بين الدهاء والاستبغال السياسي
عثمان أيت مهدي
قيل أنّ السياسة هي فن الممكن، قلت: نعم، هي فن تسيير أمور العامة لفترة محددة، تنتهج سبيلا قال عنه أفلاطون في جمهوريته بأنه الأقلّ سوءا في الأنظمة المسيرة للشؤون العامة. إنها الديموقراطية التي هضمتها الشعوب الغربية فسارت في عروقهم، وانتفعت منها أجسامهم، وأصبحوا بفضلها يتمتعون بصحة جيّدة.
من محاسن هذا النظام، التسامح، الحوار، تكافؤ الفرص، تحمل المسؤولية، الحرية.. ومن مساوئه، تساوي الجاهل والعالم أمام صندوق الاقتراع.
يصطدم هذا النظام في بلداننا العربية بحاجز كبير يحول دون تطبيقه في واقعنا السياسي، يتمثل هذا الحاجز في الإسلام السياسي الذي لا يؤمن بالطرف الآخر إلا بمن يرغب في الدخول إلى الجنة بحسب اعتقادهم، يتخذون من الديموقراطية حصان طروادة يوصلهم إلى كرسي الحكم، ثمّ يقسمون الشعب إلى مؤمن وكافر، من ليس معنا فهو ضدنا.
بالرغم من أنّ الدين مسألة شخصية بصريح الكثير من الآيات: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين) القصص: 56. (ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء) البقرة : 272. وقال أيضا: (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) يوسف : 103. إلا أنّ المتأسلمين في العصر الحديث أخذوا تفويضا من السماء عن عمد أو جهل فيصنفون الناس بين أهل الرحمان والمؤمنين والضالين والكافرين والمنافقين، بقي لهم فقط تسليم صكوك الغفران لنيل حياة الخلود في الجنان الموعود.
ظاهرة الإسلام السياسي أصبحت أمرا واقعا، لا ينكره أحد، ظهر بفعل الموروث التاريخي للأمة وأخطاء المسؤولين الذين عاثوا في الأرض فسادا. كيف نتمكن من محاربته والقضاء عليه؟ تلكم هي المشكلة؟
إنّ الطريقة التي اتبعت في الجزائر خلفت وراءها مئات الآلاف من القتلى، ومئات الآلاف من الأرامل واليتامى والمصابين والمصدومين والمعاقين.. قد بينت محدوديتها وجسامة مخلفاتها على الشعب والدولة والاقتصاد والسياسة الخارجية. أيعقل مهما كانت المبررات أن يفوز حزب بأغلبية المقاعد البرلمانية، ثمّ يتدخل الجيش بطريقة وحشية يقتل هذا ويلقي بذاك في المعتقل بالصحراء ويشرد ذلك بالفرار إلى دولة غربية أو يبقى متخفيا من ويل ينتظره؟
وها هي مصر ترغب في الحل الجزائري، شعب ينتخب بكل ديموقراطية وشفافية لأول مرة في تاريخ العرب رئيسا ثمّ يتقدم العسكر بمبرر واه وحجة بالية فيسقط الرئيس ويتابعه قضائيا، ويحاول أن يقنع العالم بأنه حريص على الديموقراطية وحريص على شعبه؟
هنا، يبدأ الاستبغال السياسي للعسكر، تصوير عن طريق قوقل إرث لـ 33 مليون مصري خرجوا يطالبون العسكر بالتدخل، ثم نسمع عن تحركات مشبوهة لمرسي مع حماس، وبعدها وقوف إسرائيل إلى جانب الإخوان، وأمريكا تؤيد إخوان مصر، إلى غير ذلك من الترهات والخزعبلات في عصر ابن في العاشرة من عمره يستخدم الكمبيوتر والأيفون والأندرويد بشكل ملفت للانتباه. لمَ لا يخاطبون الشعب على قدر عقولهم؟ أم تراهم يرون الشعب حشودا وجماعات تصرخ للزعيم المفبرك في مخابر النظام؟ وعند الانتخاب يدلون بأصواتهم لمرشح النظام؟ يحمدون الله الذي وهب لهم رئيسا يمنحهم سكنا أحيانا أو وظيفة أو لقمة عيش أحيانا أخرى؟
لمَ لا نترك الشعب الذي انتخب على الإخوان هذه المرة هو الذي ينتخب على الحزب الشيوعي أو الوطني، أو العلماني.. مرة أخرى؟ لماذا هذه البساطة في تنحية الرؤساء المنتخبين من طرف الشعب أو المخالفين لهم في التوجهات والأفكار؟
ما تعيشه الشعوب العربية في السنوات الأخيرة، مردّه إلى:
1. الأحزاب ورجال الأعمال الذين انتفعوا من ريع النظام عليهم وعلى أبنائهم وأقاربهم..
2. دعاة العلمانية الذين يطالبون بإبعاد الدين عن السياسة ولو بقتل الملايين من الناس.
3. الإخوان والسلفيين الذين أدخلوا الدين عنوة في السياسة فأفسدوا الدين والسياسة معا.
4. الجهل وضعف الوعي السياسي المستفحل في المجتمعات العربية.
ما هي الحلول وقد اعتمدت هذه الأحزاب السياسية رسميا وتنشط في العلن؟ في رأيي لم يبق لنا سوى المنافسة الديموقراطية الشريفة، كما هو معمول به في جميع الدول المتحضرة، يحق للحزب الفائز بالانتخابات أن يسوس شعبه مدة عهدته ويحق له الترشح لمرة ثانية والفاصل هو الشعب. وأنا متأكد، وكلّ الناس على علم، أنّ الحكومة تبدي العيوب أكثر من المحاسن والمعارضة تظهر المحاسن أكثر من العيوب. لن يستطيع لا العسكر ولا الشرطة ولا العلمانيون القضاء بهذه الوسائل البدائية على الحركات الإسلامية، إذا لم تتمكن أخطاؤهم من تحريك الشعب ضدهم.