اليمن: بين صراعين محتدمين!
اليمن: بين صراعين محتدمين!
د. عادل محمد عايش الأسطل
بغض النظر عمّا واجهته الدولة اليمنيّة من صراعٍ ومشكلات داخليّة قاسية، فهي الآن تُعاني صراعاً آخر، هو أشد وطأة، وقد أصبحت مسرحاً مواتياً لتواجد قوىً أكبر، تتوق لأن تحافظ على مكانتها في المنطقة، على حساب القوى الأخرى، فالولايات المتحدة لا تألوا جهداً في إثبات سيطرتها بالكامل على المنطقة تبعاً لتكاثر مصالحها الاستراتيجية، في مقابل إيران، التي تحاول اقتطاع أجزاء مهمّة من هذه السيطرة لحسابها على الأقل، باعتبارها جديرة بها، كون المنطقة تقع ضمن مجالاتها الاقتصادية والأمنية والدينية أيضاً، ومن ناحيةٍ أخرى فهي تُنافس المملكة السعودية على تعظيم النفوذ، منذ نجاح الثورة الإسلامية عام 1979.
ففي الوقت الذي تشهد فيه العلاقات الإيرانية – الأمريكية تقدّماً ملموساً، ترتيباً على المفاوضات النوويّة، فإن العلاقات الإيرانية – السعودية، لم تكن في مأمنٍ ذات يوم، وازدادت تراجعاً، منذ أن تفاقمت الأحداث اليمنيّة، بفعل قيام الحوثيون بالاستيلاء على أجزاء واسعة من البلاد، والتي أدت إلى التدخل الخليجي العسكري بقيادة السعودية، من خلال حملة عاصفة الحزم، والتي استمرّت منذ أواخر مارس/ آذار الماضي، بهدف إعادة الشرعية إلى البلاد أولاً، والأهم، إثبات نفسها كقوة وحيدة في المنطقة، ولها الحق دون غيرها في شأن ترتيبها تبعاً لرغباتها، وبما يعني إيقاف التمددات الإيرانية وتحجيم طموحاتها.
كانت السعودية قد استقبلت أطيافاً من التهديدات الإيرانية المباشرة والمبطّنة، وبرغم إعلانها بأنها لا تنوي إنشاء أي عداء ضد إيران، وقيامها فيما بعد بوقف عاصفة الحزم، واستبدالها بحملة (إعادة الأمل)، التي لم تتغيّر كثيراً عن الحملة الأولى، من حيث الإجراءات العسكرية المتبعة، بحجة عدم وجود أطراف متعاونة، لم تشأ إعارة التهديدات الإيرانية أيّة اهتمامات تُذكر، وخاصة في أعقاب توارد أنباء تفيد بأن قوّة تابعة للتحالف العربي الجديد، بدأت بالفعل بملامسة الأرضي اليمنيّة باعتبارها خطوة عسكرية بريّة واضحة، بعد أن كانت الحملة مقتصرة على الطلعات الجوية فقط، وهي وإن بدأت على شكل محدود، لكنها تنبئ عن تحقيق إنزالات أخرى، وكما تتطلب الأوضاع الميدانية الأتية.
هذه الخطوة وفي حال كانت صحيحة، فإنها ستعتبر تطوراً جديداً، من شأنه تشكيل هاجسٍ أكبر لدى إيران، لكن وعلى أي حال، فإنه يصعب على الإيرانيين البوح عن ذلك، وقد بدوا وإلى هذه الأثناء، وكأنهم لم تصلهم أيّة انباءٍ بعد، عندما أعلنوا عن تعهّداتهم بحماية المصالح الأمنية المشتركة مع الدولة اليمنيّة، وهذه التعهدات تعني في عامة القواميس الأمنيّة، (إظهار السلاح) إذا ما قادت الأمور إلى الخطوط المقررة.
وحتى في ظل اتهام دول المنطقة لها، بأنها تبالغ في كميّة وقيمة مصالحها، وأن حاجتها تكمن فقط في بسط سيطرتها على المنطقة، لكنها تتمسك بحجة قويّة، بأن الولايات المتحدة تأتي من العالم الآخر، وتجثم بكل أثقالها على كاهل المنطقة، من أجل السيطرة على مقدّراتها، وأن طهران بذلك لن تسمح لأيّة قوّة بما فيها الولايات المتحدة، بمس مصالحها أو تعريضها للخطر، وبخاصة تلك المنسوجة مع اليمن.
إيران ومنذ السابق لم تُخفِ انزلاقها في الأحداث اليمنية، كما لا تُنكر مسألة عدم اعترافها بالرئيس اليمني "هادي منصور"، لكنها حرصت على تبرير ذلك الانزلاق، بأنه سياسي وإنساني فقط، وسواء بإنتاج مبادرات سياسية، أو بتحريك قوافل إغاثية، مع أن هناك جهات أشارت، بأن بوارج أميركية انتقلت باتجاه خليج عدن، للحيلولة دون وصول سفن إيرانية تهدف إلى إفراغ حمولة أسلحة لفائدة الحوثيين.
لا يوجد حتى الآن الكثير من التفاؤل بشأن عمل سياسي، بل توجد في واقع الأمر علامات تشير إلى تصعيدات متبادلة، على أن الدول العربية، وسواء كانت محافظة أو قومية، تريد الحفاظ على ما هي عليه الآن وفي المستقبل أيضاً، وعلى أن إيران ماضية في مسيرتها التي اختارتها بناءً على إلهامات الثورة، باعتبارها تنطوي على أماني متجددة، بالسيطرة الشيعيّة على العالم الإسلامي، في إطار الفكر القومي الفارسي القديم.
الولايات المتحدة، برغم ما تبديه من دعمٍ وتأييدٍ للخطوات العسكرية العربية، في اليمن وفي مواجهة إيران، إلاّ أنها تريد بقاء إيران قويّة وضعيفة في آنٍ معاً، قوية باتجاه دول المنطقة، لتسهيل واستمرار سيطرتها عليها إلى مُددٍ أطول، أو إلى ما لا نهاية، و(ضعيفة) أمامها، وسواء باتجاه الحفاظ على مصالحها، أو باتجاه ما من شأنه أن يعمل على خضوعها بشأن المسألة النووية، وتعاونها في قضايا مشتركة، وصولاً إلى الاعتراف بإسرائيل.
التحدّي الأكبر أمام القوى المتواجهة، هو ليس من يسيطر على المنطقة غصباً ورغماً، بسبب أن مثل هذه النهاية لا تُعدّ نهاية حقيقية ودائمة، بسبب ادّعاء كل طرف بأن له الحق بالفوز، وبملكية السيطرة الحصرية أيضاً، بل هو في مسألة من سيكون بمقدوره التغيير، من سلوكيات صراعيّة، إلى برامج تعاونية، بحيث لا نعود نرى حروباً مستمرة داخل المنطقة، فوق الحاصلة والمستعرة منذ أربعة أعوام متتالية، والتي يمكن من خلالها أن نتوقع تراجعاً آخر في السلوك الانفعالي للشعوب التي تعيش حياة المهانة في أنحائها، سيما في ضوء مشاهد الفتك وأكوام الدم، التي لا تعكس الحاضر السيئ وحسب، بل ستعكس مستقبلاً أسوأ أيضاً.