في ثنايا الذاكرة

في ثنايا الذاكرة

يسري الغول

[email protected]

أبحث في ذاكرتي عن مادة جديدة أكتبها، قبل أن أنطلق مرة أخرى إلى بلاد لا تعرفني أو أعرفها، أبحث في دفاتري القديمة، فتقع بين يدي ورقة ذات لون بني لأحد المطاعم الباريسية، دونت فيها جنوني، قبل أن أنطلق مع جملة من الأصدقاء نحو برج إيفل لالتقاط بعض الصور.

.. يومها قررنا أن نستريح من عناء المحاضرات وورش العمل واللقاءات ذات الطابع الرسمي فخرجنا رغم المطر،  ذلك الضيف الدائم هناك والذي أغرق ملابسنا، احتوانا كما لم يفعل في بلادنا الشرقية.  ذهبنا، احتسينا القهوة، شاهدنا مباراة لا أعرف أبطالها، تابعت معهم باهتمام بالغ رغم أني لم أفعلها قبلًا، ضحكنا لفوز من دعمنا، ثم خرجنا نتنشق هواء البلدة العليل، وفي شارع "شنزاليزيه" (القصر الرئاسي) توقفنا أكثر من مرة، متحف اللوفر أمامنا: الأهرام الزجاجية، والمياه والنوافير ذات المنظر الجمالي الرائع، اللوفر المجنون من عَصَر مخيلتي فتذكرت على عجالة رواية دان براون الشهيرة (شفرة ديفنشي)، فتحدثت كثيرًا وأسهبت لأصدقائي عن الرواية الفيلم، ثم انطلقنا لنكتشف المسلة (وهي عبارة عن عامود فرعوني نهايته مثلث ذهبي)، وهي أحد أهم المقتنيات المصرية؛ لأنها أثرية جدًّا، ولا نعرف كيف وصلت إلى هناك، وتساءلت فبادر أحدهم بالرد: "إنها أحد المسروقات التي هُرّبت خارج مصر"، أثارني كلام صديقي، هل حقًّا خرجت هذه القطعة الأثرية من مصر دون علم الحكومة؟، أم أن الرئيس المصري أو أحد وزراء الحكومة في حينه من أهداها للفرنسيين؟!، وفي كلا الحالتين إن الأمر شائن جدًّا، ومؤلم، فمصر بحاجة أن تسترد تراثها وتاريخها، بدلًا من أن ينهبها الغرب كما فعلوا بالعراق وغيرها من الدول العربية المكلومة.

ومضينا في طريقنا، وقفنا إلى جانب قوس النصر، التقطنا الصور مرة أخرى والمطر يبللنا، ذلك المكان الذي وقف فيه تشارل ديغول مغردًا بخطاب النصر على ألمانيا إبان الحرب العالمية الثانية، وراودتني القدس، بقبتها ومساجدها وكنائسها وضواحيها وأحيائها، وتساءلت بيني وبيني: متى سيأتي ذلك اليوم الذي سيقف فيه صلاحُنا ملقيًا خطاب النصر المبجل؟!، إلى أن قطع شريط أحلامي صوت أحدهم وهو يهتف بأن إحداهن تاهت واختفت عنا، فعدنا أدراجنا أنا وسيف العُماني نبحث عن تلك السورية الضائعة، والمطر سيمفونية تعزف ألحانها الرائقة، فنلتحف الأزقة وإعلانات المحال التجارية الكبيرة، إلى أن يهاتفنا أحدهم بأن تلك السورية عادت، وبصحة جيدة. فمتى تعود كل سورية كذلك؟!، متى؟!