التراويح .. بين الأمس واليوم
التراويح .. بين الأمس واليوم
معمر حبار
تراويح الأمس
كان سيدي، الإمام حاج شريف، رحمة الله عليه، ورضي الله عنه وأرضاه، يصلي بالناس صلاة التراويح، وهو الشيخ الطاعن في السن، ولم يتغيب عنها، إلى أن لقي ربه
وكان الشيخ، حاج براهيم، يصلي بالناس التراويح، وهو الذي بلغ من الكبر عتيا، وظل يصلي يصلي بالناس التراويح، رغم أنه تجاوز السن القانوني للعمل، وظل على هذه الحال، إلى أن أرغمته السنين، على عدم الوقوف، وظل يصلي وراء الامام جالسا، وهو يقاوم ثقل الأيام والمرض، إلى أن لقي ربه.
وكان الشيخ، بولنوار، رحمة الله عليه، لم يتغيب عن صلاة التراويح بالناس، رغم أنه صاحب مدرسة، تعجّ بأفضل القرّاء، وأحسن الطُلْبَة.
وصباح هذا اليوم، التقيت بأحد علماء المنطقة وفقهاءها، حدّثني عن مئات المشايخ، الذين عرفهم وتتلمذ على أيديهم، منذ عهد الاستدمار الفرنسي، كلهم جميعا ودون استثناء، ظلوا يصلون بالناس صلاة التراويح، ولم يقطعهم قاطع، رغم صعوبة الظروف، وهول الاستدمار، وكبر السن.
هؤلاء جميعا، ممن كان للمرء، فضل الصلاة وراءهم، والاستماع إليهم، والاقتداء بهم، أو السّماع عنهم، اشتركوا جميعا، في خصلة حميدة، تمثلت في كونهم، لم يستعينوا بأحد، في صلاة التراويح. فقد كانوا يقومون بها بمفردهم، رغم السن والمرض، وقلّة الحاجة، وقد كانوا يستعدون لها، ويأخذون عدتهم، من مراجعة جماعية للقرآن الكريم، طوال الليل والنهار.
ومازال الطفل يتذكر بشوق وحنين، إمامه وسيده، حاج الشريف، رحمة الله عليه، حين كان يراجع جماعة، الورد المخصص لصلاة التراويح، حسب البرنامج التالي .. قبل صلاة الظهر، وقبل صلاة العصر، وبعد صلاة العصر، وقبل صلاة العشاء. وظل على هذا الطريق طيلة حياته، لذلك لاتسمع خطأ، طيلة حياته الطويلة الزكية، فكانوا جميعا، نِعْمَ الإمام، وأحسن مثال، وأفضل قدوة، للسابقين واللاحقين.
تراويح اليوم
واليوم يتقدم الصلاة، إمام شاب، في ريعان شبابه، وكامل قوته، يصلي العشاء، ثم ينسحب طواعية، ليترك شابا آخر، يصلي بالناس صلاة التراويح، خلفا له
وحين يبحث المرء عن الأسباب، التي دفعت بالإمام الشاب القوي، ليمتنع عن صلاة التراويح، يجد سببا واحد .. هو الضعف والكسل.
فالأئمة تخلوا عن قراءة القرآن جماعة، فأصابهم الضعف والوهن، فنسوا ماذكّروا به، ولم يعودوا قادرين، على القيام بصلاة التراويح، واكتفوا بآيات محدّدة، يتلونها طيلة حياتهم، فكان الاستخلاف، أسهل وسيلة، لأنبل مهمة، فضيّعوا شرف الإمامة، وحُرموا فضل صلاة التراويح.
إن فضل من يملك، حرفة، أو موهبة، أوعلما، أو قدرة، أو تميّزا .. أن يظهره، ويقدّمه لمن يحتاجونه، لتعم الفائدة، ويزداد رسوخا .. فكيف بالإمام الشاب، القوي القادر، يحرم نفسه وغيره، فضل مافي صدره، وحسن صوته، وبيان أداءه، وحلاوة تلاوته، ويمتنع عن إمامة الناس لصلاة التراويح، ويرضى لنفسه أن يكون المأموم، وهو الذي أعدّ لأن يكون إماما.