعدون بعشرات الآلاف، ومازال الناجون منهم يروون قصص التعذيب الوحشي، وفيها تصوير حالات الإعدام والقتل في تلك السجون، وقد كثرت الكتب التي يصور أصحابها المآسي في تلك الفترة، من ذلك كتاب (شاهد ومشهود) لصاحبه: محمد سليم حماد، صدر عام 1998م، بعد أن سجن صاحبه 11عاماً، وهو طالب أردني كان يدرس في جامعة دمشق، واعتقل مع آخرين. وقد صور فيه صاحبه أهوال التعذيب في سجن تدمر، من صعق بالكهرباء, والتعليق من القدمين، والضرب المبرح، وتحدث الكاتب عن الأجواء المرعبة والإعدامات المتواصلة لسجناء الرأي داخل السجن، وقد شاهد وفاة عدد منهم، والكتاب مطبوع في الأردن.

ونموذج آخر للطالبة الجامعية هبة الدباغ التي كانت تستعد في 31/12/1980م، للتقدم لامتحان صباح اليوم التالي في جامعة دمشق، حين داهم شقتها عصابة من الأمن المركزي والسري، وطلبوا منها أن ترافقهم إلى مركز التوقيف للأمن السياسي في دمشق.

وقد أصدرت هبة كتاباً في 239 صفحة من القطع المتوسط، تحت عنوان (خمس دقائق فقط) حيث قال لها عناصر المخابرات السرية: نريدك خمس دقائق فقط، فمكثت في المعتقل تسع سنوات، وقد روت السيدة هبة ماشاهدتها في سجنها من وسائل تعذيب وحشية، من التعذيب البدني الذي لايطاق، ويشمل الضرب على سائر أنحاء الجسم، كما صعقت الفتاة بالكهرباء مراراً، واستمر سجنها تسع سنوات، وشاهدت في سجنها معتقلين من الرجال يعرضون للتعذيب، كما شاهدت أكثر من جثة للمعتقلين ماتوا تحت التعذيب.

والجدير بالذكر أن الكاتبة المذكورة قد فقدت والدها ووالدتها وثمانية من أخواتها وإخوانها في المجازر الجماعية التي ارتكبتها القوات العسكرية في مدينة حماة في شهر شباط عام 1982م.

وهناك المواطن السوري الذي آثر أن يروي مأساته في روايته المدهشة (القوقعة-يوميات متلصص) تحت اسم (مصطفى خليفة) وهو مسيحي يدين بالمذهب الكاثوليكي، وعاش لنحو 6 سنوات في باريس يدرس الإخراج السينمائي وفضل العودة إلى الوطن ليقدم خبرته لبلده فساقه حظه العاثر إلى سجن تدمر بتهمة الانتماء للإخوان المسلمين وأمضى في السجن الصحراوي سيء السمعة نحو 12 سنة وضمن ذكرياته الأليمة في كتابه القوقعة الذي نشرته دار الآداب-بيروت 2008.

وكذلك كانت حكاية الشاب الأردني المهندس سليمان أبو الخير الذي كان يدرس في ألمانيا وأحب أن يوفر بعض المصاريف على أهله في رحلة كان ينوي فيها زيارة أهله في الأردن في العطلة الصيفية فدخل سورية عن طريق البر في سيارة ألمانية بهدف بيعها في الأردن والاستفادة من ثمنها، فكان جلاوزة الأمن على الحدود السورية له بالمرصاد فاقتيد مع شخصين آخرين اصطحبهما معه من تركيا لقاء أجر كانا ينويان السفر إلى السعودية بقصد العمل، إلى أحد فروع المخابرات في دمشق، وليحط رحاله فيما بعد في سجن تدمر الصحراوي لمدة خمس سنوات، ويروي عذاباته في ذلك السجن الرهيب في كتاب تحت عنوان (الطريق إلى تدمر – كهف في الصحراء – الداخل مفقود، والخارج مولود) طبع في الأردن-دار الأعلام 2011م.

يتبع

-----

ياسمين آذار المخضب بالدم (الحلقة 49)

رفعت الأسد يعد لانقلاب عسكري على أخيه حافظ الأسد

1984

يروي العماد مصطفى طلاس وزير الدفاع السابق أيام الرئيس الراحل حافظ الأسد في مذكراته أحداث محاولة انقلاب رفعت الأسد على أخيه فيقول:

(استشعر الرئيس الأسد أن رفعت جاد في عملية السيطرة على دمشق فطلب مني إحباطها وإشعاره أن المواجهة ستكون عملية انتحارية.

في أوائل شهر شباط من العام 1984م كنت متوجهاً إلى مكتبي في القيادة العامة ولدى مروري قرب حديقة الجاحظ لاحظت عدّة صور ملصقة على الحيطان لشقيق الرئيس «العميد رفعت الأسد» وكانت الصورة تمثله وهو رافع قبضة يده كدليل على القوة والتحدّي,, ولم أكن مرتاحاً نفسيّاً لهذه المناظر المؤذية والغبية وقلت بنفسي طالما أنّني انزعجت منها فلابدّ أنّ الرئيس حافظ الأسد سيكون أشدّ انزعاجاً لأنّ هذا الموضوع يخصّه بالدرجة الأولى قولاً واحداً.

كان الرئيس الأسد الشخص الوحيد الذي يتابع المواضيع الأمنية داخل الوحدة /569/ (سرايا الدفاع) ذلك أنّ العميد رفعت عندما كان يستشعر أنّ أحد ضبّاط الأمن في وحدته يتعامل مع شعبة المخابرات كان يزجّ به في السجن الخاص بالوحدة ولا يعود أحد يعرف عنه شيئاً لذلك أصبحت الوحدة تشكل (غيتو) خاصاً يصعب انتهاكه ومع هذا فقد كان للقائد الرئيس حافظ الأسد بعض الضباط داخل الوحدة يزوّدونه بأخبارها الخاصة عبر قنوات سريّة للغاية لم يستطع حتى رفعت نفسه أنْ يحيط بها, وبدأت تتشكّل القناعة لدى القائد الأسد أنّ رفعت يبيّت شيئاً ما وأنّ الوحدة في حالة استنفار دائم مع أنّ الظروف المحلية لم تكن تستوجب ذلك.

إقصاء قائد الكتيبة (170):

في منتصف شهر شباط عام 1984م وجّه القائد حافظ الأسد بنقل قائد الكتيبة «170» (كان القائد الأسد يهدف من وراء عملية حماية القيادة العامة من سيطرة العميد رفعت المباشرة عليها كما أن تغيير القائد المحسوب شخصياً على رفعت وبخاصة في هذا المركز وفي هذا الظرف يعني أن صاحب القرار في تعيين الضباط ونقلهم هو الرئيس الأسد قولاً واحداً, كما أن نقل هذا الضابط يعتبر أول ثقب في قلعة رفعت الأسد) وهي الوحدة المكلّفة بحراسة مبنى القيادة العامة ووزارة الدفاع وكان قائد الكتيبة العقيد سليم بركات من أتباع العميد رفعت الأسد ومن المحسوبين عليه شخصيّاً وقد تمكّن رفعت من إقناع الرئيس الأسد بتعيين هذا الضابط (رغم قلة كفاءته المسلكية) في فترة نشاط الإخوان المسلمين في أواخر السبعينيات ورغم معرفتي بتفاهة هذا الضابط ويشاركني في الرأي رئيس الأركان العماد حكمت الشهابي ورئيس شعبة المخابرات اللواء علي دوبا فانّنا لم نُبدِ رأينا بصراحة وتركنا الأمر يصدر دونما لفت نظر للسيد الرئيس لأننا كنّا نعلم أنّ رفعت كان هو وراء هذا التعيين وكان الهاجس الأمني هو المسيطر على ذهن السيد الرئيس ولذلك كانت الكفاءة العسكرية تتراجع إلى المرتبة الثانية.

ولمّا كان أول الغيث قطرة فقد صدر الأمر بنقل الضابط المذكور بتاريخ 19/2/1984م وتعيين المقدّم علي يونس عوضاً عنه وتمّ إبلاغ أمر النقل لقائد الكتيبة «170» من قِبل العماد حكمت الشّهابي لأنه يتبع إليه مباشرة وكان ذلك في 18/2/1984م الساعة الحادية عشرة صباحاًَ كما تمّ إبلاغ اللواء علي دوبا من قِبل العماد حكمت أيضاً بأنّ قائد الكتيبة المنقول محظر عليه دخول مبنى القيادة العامة بتاتاً.

غادر قائد الكتيبة «170» مبنى القيادة العامة وهو بحالة غضب شديد وتوجّه مباشرة إلى مقر قيادة العميد رفعت الأسد في القابون وشكا له الأمر وكان توجيه رفعت للضابط بأنّ يعود مساءً إلى قيادة الكتيبة ويتسلّم قيادتها من جديد وكان العميد رفعت يعتقد بداخل نفسه بأن القائد الأسد أصدر أمراً بنقل أربعة عشر ضابطاً من المحسوبين على رفعت الأسد بتاريخ سابق ولم ينفذ منهم أحداً الأمر وسكت الرئيس الأسد على مضض ولو لم يكن هؤلاء محسوبين على شقيقه رفعت لكان مصيرهم السجن أو العزل من الجيش في أضعف الاحتمالات.

في الساعة الخامسة بعد الظهر عاد قائد الكتيبة المنقول العقيد سليم بركات إلى مقر القيادة العامة ولم يمانع الحرس لأنّهم أساساً من عناصره وطلب إلى قادة السرايا أنْ يجمعوا له عناصر الكتيبة بلباس الميدان الكامل وبعد دقائق كان الاجتماع جاهزاً في ساحة الأركان الخلفية فخطب بهم قائلاً: «لقد عيّنت قائداً للكتيبة بتوجيهات من العميد رفعت الأسد ولن أغادر هذه الكتيبة إلا بأوامر شخصية من القائد رفعت الأسد (كان هذا التعبير يروق كثيراً للعميد رفعت ولذلك كان عناصر سرايا الدفاع كافة يردّدون هذه العبارات وكذلك المنافقون من عسكريين ومدنيين.

وعَلِمَ اللواء علي دوبا بالأمر من قائد الكتيبة الجديد فتوجّه مباشرةً بسيارته إلى مقر قائد الكتيبة وطلب إلى العقيد أسعد صباغ والمرافقة أنْ تلحق به وصعد مباشرة إلى حيث يتواجد العقيد بركات وتوجّه نحوه قائلاً: لقد انتهى كل شيء ولم يعد لك مكان في هذه الكتيبة وعليك أنْ تغادر فوراً, وصرخ العقيد بركات وهو شاهر مسدسه: سيدي اللواء لا تقترب منّي رجاءً, فقال له اللواء دوبا: بل سأقترب منك يا ابن الكلب.

وفي هذه اللحظة وصل العقيد صباغ وعناصر المرافقة (أربعة مساعدين مسلّحين بالبنادق الروسية) وقاموا بتجريد العقيد بركات من سلاحه وهتف اللواء دوبا إلى العماد حكمت بأنّ المسألة قد حُلّت, والتفت إلى العقيد سليم قائلاً: أتشهر مسدّسك عليَّ يا سليم فقال له: معقول يا أبا محمد أنْ أشهر مسدّسي عليك, وهنا قام اللواء دوبا بصفع العقيد بركات على خدّه: أنا اللواء علي دوبا ولست أبا محمد سأحاكمك يا سليم بركات, ثم أمر اللواء دوبا بإطفاء الأنوار في الكتيبة وأمر العقيد أسعد صباغ بإنزال العقيد بركات في سيارته وزجّه في سجن الشرطة العسكرية بموقع القابون وانتهت الحادثة دون ضجيج وبقي الذين يعلمون بها محصورين في أشخاص معدودين.

يتبع