سرقوا علي بابا نفسه
سرقوا علي بابا نفسه
كاظم فنجان الحمامي
لقد سرقوا كل شيء تقريبا, سرقوا المتحف الوطني العراقي كله, سرقوه بأقسامه وفروعه وأجنحته البابلية والأكدية والآشورية والسومرية, ثم سرقوا الثور المجنح, ونهبوا ما تبقى من بوابة عشتار, واستولوا على مسلة حمورابي, وتلاعبوا بنصوصها التشريعية, وبعثروا حجارة الزقورة في أور وعقرقوف, وطمسوا الكتابة المسمارية, وفجروا أسد بابل بعبواتهم ناسفة. .
سرقوا محتويات كنوز النمرود كلها حتى آخر قطعة, وسرقوا أقدم نسخة للتلمود وأقدم نسخة للتوراة, وهشموا قيثارة شبعاد وقطعوا أوتارها, وأخيرا سرقوا شيخ اللصوص والسراق, سرقوا (علي بابا) نفسه, حذفوا اسمه من حكايات ألف ليلة وليلة, ورفعوا بصماته من سجلات الانتربول, ولم يعد (علي بابا) رمزاً عالمياً للصوص والحرامية بعدما خسر لقبه أمام أرباب النهب والسلب, وفقد مهارته وتراجع مستواه كثيراً بالمقارنة مع أساتذة النصب والاحتيال والسطو العلني على المال العام في الألفية الثالثة. .
بيد أن العجب العجاب أنهم سرقوا هويته العراقية, ولم يعد عراقيا كما كان, فقد زعمت حكومة أنفرة إنها عثرت على كنزه الخرافي مدفونا تحت الأرض في مغارة قديمة عند مقتربات ضواحي قرية (سوراكلي) التابعة لمحافظ ماردين التركية, وكان كنزه مؤلفا من مجموعة من الأواني الفخارية المزججة المملوءة بعملات قديمة من الذهب والفضة, وقلائد وأساور وعقود وخواتم وحلي مرصعة بالمجوهرات والأحجار الكريمة تعود معظمها إلى العصر السلجوقي. .
ثم ظهر السيد (نهاد أردوغان) مدير المتحف الوطني في مدينة ماردين, وأعلن للعالم في لقاء متلفز عن اسم القرية العتيقة التي تقع فيها المغارة, وهي قرية (تشال حرامي), وتعني باللغة الكردية (الأربعين حرامي), وقال انها كانت تقع في طريق القوافل القادمة من آسيا الوسطى إلى أوربا ومن الحجاز إلى الأناضول, وان اللصوص كانوا يتمركزون فيها, ويشنون غاراتهم على القوافل المحملة بالنفائس, فيجمعون غنائمهم في مغارة قائدهم الأسطوري (علي بابا). .
من المفارقات العجيبة إن الأربعين حرامي كانوا يمارسون السطو الليلي على القوافل في الوديان الضيقة والثغور البعيدة والغابات الكثيفة، ثم يختفون ويتوارون عن أنظار الناس. اما جماعتنا من عرب الشيخ (فرهود) فقد برعوا في النهب والسلب والتهريب والقرصنة ومصادرة حقوق الناس، وصاروا عباقرة في تطوير نظريات السطو الليلي والنهاري, فكانوا أول من طور نظريات (علي بابا), ونشروها على نطاق واسع, فانضم إلى الأربعين حرامي الذين يرون الفساد ويلوذون بالصمت المطبق, والذين خانوا الأمانات، ومارسوا أساليب الغش التجاري، وابرموا عقود استيراد المواد الغذائية الفاسدة والمتعفنة، ودسوا السموم في حليب أطفالنا، وانضم إلى (علي بابا) الموظف الذي مارس الابتزاز الوظيفي العلني، واستغل موقعه الإداري لتضييق الخناق على المواطن البسيط بغية الاستحواذ على مدخراته المالية المتواضعة بأسلوب الاحتيال الوضيع, وانضم إليه الذين مارسوا الدعارة السياسية، وشطبوا المصالح الوطنية العليا من أجندتهم، واسترخصوا دماءنا من اجل حفنة من الدولارات قبضوها عربونا من أسيادهم، ثم اشتغلوا في إنتاج وتوزيع الدسائس والفتن، ما ظهر منها وما بطن، وتلاعبوا بعواطف الناس البسطاء، وأشاعوا روح الفرقة والتشرذم بين عناصر المجتمع المتجانس، وأوقدوا نيران الحقد والضغينة بين أبناء الشعب الواحد المتماسك. .
إنّ طغيان اللصوص والحرامية, واستهتارهم قد ينمو بنمو المال الحرام, وقد يتكاثر بغياب الرقابة المالية الصارمة, بيد أن بوصلتهم ستنحرف بهم انحرافا مهينا نحو مستنقعات الخزي والعار والذل في الدنيا والآخرة..