عندما تصلب الحقيقة أمام أبو الهول
يقف المرء عاجزا وحائرا امام ما يجري من اعمال عنف وقتل وابادة ، للمواطنين المصريين ، للمتظاهرين السلميين ، للشعب الاعزل ،ان عمية فض الاعتصام في ميدان النهضة وفي ميدان رابعة العدوية ، وما رافق من اعمال مشينة ومهينة ، بحق المعتصمين الامنين ، من تجييش للإعلام المصري المستكتتب ،واعطاء تصاريح صريحة بالقتل بدم بارد للمعتصمين ، والانقضاض على المعتصمين كأنهم ألد أعداء الوطن ، وسرطانه القاتل ، فاعمل سيف القتل الأعمى بالمعتصمين ، فلم يميز بين الأطفال والشيوخ والنساء والشباب ، وما تلى المجزة من اعتقالات تعسفية للصحفيين والمتظاهرين والسياسيين ، بهدف التنكيل ونشر سياسة الرعب والترهيب الامني وترويع للشعب ، وكم افواه الاحرار ، ثم القصة معروفة خرج مئات الالاف من المتظاهرين للتعبير عن رفضهم لاستعمال القوة الخشنة والقتل بدم بارد لآلاف المصريين دون ذنب اقترفوه ، وضد عودة نظام مبارك بقوة ، وضد سياسة الاقصاء وضد الظلم الصارخ ، فكان رد الجيش وقوة الامن ، والبلطجية الذين عاضدوا وساندوا وشاركوا بعمية الانتقام والتنكيل والقتل بترحيب من قوى الامن !! والغريب والصادم في الامر ،تلك الوحشية المستوردة من العصور الوسطى ومحاكم التفتيش ، والقتل عينك عينك امام عيون الزمن وانف ابو الهول المكسور ، وقلب القاهرة المقهور والمكلوم والنازف ، وكان النيل تلون بدم الشهداء ويصرخ ، فيعود صدى الصوت خائبا لان الشجب والهمس والاستنكار لم ولن يستطع وقف حمام الدم الذي حذرنا منه قبل نحو شهر ، وتفسر الداخلية المصرية ، اقوال كل من يقول كلمة الحق على انه تدخل سافر في الشأن المصري ، واستنجاد المصريين بالغرب او بالخارج ، ومن الامور الغريبة والمريبة هو موقف الاعلام المصري الذي يحرض على قتل المصريين ، ويلصق بهم ابشع الصفات واقذر الاعمال ، فصار كل من يتظاهر وهو من ابسط الحقوق ومن انجازات ثورة 25 يناير ، اصبح بين ليلة وضحاها "إرهابي" ومارق وخارج عن القانون ويهدد الامن القومي !!! ما هذا الامن القومي الهش الذي يهتز من حركة متظاهر سلمي يرفع يده الفارغة الى اعلى فيقابل بالرصاص الحي ، وكيف يستهدف العلماء والصحفيين والمسعفين والاطباء والنساء !!! وكيف استطاع الاعلام المصري الموالي للانقلابيين انكار جرائم الدولة وعرض الاغاني العاطفية الافلام التي أكل عليها الدهر وشرب والمسلسلات التركية الغرامية ،كان شيئا لم يكن، حتى ان الاعلام الإسرائيلي استهجن واستغرب هذا التجاهل التعمد والسافر للمذابح التي ارتكبت بحق انصار الرئيس المعزول محمد مرسي ، على قادة الانقلاب لم يدركوا خطورة الموقف الذي صنعوه بالشعب المصري ، وهيبته وبالجيش المصري ومصداقيته والهالة المقدسة التي تلفه ، الذي الغى وظيفته الاساسية كوظيفة أي جيش طبيعي في العالم ،ان الدماء التي سالت لن تغسل عارهم ومكرهم والجرائم الكبرى التي اقترفوها ، بل هي لعنة ابدية ازلية على كل من تلوثت ايديه بدم الابرياء ، وليس من الشطارة قتل اكبر عدد من الناس العزل ، يستطع أي جيش في العالم ومن العالم الثالث القيام بذلك ، وليس من الحداقة اقصاء والغاء اكبر حزب سياسي الذي يشكل ربع الشعب المصري ، وفاز في انتخابات ديمقراطية ، ولا نناقش مستوى اداء الاخوان المسلمين ، الذي تميز بالضعف وقصر النظر ، لكن هذه تجربة الشعب المصري الذي حرم عقودا من رياح الديمقراطية ، انعكس الامر على اداء جميع الاحزاب السياسية المصرية دون استثناء، والجيش طبعا اقتنص الفرصة ليعلمهم اصول "اللعبة السياسية " لكن ليس من المستغرب ان يصيب الجيش المصري ما اصاب الغراب حينما حاول تقليد مشية الحجلة ، الجيوش تعرف الحل الامني وليس لديها الرؤية الشاملة والمدركة والواعية للأمور ، القضية لم تعد عودة محمد مرسي لكرسي الرئاسة ام لا ،انما كيف يهان المواطن المصري وكيف تداس وتسحق حقوقه ، كيف تصادر ابسط حقوقه الطبيعية ، التي في الحقيقة لم تكن بحاجة الى ثورة شعبية مثل : الحق في الحياة ، الحق في التنقل والحركة ، وحرية العبادة واداء الشعائر الدينية، حرية التظاهر ، حرية الصحافة والتعبير عن الرأي ، حرية اقامة احزاب سياسية ،هذه الحقوق تسحق امام مجنزرات الدبابات ،وسط تصفيق المنتفعين وابواق السلطة ، وكل من يقول كلمة حق وراجع مواقفه او يبدلها ، كما حدث من السياسي محمد البرادعي هذا الشخص المهم عاليا والذي ساند ودعم واصبغ الشرعية على عملية الانقلاب وعزل الرئيس محمد مرسي ، بعد ان قدم استقالته للرئيس المؤقت منصور العدلي ، فتحت ابواق النظام النار عليه والصقت به ابشع التهم ، فصديق الامس اصبح العدو اللدود فقط لأنه رفض التغاضي عن سفك الدماء والمجازر وفض الاعتصام بالقوة المفرطة ، اصبح في نظرهم هارب وعديم المسئولية ، ومن لا يؤيد خطوات العسكر الغريبة يصبح خارج السرب وخارج الخارطة المصرية ، وفي خانة الارهاب والمتآمرين ، ويجب ان يذوق أقسى صنوف العذاب وأبشعها عبر التاريخ الانساني، في الحقيقة ان الذي جرى في القاهرة وسائر المدن المصرية وبمختلف المحافظات على يد قوى الامن المصري ، لم يقترفه عبر التاريخ بهذه الصورة البشعة سوى هولاكو التتري ، الذي اسقط الخلافة العباسية ، واحتل بغداد الحضارة ، وقتل مئات الالاف من سكانها الامنين وطمس معالم الحضارة وجمال بغداد عام 1258م ، لكن التاريخ عاد وانصف بغداد وجراحها بانتصار المسلمين على التتار في معركة عين جالوت عام 1260م، بقيادة الجيش المصري تحت حكم المماليك بقيادة السلطان قطز والظاهر بيبرس وبمعاونة جند الشام ،وما اسبه اليوم بالأمس ، قد يجد البعض صعوبة التخيل كيف قام هولاكو بذبح سكان بغداد و كيف عذب التجار والعلماء وكيف دمر المساجد ، ويقول قائل هل انعدمت الرحمة من قلب هذا القائد الفذ ؟ويقول اخر انه يشكك بما وصلنا ، اما اليوم انك تشاهد الموت بشكل مباشر وحي تشاهد كيف تحرق المساجد وتقصف المآذن، وتموت الكرامة والشهامة والعروبة وتنتحر الاخلاق على اعتاب القاهرة وتخجل الشمس الصامتة فوق رأس " ابو الهول " الذي يسجل بدقة كل الجرائم البشعة للتاريخ للزمن والتاريخ لا يرحم ، وبقاء الحال على هذا محال ، ان كسر ارادة شعب وتزييف رغبته وحبس انفاسه ومصادرة ارواحه وتحطيم احلامه واغتصاب شرعيته قضية لا يمكن حلها بتصريح واغنية وتهديد متعجرف ،والان يمكننا قراءة الفاتحة على الديمقراطية والانسانية والحرية والثورة في مصر حتى اجل غير مسمى ، لان يد الشر هي العليا في الوقت الراهن ، لكن لا بد للشمس ان تشرق من جديد فوق الاهرام لتعد شعب النيل بغد افضل .