أطياف من الماضي

سليمان عبد الله حمد

[email protected]

لكل فنان مبدع لابد من أن تتوفر فيه إمكانيات صوتية أدائية وكذلك قدرات على خاصة في تقديم تلك المولودية الغنائية بشكل فيه كثير من الاحساس الفني وتوصيل تلك الصور الشعرية الجمالية وصفا للمتلقى والإحساس الصادق بأن يشعر المتلقى بأن هذه الحروف الشعرية فصلت لواقع قصته الغرامية التى انطوت...

فضلا أن يكون للمبدع الفنان الفهم على قواعد الغناء السوداني وهضم الموروث الثقافي يستوعب كافة أشكال وصور الغناء السوداني الجميل ...  لكى يتوافق مع الموروث الثقافي والاجتماعي لكافة ألوان الطيف السوداني ...

فهناك ثنائية أبحرت في سماء الفن  السوداني فهناك عبد العزيز محمد أبو داؤود مع المبدع والموسيقار الجميل برعى محمد دفع الله فهذه الثنائية تركت بصمات واضحة في سماء الفن  لازلنا نطرب لما قدموا حتى الان .. فيا لها من درر تتلالأ على الرغم من تقادم الأيام والأزمان ولكنها ظلت خالدة تفوح عطرا وعبقا مع مرور الأزمان !!!

وفى صفحة من صفحات الفن السوداني  نجد أن هنالك أوجه شبه بين الأجيال الفنية المختلفة في بعض الأشياء التي تتكون داخل المجتمع الفني وقد تخلق هذه الأشياء المتشابهة إبداعا وفنا راقيا من تلك الأشياء التي أصبحت مثل العادة عند أهل الفن بهذه  الثنائيات الفنية، حيث نجد أن هنالك عددا من الثنائيات تكونت في الوسط الفني في حقب فنية مختلفة ونورد بعض منها عددا من الثنائيات التي جمعت بين فنانين وشعراء وأحيانا بين فنانين ومحلنين جمع بينهم أكثر من عمل في المسيرة الإبداعية لكل واحد منهما...

ثنائية عبد العزيز محمد داؤود وبرعي محمد دفع الله

قبل الدخول في دهاليز الثنائية بين عبد العزيز محمد داود وبرعي محمد دفع الله ندلف قليلا للتحدث عن برعي محمد دفع الله ذلك الموسيقار الذي شدا بأوتار القلوب وأودع فيها شجي النغم بألحانه العذبة التي سمت بأرواحنا وتظل تسمو ما بقي شئ يعشق الشئ المليح ويعتبر برعي محمد دفع الله احد العلامات البارزة في تاريخ الموسيقى السودانية وعبقرية موسيقية فذة قل أن يجود الزمان بها..

- ولد برعي محمد دفع الله في 27/1/1934 م بحي الموردة بامدرمان وبدا تعليمه بخلوة جده لوالدته ثم مدرسة الموردة الابتدائية ثم مدرسة امدرمان الوسطى للتعليم والتحق بالمعهد الايطالي للموسيقي في القاهرة في العام 1955 م وابتعث إلى لندن لدراسة الموسيقى في العام 1960 م , كما أوفدته الإذاعة السودانية لدراسة الموسيقى العربية بالمعهد العالي للموسيقى العربية بالقاهرة في العام 1965 م , عمل بالسفارة السودانية للقاهرة كإداري وعاد إلى السودان وتنقل في عدة وظائف إدارية فعمل بحديقة الحيوان وكاتبا في المصلحة الطبية ثم الإذاعة السودانية و قام بإنشاء وتأسيس قسم الموسيقى بها .

 أثناء فترة عمله في المصلحة الطبية تم نقله إلى مدينة الأبيض  (عروس الرمال ) وفي تلك الفترة بدأ عبد العزيز محمد داود مسيرته الفنية بترديده لأغنيات الحقيبة وعلى وجه الخصوص أغنيات الفنان فضل المولى زنقار وذهب إلى مدينة الأبيض لإحياء حفل وكانت هناك المصادفة التاريخية التي تركت أعظم الأثر في تاريخ الغناء السوداني الحديث والتي أدت إلى ميلاد مدرسة جديدة في الغناء السوداني .

 كانت مدينة الأبيض في ذلك الوقت في قمة ازدهارها الثقافي والفني والاقتصادي و تعج بكوكبة من الأسماء اللامعة مثل الشاعر محمد عوض الكريم ود القرشي و الشاعر محمد علي عبد الله الأمي و الشاعر سيد عبد العزيز والصحفي الفاتح النور وغيرهم وكانت وفود الفنانين لا تنقطع عنها وفي هذه الأجواء كان اللقاء الأول بين عبد العزيز وبرعي بأغنية أحلام الحب ( زرعوك في قلبي ) للشاعر محمد علي عبد الله الأمي والتي يقول مطلعها . .

زرعوك في قلبي  يامن كفاني شجون  ورووك في دمي يا اللادن العرجون

واستمر بعد ذلك تعاونهما الفني لان برعي يؤمن بالثنائيات الفنية لأنها تساعد على نجاح وتقديم أعمال مميزة ويرى بان عبد العزيز له صوتا متفردا ومقدرات تطريبية عالية ويتميز أدائه بالصدق الشديد ويشعر بان الحانه تصل إلى الناس من خلال حنجرة عبد العزيز كما يريد و كان نتاج تلك الثنائية العديد من الأغنيات الرائعة الشفيفة ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :-

عودة قلب ( من زمان ) وصغيرتي وفينوس ووداع محب ومساء الخير يا الأمير وهل أنت معي وأجراس المعبد وأحلى الحبايب وعذارى الحي وأهل الهوى ومصرع زهرة ( أينعت في الروض زهرة ) وأريج نسمات الشمال ونيل الحياة وصبابة والفينا مشهودة وصباح النور ونسيتنا وما ودعت ولحن الحب وسيبوني بس على بلوتي ولوموه اللاهي وياناس دلوني وطول ياليل وأحلام العذارى وتوسل وقالوا الحب عذاب واسعد سعيد واللحن الضائع وحب اكتر من كده ودوام بطراهم وحكم ضميرك وزرعوك في قلبي وغيرها من الروائع  العلاقة التي جمعت بين عبد العزيز وبرعي تجاوزت المصطلح إلى عمق التواصل الإنساني ويقول عبد العزيز عن برعي : برعي موسيقار كبير ومثقف واعتمد عليه كثيرا إلى الدرجة التي أصبحنا فيها اكثر ارتباطا وتفاهما مع بعضنا ولا أنكر إنني أستشيره في أمور كثيرة تجاوزت الأمور الفنية . .

وعن عبد العزيز يقول برعي : إن عبد العزيز هو برعي وان برعي هو عبد العزيز ولو كنت مغنيا لكان عبد العزيز هو الملحن الذي سيخلق معي نفس الثنائية .وان الإخاء الذي ربطني بعبد العزيز هو إخاء في الفن وهو انبل العلائق الفنية .

الشفيع وود القرشي

هي من الثنائيات المهمة في تاريخ الغناء السوداني جمعت بين الفنان عثمان الشفيع والشاعر محمد عوض الكريم القرشي ثنائية فنية كانت متفردة في كل شيء حتى أن الاثنين ولدا في عام واحد وهو عام 1924م حيث ولد ونشأ ود القرشي في مدينة الأبيض بينما ولد الفنان عثمان الشفيع في شندي ليلتقيا فنيا في عدد من الأعمال الفنية المتميزة ود القرشي ناظما للشعر وملحنا في بعض الأحيان والفنان عثمان الشفيع مؤدياً وملحنا أيضا، لتلك الأعمال التي نذكر منها (القطار المرَّ, والشاغل الأفكار , الحالم سبانا, خداري , في الشاطي يا حبان...إلخ) وغيرها من الأعمال وأغنيات الربوب التي عرف بنظمها ود القرشي مثل رب الوسامة ورب السعادة... من أميز الأعمال التي جمعت بين الاثنين التي لا زال الناس يتغنون بها في عدد من المحافل أغنية الذكريات.

وردي وإسماعيل حسن :

في تلك الفترة لم يكن فنان إفريقيا الموسيقار محمد وردي يلحن سوى الأغنيات المكتوبة باللغة النوبية فكتب له الشاعر إسماعيل حسن أغنية (يا طير يا طاير) التي كانت أولى أغنيات وردي وهي من ألحان خليل أحمد لتتوالى بعدها الأغنيات بين الاثنين لتصل إلى ما يفوق العشرين أغنية جمعت بين وردي وإسماعيل ...

 

بازرعة وعثمان حسين

من الثنائيات المهمة والتي لا يمكن المرور دون ذكرها هي تلك التي جمعت بين الشاعر حسين بازرعة والفنان الراحل عثمان حسين رفدت تلك الثنائية الساحة الفنية بالعديد من الروائع واستمرت هذه الثنائية إلى أن توقف الفنان الراحل عثمان حسين عن الغناء... وكان أول لقاء فني جمع بين الاثنين هي أغنية)القبلة السكرى) التي نشرت بمجلة الإذاعة وتم اللقاء بين الاثنين عن طريق الشاعر قرشي محمد حسن بمقهى جورج مشرقي ويذكر أن أغنية القبلة السكرى كتبها بازرعة من خمسين بيتا إلا أن عثمان حسين اختصرها لتصبح خمسة وعشرين بيتا.

الحلنقي وفرفور

في السنوات الأخيرة شكل شاعر الأجيال والحب المبدع الشاعر الفنان  إسحق الحلنقي ثنائية جديدة مع الفنان الشاب جمال مصطفى (فرفور) تضاف إلى الثنائيات التي شكلها الحلنقي مع بعض الفنانين مثل وردي وسيف الجامعة وغيرهما من مبدعين وطني ...

وقد التقى فرفور والحلنقي في عدد من الأعمال الغنائية مثل أغنية (صفق العنب, المشكلة, إنت مافي) ..

هذه صفحة من صفحات الثنائية في الفن السوداني سوف يتواصل معها المد الثقافي لتبقي نقطة من بحر زاخر من الألوان والمفردات الفنية لتطل من خلالها عبقا وجمالا على صفحة ثقافة جيل اليوم من المبدعين والمبدعات في سماء الفن السوداني الجميل ...!!! لتبقي أنشودة يحفل بها جيل الغد من خلال ثقافة المكتوب وليس المنقول !!!