أتعبتَ مَن بَعدك
ابتهال قدور
تنساب اللمسات الإنسانية من القائد كساقية عذراء تروي ظمأ تمددت مساحاته في عالم السياسة!
مسحة نديّة على رأس طفل تبوح ببعض ما في النفس من صفاء، وقبلة حانية على يد سيدة عجوز تجهر بمكنوناتها من النقاء، و وقفة خشوع أمام ضريح مسجى لنبي مرسل تفجر ينابيع شوق مصفى!
من وسط الركام العفن للسياسة السائدة المجردة من القيم، يأتي الفعل الإنساني العفوي للسياسي الخلوق ليجلو حيرتنا ويبدد ارتباكنا ويُقِر بنبرة جليّة واثقة بأن فن الممكن هو تعريف للسياسة، لكن الإبداع في هذا الفن هو أن يتمكن السياسي من توظيف الممكن بدون أن ينزع عنه رداء الأخلاق وبدون أن يستعلي على القيم، وبدون أن يشكل نبض الضمير انتقاصا من مكانته...
في لجة السياسة الحالية التي تجردت من كل فضيلة لايعتبر الحفاظ على تماسك المنظومتين الأخلاقية والسياسية، من السهل الهيّن.
وعوضا عن أن تنصبّ الجهود في التنسيق للدمج بين المنظومتين بطريقة خفيفة متناغمة تحقق النجاح المأمول، يتفنن معظم السياسيين في إبداع أساليب لتزييف وعينا والتأثير على أحكامنا حين يقومون بأداء بعض هذه الأدوار الإنسانية، في تمثيليات مبتذلة تستخف بمستويات الذكاء عند الناس..
يفوتهم أن الموقف المؤثر ما كان ليكون كذلك لو أنه جاء استثناء بين الأفعال، إنما تأتي مصداقيته من كونه واحدا في سياق أعمال لم يشذ بعضها عن الآخر...
و يفوتهم أن للصدق جلال وأن له هالة لاتخفى، بينما للكذب من فساد محتواه وهزال روحه ماهو كفيل بفضحه وهتك أسراره و كشف غاياته.
وفيما لايكون في ذهن السياسي المنافق وهو يؤدي دوره إلّا التركيز على مدى نجاحه في تحقق أثر تمثيليته على الناس، يحدث أن يضاف إلى سجله السيء صفة أخرى هي صفة الحمق، إذ يظن الشعوب بكامل جموعها و مختلف مستوياتها غبية ساذجة.
في ساعات الهزيمة، تعوزنا حنكة السياسي الإنسان الذي لايهمل البعد الأخلاقي ولا ينحيه ولا يسقطه من حساباته..
وإن لكل زمان مهما جدبت أيامه قائد يجسد المثال الجميل للتكامل بين المصلحة والقيم، كما أن لكل مرحلة زعيم يكون كالشامة بين الزعماء يقال له: "أتعبت من بعدك"!
إلّا أن بحر الإنسانية المعطاء لا ينضب.