العنصرية العلمانية

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

هناك أوجه شبه عديدة بين نظام الفصل العنصري الأبرتايد في جنوب إفريقية قبل  استقلالها، والنظام العلماني الانقلابي الراهن في مصر. في جنوب إفريقية عنصران بشريان أحدهما ينتمي إلى الجنس الأزرق أو ما يعرف بالبيض، والآخر ينتمي إلى اللون الأسود أصحاب الأرض الأصلية. الأولون أقلية(4 ملايين) ولكنها تملك المال والسلاح والمعرفة، والآخرون أغلبية كاسحة (29 مليونا )ولكنها محرومة من أساسيات الحياة والتعليم. الأولون يقررون مصير الأغلبية الكاسحة، وهذه لا تملك من أمرها شيئا. الأقلية تعيش متميزة وفق نظام خاص وفي أماكن معينة لايجوز للأغلبية أن تقترب منها أو تمارس مثيلا لها والكثرة الغالبة تعيش تحت خط الفقر والقهر في معازل خاصة وليس مسموحا لها بالعمل إلا في أعمال محددة. الأقلية الظالمة تملك الإعلام والصحافة ووضوح الصوت الكاذب الذي يجمّل القبح والظلم أمام العالم، كما تملك الحكم وحق الانتخاب والملكية وممارسة السياسة أما الأغلبية فقد منعت من حق الانتخاب وحق الملكية إضافة إلى انعدام المساواة بينها وبين البيض في تقاضي الأجور إضافة إلى عزلها في المساكن وأماكن العمل والمدارس.

المقاومة لدى الأغلبية الإفريقية حسمت الموقف،واستطاعت أن تلقن الأقلية الظالمة درسا تاريخيا، وتنتصر عليها وترغمها على القبول بالديمقراطية وصندوق الانتخابات والتعايش في ظل المساواة والعدالة التي تحكم جميع السكان.

الأغلبية الإسلامية في مصر تعيش اليوم أوضاعًا مشابهة لأوضاع الأغلبية الإفريقية المضطهدة قبل انتصارها في عام 1994م، فالأقلية العلمانية المصرية التي تضم العسكر والكنيسة واليسار الشيوعي والناصري والليبراليين والفاسدين، لا يسمحون للإسلاميين بالمشاركة في الحكم ولا يقبلون أبناءهم في الكليات العسكرية والشرطية أو التجنيد أو العمل في مؤسسات القضاء والنيابة والجامعات وفيما يطلق عليه الأجهزة والمؤسسات السيادية. الأقلية العلمانية تعد الإسلام دينا إرهابيا متطرفا متشددا، وتحشد أبواق الدعاية الرسمية والحزبية والخاصة ضد الإسلام والمسلمين وتعمل على شيطنتهم وجعلهم أعداء للوطن بدلا من العدو الصهيوني الذي يفرض هيمنته على المنطقة ويمنع الحكومة المصرية من السيطرة على سيناء ويحول بين انتشار عناصر عسكرية من الجيش المصري على فضائها إلا بإذن من تل أبيب!

مؤخرًا أعلن الجيش طرد نجل المهندس أبو العلا ماضي من الخدمة العسكرية قبل ثماني شهور من انتهائها، بعد اعتقال أبيه لأنه يعارض الانقلاب العسكري الدموي الفاشي.

صحف البيادة التي يشرف عليها جهاز الشئون المعنوية التابع للعسكر الانقلابيين لا تتوقف عن المناداة بمحاكمة الإسلاميين، بل دفنهم في مقابر جماعية من أجل " لم الشمل "، ولا تتوقف كتائب الردح الصحفي والإعلامي التابعة للبيادة العسكرية والبوليسية من الدعوة إلى حل الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية وتطهير الوزرارات والمؤسسات من كل من يبدو عليه أي توجه إسلامي أو اعتزاز بالإسلام.

قبل أيام أصدر مثقفو البيادة ممن يتصدرون المشهد الثقافي والمعروفون باسم مثقفي الحظيرة بيانًا يطالبون فيه إعلان جماعة الإخوان منظمة إرهابية، وأنها جماعة منظمة غير وطنية، عمدت منذ تأسيسها المريب عام 1928 على شق الصف الوطنى، وعداء الحركة الوطنية فى مواجهة الاحتلال البريطانى والقصر، وكانت تصطف بجوار السلطة ضد الحركة الوطنية.الموقعون على البيان هم من غلاة الشيوعيين الدمويين الذين يحاربون الإسلام في أنشطتهم الثقافية والفنية والفكرية، وهم إقصائيون استئصاليون إلى أبعد مدى.وهم أعوان السلطة الاستبدادية الفاشية على مدى ستة قرون ولم يخجلوا من أنفسهم وهم يقبلون بيادة البوليس القابع في لاظوغلى أوالعسكر المقيمين في وزارة الحرب.

ومنذ بدأ الإعداد للانقلاب العسكري الدموي الفاشي، ظهرت جماعات من البلطجية الفوضوية الإرهابية تعتدي على الملتحين والمنتقبات وفق خطة ممنهجة وصلت  إلى الحرق الكامل لأحد الشباب الملتحين ببورسعيد، وكانت أحدث جرائمها منذ أيام خطفها لأحد أعضاء هيئة التدريس بجامعة الأزهر الشريف هو الدكتور محمود شعبان والاعتداء عليه  وإهانته. وتم ذلك في مكان عام هو ميدان التحرير وبالقرب من وزارة الداخلية التي تبارك الاعتداء على المسلمين وتؤيده ضمنا بحكم عداوتها التاريخية للإسلام. لقد قام البلطجية المجرمون الذين تحميهم السلطة الانقلابية بالاعتداء على سيارة الرجل وقاموا بالاستهزاء والسخرية منه وشد لحيته وحبسوه في إحدى الخيام، إلى أن سلموه إلى قسم شرطة قصر النيل. ثم زعموا على منصة الكذب والضلال بميدان التحرير أنهم وجدوا على هاتفه الخاص رسائل مسجلة تفيد بأنه يتلقى تمويلاً لدعم الجهاديين ولا يعرف مصدرها، ومن هم الجهاديون المقصودون فى هذه الرسالةثم زعم معمم فاسد يحارب الاسلام ويعتصم في التحرير أن الدكتور شعبان تمت معاملته معاملة حسنة والسماح له بالنوم والوضوء لأداء الصلاة على عكس ما تفعله جماعة الإخوان المسلمين برابعة العدوية بمعارضيهم، مشيرًا إلى أن الثوار حرصوا على تسليمه لقسم الشرطة لاتخاذ كل الإجراءات القانونية! والسؤال هو: من أنتم؟ وما هي سلطتكم أيها البطجية الكذبة لتخطفوا رجلاً من عرض الطريق ثم تسلموه للشرطة؟

المفارقة أن بعض أنصار الانقلاب العسكري الدموي الفاشي استنكر ما قام به البلطجية في التحرير، ولكنهم – يا لإجرامهم وأكاذيبهم – أدانوا الرجل بما ليس فيه وأدانوا المسلمين بما ليس فيهم ليبرروا الجريمة التي اقترفها بلطجية الانقلاب. أحدهم يقول : "ارفض البذاءات التى يبثها الشيخ محمود شعبان ضد الثورة (؟!) لكنى أرفض ما حدث له في ميدان التحرير من إهانات واستهزاء بكرامته.الثورة نموذج أخلاقي ". و تابع القول : "لايمكن للثورة إن تبادل الإجرام بإجرام، الإخوان يعذبون معارضيهم حتى الموت (؟!)، أتوقع من الثوريين أن يحترموا الكرامة الإنسانية التى ثاروا من أجلها". نسي الكذاب الأشر أن ثورته المزعومة قتلت المئات بالرصاص الحي وهم يركعون لرب العالمين في الفجر، وأصابت الآلاف وهم يدافعون سلميا عن الحرية والمستقبل ولم نسمع له صوتا يستنكر القتل  والدم الذي أهرقة ظلما وعدوانا سادته المجرمون القتلة.

لقد زغردت صحف البيادة لعملية خطف الشيخ محمود شعبان واحتجازه في إحدى خيام التحرير، وعدت ذلك انتصارا للانقلاب على عالم من علماء الإسلام وجعلت منه انتصارا على الاسلام ذاته، وذلك في ظل صمت بل ترحيب وزارة الداخلية !

من المؤكد أن الشعب المصري لا يخوض اليوم معركة لتحرير إرادته واستقلاله من قبضة الغزاة المحليين، واستعادة دستوره ورئيسه ومجلسه التشريعي فحسب، ولكنه يخوض معركة كبرى ليحرر الأغلبية المسلمة الساحقة من قبضة الأقلية العلمانية العنصرية الفاشية، وليقنعها أن القبول بالتعايش مع هذه الأغلبية مسألة يفرضها الواقع والقانون والدستور. لقد آن للمسلم في هذا الوطن أن يتساوى بغيره من العلمانيين العنصريين الفاشيين فيتاح له أن يكون مثلهم في السياسة والمجتمع والوظائف والقيادة والعسكرية والشرطة والنيابة والقضاء والجامعات والانتخابات والحكم الإعلام والصحافة والثقافة وكل نواحي الحياة في الواقع المصري.

إن إقصاء المسلمين الذين يؤمنون بالاسلام دينا ودنيا، وعقيدة وشريعة وعبادة وعملا يجب أن يتوقف وينتهي إلى الأبد، ولن يتأتي ذلك إلا بمواصلة الكفاح السلمي ومقاومة أعداء الإسلام من العلمانيين العنصريين الفاشيين !

كيف ترعرع في وادينا الطيب

هذا القدر من السفلة و الأوغاد ؟

 صلاح عبد الصبور( ليلى والمجنون)