مرسي بين الأمة والدولة الوطنية
مرسي بين الأمة والدولة الوطنية
د.غازي التوبة
لقد قامت ثورة 25 يناير ضد الاستبداد والفساد والظلم والجوع والقهر إلخ ....، واستطاع الشعب إزاحة حسني مبارك بتاريخ 11/2/2011، ثم انبثق عن هذه الثورة نظام ديمقراطي، وقد أقر النظام الديمقراطي إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية ، وقد أجريت هذه الانتخابات البرلمانية والرئاسية ، وفاز محمد مرسي برئاسة الجمهورية بعد أن نافسه أحمد شفيق في المرحلة الأخيرة، وقد أقر النظام البرلماني دستورا جديدا للدولة، وقد شاركت معظم الفصائل الإسلامية من إخوان مسلمين وسلفيين في الانتخابات، ودعمت مرسي حتى أوصلته إلى سدة الرئاسة.
ثم بدأت المعارضة تتحرك في مصر ضد مرسي وعلى رأسها البرادعي، وادعت المعارضة فشل مرسي في تحقيق الأمن للمصريين، وفشله في تحسين الوضع الاقتصادي مما دعاها إلى جمع التوقيعات بضرورة تنحي مرسي، ثم دعت إلى مليونية بتاريخ 30/6/ 2013 بمناسبة مرور عام على استلامه الحكم، واستطاعت أن تحشد عددا كبيرا، قدره بعض المراقبين بأربعة ملايين شخص.
وقد تدخل الجيش عدة مرات أثناء تصاعد الأزمة بين مرسي والمعارضة، ثم أعطى عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع مهلة 48 ساعة لمرسي والمعارضة للاجتماع والتوافق على حل سياسي وإلا فإنه سيعرض خارطة طريق معينة، وبالفعل ألقى مرسي كلمة يوم الثلاثاء 2 من تموز (يوليو) ركز فيها على الشرعية، ثم ألقى عبدالفتاح السيسي قائد الجيش المصري كلمة في مساء 3 من تموز (يوليو) أعلن فيها خارطة طريق تتضمن عزل مرسي وتكليف رئيس المحكمة الدستورية برئاسة الجمهورية ، على أن يشكل وزارة تقود البلاد لمدة تسعة أشهر على أن يكتب في هذه الفترة دستور جديد، وينتخب رئيس جديد وبرلمان جديد.
لقد عزل مرسي عن الرئاسة، فلماذا عزلوه؟ للجواب على السؤال السابق لابد لنا من العودة إلى نشوء الدولة الوطنية في مصر بشكل خاص والعالم العربي والعالم الثالث بشكل عام، ونتساءل: ماذا كان عمادها؟ وماذا استهدفت؟
لقد قامت الدولة الوطنية بعد الحرب العالمية الأولى، وبعد سقوط الخلافة العثمانية وتفككها إلى دويلات عام 1918، واقتسامها بين الدول المنتصرة وهي : انجلترا وفرنسا، ثم قامت الدول المستعمرة باستعمار هذه البلاد وبناء جيوشها وجهازها الإداري. ثم استقلت معظم الدول العربية بعد الحرب العالمية الثانية، وكان الجيش هو عماد الدولة الوطنية لأنه كان أكثر تنظيما من أية مؤسسة أخرى في الدولة، وقد استمرت الدول الغربية ترعى الجيش في الدولة الوطنية، وتتواصل معه وتقيم معه أقوى العلاقات، لإدراكها أنه سيكون له الدور الرئيسي في توجيه الدولة وقيادتها. لذلك قامت الجيوش بدور فاعل في قيادة الدول العربية من مثل: سورية والعراق وليبيا والجزائر والسودان واليمن ...إلخ
ولو أخذنا مصر بعد الحرب العالمية الثانية بشكل خاص، لوجدنا أن الجيش هو الذي قام بانقلاب على الملكية عام 1952، وهو الذي ألغى الملكية، وحكم الضباط الأحرار مصر، ثم جاء السادات وحكم مصر من خلال الجيش، ثم جاء حسني مبارك وكان الجيش لا يؤدي دورا عسكريا فقط، بل كان يؤدي دورا اقتصاديا في مصر. فكان يملك عددا من المصانع والمشاريع الاقتصادية. وهو الذي اضطر حسني مبارك إلى التنحي عن رئاسة الجمهورية، بعد أن رأى أنه قد استهلك، وأصبح غارقا في الفساد والاستبداد، وأنه يريد توريث الحكم في مصر لابنه جمال، وهو أمر غير سليم، وغير مقبول من عموم الشعب المصري.
والسؤال الذي يجب التوقف عنده هو: ماذا كانت أهداف الدولة الوطنية؟ لقد كانت الدولة الوطنية قائمة منذ نشأتها على التضاد مع الأمة، وتستهدف إضعاف كيان الأمة بشكل عام، وعوامل وحدتها بشكل خاص، ويمكن أن نبرز هدفين من أهدافها المتعددة، وهما:
الأول : تغريب الأمة.
الثاني : الحيلولة دون العودة إلى الحكم الإسلامي، والتشريعات الإسلامية.
ومن الشواهد التي تؤكد استهداف الدولة الوطنية لتغريب الأمة هو أن كل الحكومات التي قامت بعد الاستقلال في مصر وسورية والجزائر وتونس والعراق إلخ.... كانت تنحو على مثال الدولة الرأسمالية الليبرالية، أو على مثال الدولة الاشتراكية الشيوعية في كل أعمالها الاقتصادية والثقافية والتشريعية والتربوية والفنية إلخ...، وكان ذلك يؤدي إلى أن تكون على تصادم –في غالب الأحيان- مع عوامل بناء الأمة الثقافية والفكرية والمعنوية إلخ.....، وكانت تسخر في سبيل تحقيق ذلك المثال جميع أجهزة الدولة من وزارات ومؤسسات وهيئات إلخ......
وكذلك من الأمثلة التي تبرز استهداف الدولة الوطنية منع العودة إلى الحكم الإسلامي والتشريعات الإسلامية، قيام الجيش الجزائري بحل البرلمان الجزائري الذي فازت فيه جبهة الإنقاذ بأكثر من تسعين بالمائة من الأصوات إلخ.....
بعد هذا التوضيح عن الدولة الوطنية وأهدافها نتساءل: لماذا أزاحوا محمد مرسي عن الحكم؟ هل لأنه فشل في معالجة الاقتصاد والأمن؟ أم أن هناك أسبابا أخرى؟
ليس السبب الحقيقي في عزل محمد مرسي هو فشله في الاقتصاد والأمن وغيرهما، ولنفترض أنه فشل في ذلك فلا يحق لهم عزله قبل انتهاء ولايته في ظل نظام ديمقراطي، بل عليهم أن يحتكموا إلى صناديق الاقتراع بعد أربع سنوات ويبينوا للناس فشله، ويقنعوا جماهير الشعب المصري بعدم انتخابه مرة ثانية، لكن الذي حسم الأمور هو الجيش الذي هو عماد الدولة الوطنية، فلماذا تحرك الجيش وعزل مرسي؟ تحرك الجيش وعزل مرسي لأن حكمه خلال السنة الماضية شكل تهديدا للهدفين اللذين قامت عليهما الدولة الوطنية، وهما: التغريب، والحيلولة دون العودة إلى الحكم الإسلامي.
أما بالنسبة لتغريب الأمة فقد أحس الجيش والغرب والعلمانيون أن حكم محمد مرسي يمشي عكس التيار حيث يؤسلم الدولة، وهو ما سموه ب"أخونة الدولة"، وهذا يناقض التغريب الذي رسموه للدولة الوطنية.
أما بالنسبة للهدف الثاني فقد أرسى حكم مرسي في الدستور المصري عدة مواد تساعد على تعديل الأحكام التشريعية في مصر لتصبح أحكاما إسلامية، وهذه المواد هي:
-المادة الثانية في الدستور، والتي جاء فيها: "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع."
-المادة الرابعة، والتي جاء فيها: "الأزهر الشريف هيئة إسلامية مستقلة جامعة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شؤونه، ويتولى نشر الدعوة الإسلامية وعلوم الدين واللغة العربية فى مصر والعالم. ويؤخذ رأى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف فى الشؤون المتعلقة بالشريعة الإسلامية."
-المادة 219 ، والتي جاء فيها: "مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة."
إن هذه المواد الثلاثة الموجودة في الدستور الجديد كفيلة بأن تحدث ثورة تشريعية بحيث يستكمل المجتمع المصري اعتماد القيم الإسلامية وأحكامها في كل مجالات حياته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفنية والتربوية إلخ.....، وهو ما يناقض الأهداف التي قامت عليها الدولة الوطنية.
وعندما فعل حكم مرسي ذلك سواء في أسلمة الدولة أو في إقرار مبادئ دستورية تتوافق مع الشريعة الإسلامية، فهو لم يخطئ في حق النظام الديمقراطي، لأن من حق الأكثرية في أي نظام برلماني أن تقود الأمور حسب قناعاتها وتصوراتها، ومن خلال رجالاتها، فهو لم يخالف المبادئ الديمقراطية ولم يخطئ بحق النهج الديمقراطي، ولكن مرسي اجترأ على أهداف الدولة الوطنية لصالح الأمة التي ينتمي إليها، لذلك انقلبت الدولة الوطنية عليه، وأزاحته عن الحكم.
الخلاصة: ظن محمد مرسي بشكل خاص، والتيار الإسلامي بشكل عام، أن الدولة الوطنية دولة محايدة وأن الجيش مؤسسة محايدة، لكن الحقيقة أن الدولة الوطنية وجيشها الذي يحرسها ليسا محايدين، بل أنشئا لأغراض محددة بعد الاستقلال، ومن هذه الأغراض: التغريب، وعدم الحكم بالإسلام ولا بالتشريعات الإسلامية، لذلك فعندما استخدم محمد مرسي حقه الرئاسي في التعبير عن جماهير الأمة التي انتخبته، وحاول أن يؤسلم الدولة، وأن يصدر بعض المبادئ الدستورية التي تساعده على إصدار تشريعات إسلامية، كان رد فعل الدولة الوطنية أنها تصادمت معه، واستخدمت الجيش الذي هو أداتها لعزله، متعذرة ببعض القصور الذي وقع أثناء حكمه.