بقعة ضوء على الرقابة العسكرية في المناطق المحتلة ..!
بقعة ضوء
على الرقابة العسكرية في المناطق المحتلة ..!
شاكر فريد حسن
بعد نكسة العام 1967 واحتلال الضفة والقطاع ولدت ونبتت من رحم المعاناة والألم حركة أدبية وثقافية فلسطينية وطنية جديدة ملتزمة بالهم الفسطيني . وقد اختمرت ونضجت واكتملت عبر فكر نضالي تقدمي واعٍ ، استطاع الصمود والمقاومة من خلال ظاهرة ادبية أبرزها الشعر.
ولمواجهة التلاقح والتلاحم والتكامل والتواصل بين اجزاء البرتقالة والثقافة الفلسطينية الواحدة داخل الخط الأخضر وفي الضفة الغربية وقطاع غزة ، منعت سلطات الاحتلال العسكرية الصحافة الشيوعية الثورية التقدمية (الاتحاد ، الجديد، الغد) من الدخول الى المناطق المحتلة ، وفرضت الاقامات الجبرية على الشخصيات الثقافية والفكرية والادبية في الجليل والمثلث ، بهدف القضاء على حركة الوعي الثقافي الجديد وهي في بدايات تشكلها وتبلورها .
لكن رغم ذلك، فقد تسربت هذه الصحف والمجلات مثل المناشير الثورية السرية للمناطق المحتلة ، وراحت الجماهير الفلسطينية تتناقل قصائد شعراء المقاومة الفلسطينية المنشورة في هذه الصحف والمجلات ، وحفظتها عن ظهر قلب . ولا نزال نذكر قصيدة شاعرالشعب والوطن الراحل توفيق زياد "كاننا عشرون مستحيل" التي وزعت كالمنشور السياسي بخط اليد في الأيام الأولى من الاحتلال البغيض .
وفي منتصف السبعينات بدأت بالصدور الصحف والمجلات الادبية والثقافية والفكرية الفلسطينية (البيادر، الفجر ، الشعب ، الطليعة، الشراع، الكاتب، الفجر الادبي، الشروق ) ، التي احتضنت حركة النشر الادبي وساهمت في تنشيط الحركة الادبية الفلسطينية ورصد الفعاليات الثقافية ، والدفع بالناشئة الى مستويات الابداع الحقيقي الملتزم والملتحم بحركة الجماهير وصيرورتها .
وفي المقابل بدات تلوح في الأفق مؤثرات الرقابة العسكرية الاحتلالية على هذه الحركة ، مما دفع بالبعض من الكتاب اللجوء للصمت ، وفي فلبهم حزن وغصة ومرارة جرّاء عمليات الخنق والتضييق والبطش والارهاب الاحتلالي.
وهناك العديد من المبدعين رفضوا الصمت مهما كانت أسبابه ومسبباته ، وتعمقت لديهم القناعة بضرورة اختراق حاجز الرقابة بخلق وتأسيس الكتابة الجدية ، والاصرار على الابداع والنشر رغم مقص الرقيب . واستطاعت الكلمة الوطنية الثورية الواعية ان تشق دربها بين صفوف الجماهير ، مستلهمة مضمونها التقدمي وانحيازها الطبقي، في النضال ضد الاحتلال وممارساته التنكيلية التعسفية .
ونتيجة للدور الهام الذي اضطلعت وتضطلع به الحركة الثقافية الفلسطينية في الوطن المحتل ، قامت سلطات الاحتلال واجهزتها بفرض حصار فعلي حول الحركة الأدبية وصحافتها واعلامها ، وذلك بتوجيه سهامها نحو نشيطيها من الكتاب والادباء والمثقفين والفنانين والصحفيين الفلسطينيين واحتجازهم لساعات طويلة واعتقالهم والزج بهم خلف قضبان الزنزانة ، وكذلك احتجاز بطاقاتهم الشخصية ، ومداهمة المكتبات ومصادرة الكتب الوطنية والسياسية والفكرية ومنع الكتب الصادرة من الانتشار خارج المنطقة عبر الجسور ، ومنع المحاضرات والندوات والمهرجانات الادبية ومعارض الكتب والفن التشكيلي . وكل ذلك بهدف ضرب الحركة الثقافية الجديدة الناهضة الصاعدة ، التي تزايد دورها النضالي وشكلت ركيزة أساسية من ركائز النضال الفلسطيني التحرري .
وقد دفعت هذه الاجراءات الرقابية والممارسات الاحتلالية القمعية الى مزيد من المواجهة والتحدي وفرض الذات الادبية الواعية ، وتنامي حركة ثقافية تعزز الهوية والانتماء والارتباط بالأرض والوطن والانسان ، رغم سياسة القهر والبطش وغياب الحرية .