السياسيون والعسكر

لعبة الكذب والقوة

د. خالص جلبي

[email protected]

السياسيون قذرون وفي كثير من الأحيان مجرمون؟ والعسكر أنصاف معتوهين حسب دراسات علم النفس؛ فمن دخل الكلية الحربية كان الطالب الفاشل، ومن دخل كلية الطب والهندسة كان متفوقا، ولكن الغريب أن الأهبل يتحكم بالعاقل، كما حصل مع السياسة في مصر بين إخوان وعلمانيين وتمرديين وعساكر مخرفين.

كل حصان قابل للترويض الا الحصان العسكري فإنه يجمح براكبه فيدق عنقه هكذا جاءت أخبار الانقلابات ووقائع التاريخ.

هذا المرض أصيب به كل فصائل المنطقة من قوميين واسلاميين؛ فأما فريق القوميين فقد التهم بعضهم بعضاً عندما أصبحت السلطة والسلاح في أيديهم، وأما حسن البنا مؤسس (الأخوان المسلمين) فقد قضى نحبه عندما انفجر به لغم (التنظيم الخاص) الذي صنعه على عينه فلم يكن مصرعه سوى رد فعل عادي على مقتل النقراشي و (يداك أوكتا وفوك نفخ) .

حينما يعزم الجناح المدني على القفز الى السلطة على ظهر الحصان العسكري يرى الأخير أنه وضع دمه على كفه في هذه المغامرة الكبرى فهو اولى بثمرة السلطة، وإذا قامر فريق ثاني فسولت له نفسه الانقضاض على الذئب الأول كان جاهزاً بالمرصاد لسفك الدم؟ فالقتل وسفك الدماء شرط أساسي لاستتباب الأمن في نظر الانقلابيين؟

وعندما فشل هتلر في انقلابه عام 1923 م وجلس في السجن انكب على تأليف كتابه الشهير ( كفاحي MEIN KAMPF ) وفيه وصل الى قناعة كاملة أن الوصول الى السلطة في ألمانيا يجب أن يكون بالطريق الديموقراطي وهكذا جاء هتلر الى السلطة عام 1933، وعندما سقطت في يده تفاحة السلطة الناضجة أقسم له الجيش البروسي ذو التقاليد العريقة على الولاء، ولكن (روهم RUHEM) قائد المليشيات العسكرية لم يستوعب هذه الحقيقة، ولما تمرد قام هتلر بتصفيته فقتله بيده؛ فهذه هي حكمة العسكريين الأولى التي يجب تلاوتها بخشوع  من كتاب ميكافيللي (الأمير):

على الحاكم أن يكون ماكراً كالثعلب دموياً كالنمر وعليه أن يقتل بدون تردد؟

يقول التاريخ أنه في صباح 16 يوليو 1945 قامت أمريكا بأول تجربة نووية في تاريخ الإنسان.

وعندما نجحت التجربة ظنت أمريكا أن أمام الاتحاد السوفيتي أكثر من عشرين سنة للحاق بها، ولكن كذب السياسيون  ولو صدقوا؛ فبعد أربع سنوات أرتفع الفطر النووي من  صحراء سيمي بالاتنسك في كازاخستان.  والسياسيين في العادة لا يرون أبعد من أرنبة أنفهم.

ومن أبصر أرنبة أنفه فقط كان أحولاً لا يبصر.

ومن يبصر هم العلماء الذين وصلوا إلى أسرار الذرة.

وفي يوم جلس العالم الفيزيائي الدانمركي (نيلز بور) مع تشرشل ونصحه بتعميم تقنية السلاح النووي على العالم، وإنهاء الاحتكار النووي، وأن يكون تحت إشراف دولي، ولم يكن في الميدان إلا أمريكا؛ فجن جنونه، واعتبر الأمر خيانة عظمى، وكاد أن يلقي القبض عليه.

وفي يوم قام الفيلسوف (برتراند راسل) بمظاهرة في شوارع لندن وعمره ثمانين سنة، ضد التسلح النووي، فألقي القبض عليه وحكم ستة أشهر بالحبس، لإعاقة السير في شوارع لندن؟

والعلماء يفهمون والسياسيون لا يفقهون.

وقصة السلاح النووي الإسرائيلي والباكستاني متشابهة وخرافة واحدة، ويلحقها الإيراني بخرافة اكبر. 

وهناك من يظن أن حرب العراق كانت حربا ولم تكن حربا، بل كانت لعبة أتاري؛ فالجيوش تقهر والشعوب لا تهزم. والتحدي كان في وجه أمريكا ليس أنها احتلت العراق بل ماذا بعد ذلك؟ وهو ما وصلت إليه بسحب القوات، وترك العميل الوكيل لإدارة الأعمال.

وحاليا العراق طنجرة بخارية للتجارب من كل مخابرات المنطقة؛ فرقعة وتفجيرا وطبخا وأكلا!!

يقول (فيكتور فيرنر) في كتابه (الخوف الكبير أو الحرب العالمية الثالثة) عن تطور القوة أنها وصلت إلى تغيير نوعي؛ فلم تعد الحرب (حرباً) ويشبه هذا كما لو تجول رجل في مدينة وارتفاعه 200 مترا ووزنه 200 طن؛ فهو على صورة بشرية مثل جوليفر مع الأقزام، ولكنه في حقيقته لم يعد بشرا.

وكذلك كانت الحرب.

وفي فيلم التجميع الحرج (Critical Assembly) ظهر أن من ركب السلاح النووي أربعة شباب بينهم فتاة من كلية قسم الفيزياء، فلم يعد الأمر لا سرا ولا صعبا.

وعندي طبيب كشميري مستعد أن يقاتل حتى آخر كشميري، ويتمنى أن تكون بيده قنبلة نووية ليضرب بها الهند.

والأطباء مهنيين فإذا دخلوا في السياسة كانوا مثل الأمي، الذي يريد حل مسألة في رياضيات التفاضل والتكامل؟

وسلاح (شمشون) النووي الذي تحدث عنه (سيمور هيرش) في كتابه عن خرافة السلاح النووي الإسرائيلي، لن يزيد عن قصة كوبا وكوريا؛ فلم يستخدم السلاح النووي في أشد الظروف مرارة ويأسا.

وعندما طلب (ماك آرثر) 26 رأسا نوويا لإنهاء الحرب الكورية عام 1950م، كلفه هذا أن يستقيل، وهو الجنرال الذي لم يهزم قط.

وكانت مسألة السلام عند (ترومان) أهم من حماقة جنرال.

وفي دراسة القيادة والعبقرية والإبداع في كتاب وضعه (دين كيث سايمنتن) للشخصيات المميزة، احتل القادة العسكريون القاع والحضيض؛ ولكنهم هم من يحكم العالم العربي، في كثير من زواياه التعيسة.

تقول الدراسة أن  "أقل القادة  109 ذكاء في دراسة كوكس هم العسكريون الـ 27 ومعظمهم من الجنرالات وأمراء البحرية".

ومصيبة العربان هذه الأيام أن من تسلم ذرى القيادة عسكريون مثل  من يقود غواصة نووية، وهو لم يدخل البحرية قط.

وثقافة العسكريون لا تزيد عن ثقافة طالب ثانوي. وعندما يحكم العسكريون الحياة السياسية؛ فهي أشبه بالسرطان حينما تنتقل خلايا الكولون إلى الدماغ.

ولكن مع هذا فقد خدم السلاح النووي السلام وختم الحرب إلى الأبد في تاريخ الإنسان. ولولا الردع النووي لبقي البشر يتقاتلون.

ومن استعرض تاريخ الإنسان والإنفاق العسكري ذهل ولكن كل المشاريع العسكرية نفعت في النهاية فخدمت السلم مثل الانترنيت وغزو الفضاء فأصبحنا بنعمة الانترنيت إخوانا.

وهكذا فالحرب انتهت ...

الحرب انتهت وعالم الكبار يعلم ذلك علم اليقين، ولكنه يراهن لآخر لحظة على مسرحية الحرب حفاظاً على امتيازاته، وهو مؤشر لانهيار في عالم القيم.

ونهاية الحرب يعرفها العلماء ويخفيها السياسيون وهم يتلون الكتاب.

وهو يروي قصة (الفراق) العلمي الأخلاقي. فبقدر انفتاح العالم على بعضه علميا بواسطة التكنولوجيا بقدر وجود أمراض فكرية مثل (صراع الحضارات) يعلنها  رجال لا يفقهون تطور الجنس البشري، أو يزعمون أن التاريخ ينتهي عند البيت الأبيض. وهؤلاء لا يصلحون أن يكونوا تلاميذ في علم التاريخ والحضارة.

ويبدو أن التاريخ له مجراه الخاص وليس كما خطط له الجنرالات المجانين أو السياسيون التافهون.

وفي يوم هجمت تركيا على أوربا لفتحها وهي تطلب الآن باستعطاف من أوربا أن تفتح تركيا فتأبى.

جاء في نوادر جحا الكبرى أنه تزوج وبعد ثلاثة أشهر أعلمته زوجته أنها حامل وعليه أن يحضر القابلة. قال ولكنك في الشهر الثالث والنساء تضع في الشهر التاسع ؟ قالت صحيح ولكنك أخطأت في الحساب فقد مضى على زواجي بك ثلاثة أشهر، ومضى عليك متزوجا بي ثلاثة أشهر، وأصبح للجنين في بطني ثلاثة أشهر وهذا مجموعه تسعة أشهر؟ فكر الشيخ مليا ثم قال صدقت فلم أكن أفقه مثل هذا الحساب الدقيق ثم هرع ليحضر القابلة؟!

وعلى هذه الحسبة يحسب السياسيون والعسكريون؟