أخلاق علماء الجزائر
معمر حبار
من النعم التي يظلّ المرء يفتخر بها، أنه كلّما جالس العالم الفقيه، الشيخ بوعبد الله، المشرف على تخريج الأئمة بغليزان، إلا وتجاوزت الفائدة الأسماع، وكانت مادة يفتخر بها الحبر، لتوضع بين يدي القارىء، فيعمّ الفضل، وتسود الفائدة. ومما جاء في الجلسة ..
تواضع الشيخ البودالي : كان العالم الجليل، الشيخ البودالي الفارسي، رحمة الله عليه، من أولاد فارس، التابعة لولاية الأصنام سابقا، والشلف حاليا. وهو من آيات الله في اللغة والأدب والتفسير والخطابة، يعمل مفتشا بوزارة الشؤون الدينية. وبعد استرجاع الجزائر للسيادة الوطنية سنة 1962، طُلب منه أن يقوم بتفتيش زاوية سيّدنا الإمام بَلْكْبِيرْ ، رحمة الله عليه، ورضي الله عنه وأرضاه، وهو من هو في العلم والفقه والتدريس والمكانة والرفعة. فاتّجه الشيخ البودالي، برفقة مدير الشؤون الدينية لتلك المنطقة يومها، واحتراما للعالم بَلْكْبِيرْ وتأدبا معه، رفض أن يتقدم بصفة مفتش، وهي الصفة الرسمية، وفضّل أن يُقدّم نفسه على أنه زائر كغيره من الزوار، الذين قادهم الفضول، لمعرفة المزيد حول الزاوية، وطريقة التدريس، وعدد طلابها، والمنهج العلمي والشرعي المتّبع للتدريس.
وبعدما رجع العالم البودالي إلى مقر عمله بالجزائر العاصمة، طَلب على الفور، أن يُمنح التثبيت للزاوية، لتفوّقها الواضح وتميّزها الجلي وعطاءها الدائم، وعلى رأسها سيّدنا الإمام بَلْكْبِيرْ. وبهذا الأدب السامي مع أهل العلم، حفظ الامام البودالي، للإمام بَلْكْبِيرْ قدره، ولم يخدش مكانته بالتفتيش.. فكانت أخلاق هذا العالم من أخلاق ذاك العالم، رحمة الله عليهم جميعا.
شرف العلم، وعلم الشريف: وفي نفس الجلسة، قال أحد الجلساء .. أن وزارة الشؤون الدينية، طلبت من العالم غلام، وهو من علماء الجزائر، القاطنين بغليزان، أن يقوم بتعليم الأئمة الذين لايملكون مستوى علمي، قصد منحهم شهادة تُثبتُ المستوى العلمي. وتشاء الأقدار أن أحد القائمين على إحدى الزوايا، وهو من الأشراف، لم يكن له المستوى العلمي المطلوب، فكان لزاما عليه، أن يتلقى العلم على يد العالم غلام.
اتّجه الشيخ غلام للشريف ابن الشريف، وقال له .. إني جئتك لأتعلّم عنك، ونتدارس فيما بيننا، ولم يقل له قَدِمْت لألقّنك الدروس، وأعلمّك، وهو أهل لذلك. واستمر على ذلك الحال حينا من الدهر، إلى أن نال الشريف العلم والشهادة. فحفظ العالم غلام، رحمة الله عليه، للشريف ابن الشريف، هيبته ومكانته، بأدبه الرفيع، فنال شرف تعليم الشرفاء، ونال الشرفاء بفضله، شرف العلم والتعلم، فازدودوا بالعلم شرفا.