ابكوا يا مسلمين فالخير والعطاء في البكاء وفي تركه القسوة والشقاء
ابكوا يا مسلمين
فالخير والعطاء في البكاء وفي تركه القسوة والشقاء
المنصور الشافعي
بسم الله
كتب إلي يشتكي أن لا أرسل لوالده مقاطع فيديو مؤلمة فهذا يضر بصحة والده ويرفع السكر عنده ويقضّ مضجعه !!!
أقول والله المستعان " قال عز اسمه (والله يعلم وأنتم لا تعلمون) وقال تعالى مادحا بعض عباده ( يخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا) وقال( ممن هدينا واجتبينا وإذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا)
وقال الصادق المصدوق "لا يدخل النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع" وفي حديث السبعة المظللة " ... ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه" "عينان لا تمسهما النار عين حرست في سبيل الله وعين بكت من خشية الله"ومن أحب الأشياء إلى الله تعالى قطرتين "قطرة دمع من خشية الله وقطرة دم في سبيل الله" .
أفيأنف أحدهم إذ بذلوا مهجهم وسالت دماؤهم كالأنهار من ظلم وعسف أن يذرف عليهم قطرات ويسكب عبرات تالله لو تلفت النفس عليهم حسرات ما كان بذلك مسلم بملوم بل كان بذلك جدير وبه خليق
أي إنسان مسلم هذا الذي يربأ بنفسه عن أعظم موعظة وعن ذكر ما يصلح له به الله سره ولمظته وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم" وهؤلاء أهلنا يسر الله لبعضنا ملاذا ولم ييسر لهم فعجل لهم الكرامة ، أفيحسن بمسلم أن يرغب حتى في رؤية حالهم! وكان حقه أن يشاركهم حالهم . إن كثيرا من الشباب لقوا حتفهم وهم يصورون لنقل الحقيقة والحادث لنا وللعالم فما ظنك بهم يوم القيامة إذ أطلعهم الله تعالى على إعراضك عما بذلوا في سبيله نفوسهم لتنصروهم وتشعروا بهم فتواسوهم وتدعوا لهم وتجأروا إلى الله تعالى صباح مساء مخلصين لهم وهذا أدنى أدنى ما يجب عليك يا مسلم فقد حكى الإمام مالك الإجماع على وجوب الخروج من جميع المال لاستنقاذ مسلم واحد من يد الكفار
قال ابن عمر (رضي) لأن أبكي من خشية الله أحب من أن أتصدق بألف دينار .وقال غيره أحب إلي من أن أتصدق بوزني ذهبا والبكاء على المستضعفين بكاء في سبيل الله فقد أشرك الله تعالى سبيلهم في سبيله سبحانه (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين) وبكاء النبي والصحابة والسلف معلوم ولا يحتاج عليه لدليل
ففي البكاء والحزن حياة القلوب ورقتها وبها تشحذ النفس على العبادة والعطاء فهو وقود العمل الصالح وزيت القلوب المومنة والمحروم من جهل ذلك ومنع عن نفسه أبواب الخير ومفاتيحه وقد جاء في الأثر التحريض على التباكي إن لم يجد الإنسان ما يبكيه
وأختم قولي بحديث النبي"إن الله يحب كل قلب حزين" وهو حديث حسن وما أحبه الله لعباده ففيه الخير لهم ولا ريب فليس الحزن والبكاء مما يضر بالصحة ويرفع كما يشاع نسبة السكر بل على العكس من ذلك هما يخفضان السكر وينفعان الإنسان لأن المشاعر الوجدانية تزيد من عمل الغدد الصم وإفرازاتها وتحرض على إنتاج الأنسولين وغيره من المفرزات كالدمع وقد قال النبي لحالب الشاة "دع داعي اللبن" وداعي اللبن بقية تترك في الضرع ترضعها السخلة فتدر به الضرع من الشفقة التي يخلقها الله في أمه ، أما ما يضر بالصحة ويرفع السكر ويعطل عمل الغدد والأعضاء فذاك الاكتئاب الذي يحتقن في القلوب والنفوس والأعضاء فيضر بها ، وليس ثمة متنفس ونحن المسلمون مؤمنون بالقضاء والقدر خيره وشره من الله تعالى رفعت الأقلام وجفت الصحف بما أراد الله وما يكون ولكن القلب يحزن والعين تدمع ولا نقول إلا ما يرضي الرب سبحانه. فشتان شتان بين من يحبس على اليأس والخمول وبين ما يحدوك على العمل والبذل والجهاد والانتصار . لقد أثبت العلم الحديث صدق ذلك فقد انتهت دراسة علمية بريطانية وأخرى في جامعة أنجلا روسكن الأمريكية إلى أن الأشخاص الحزينين هم أفضل من الفرحين صحة دماغية وحضور ذاكرة . وبعد فراغي من كتابة هذه الأسطر يسر الله تعالى أن وقعت على قول للطبيب بيتر هيلز مدير هذه الدراسة يقول :ومع تقرير أن الحزن هو الأفضل ينبغي علينا أن نصل إلى كيفية عدم الوقوع في الاكتئاب الضار. فللّه الحمد على ما أفهم وأعلم ولله الحمد ملء العرش والكون على نعمة الإسلام.