شيء عن حزيران وفلسطين ...
شيء عن حزيران وفلسطين ...
عقاب يحيى
عندما فتحنا عيوننا.. بل عندما شهقنا شهقة الحياة الأولى.. كانت فلسطين حاضرة في حليب الأمهات. في الوعي السائد حتى في بيئات فلاحية، وبسيطة لا تتعاطى السياسة ، ولا تمتلك" الوعي" النخبوي، ولا تملك لا مذياع ولا أية وسيلة إعلامية. كان تعلقاً فطرياً يدمج الإيمان بالدين بالوطنية الراسخة ..
ـ كبرنا قليلاً على صوت إذاعات البلاغ رقم واحد في سلسلة الانقلابات العسكرية، وفلسطين الحاضر الأكبر، بل هي العنوان ، والتبرير.. وفلسطين تبتعد عن الواقع، وتحضر قوية في الأحلام، ويجيء انقلاب آخر، ولأجل فلسطين أيضاً لنسف الانقلاب السابق..
ـ نما البعث، وانتشر وكبر تحت رايات فلسطين وطروحاته الكبيرة عن التحرير، وعن فعل ما عجزت عنه الانقلابات والحكومات السابقة.. فامتلك شعبية كبيرة، خصوصاً وان رواده الأوائل، وإطاراته المتقدمة كانوا أقرب للصوفية والمبشرين.. مرحلة المعارضة، فلقت أطروحاتهم تأييداً واسعاً في المدن والأرياف.. وانهمر الحلم يغطي واقع النكبة ..
ـ وصل البعث، أو قبل الوصول عبر انقلاب عسكري منحه بركاته.. هو الذي لم يحكم فعلياً، والذي حاول بعض المؤمنين به العمل كي يكون القائد وليس اليافطة، والفاعل وليس المفعول.. وكانت سلسلة الصراعات، وفلسطين حاضرة بقوة، وفلسطين على " مرمى حجر" التحرير، وفلسطين تدخل بيوت الوعي والصراع.. يميناً ويساراً وعلى جنوبهم وما بينهما ..
ـ كبرنا عمراً وبعض وعي، لكن العاطفة سمتنا وهي الأقوى فينا، خاصة لحظات الانعطاف.. فاحتضنا رهان التحرير القادم على بيارق الشعارات والتحضير الإعلامي. نسينا موازين القوى، ومن تكون إسرائيل، والغرب وأمريكا.. وهزجنا مع أغانينا الحماسية التي ستسهم في التحرير، وفيتنام تقوي عزيمة الحلم، فنترك كتبنا وتحليلاتنا، ووعينا وننخرط في خضم تزاحم الشعارات والوعود.. وحزيران يلوّح بالبشائر........
ـ وجاء حزيران وبالذهن أننا نفعل وعد الحلم.. وأننا سنلبي دعوة الشاعر الفلسطيني يوسف الخطيب بالحضور حفلة غذاء فلسطين المحررة..
ـ وكان الخامس من حزيران الفاجعي، وكانت الهزيمة المدوية.. وذهبت فلسطين بعيداً، بعيداً.. إلا من شعارات الهروب للأمام ..
ـ وزير الدفاع وقائد الأركان، الطاغية حافظ الأسد، المسؤول المباشر والأول عن الهزيمة.. يتخذ قرارات مفصلية ثلاث :
ـ قرار الانسحاب الكيفي الذي لا تتخذه قيادة عسكرية أو سياسية إلا عند الانهيار الشامل.. والذي أدى غلى فوضى عارمة.. واستباحة الأرض السورية، واحتلال كامل الجولان ..
ـ قرار إذاعة بيان احتلال القنيطرة قبل وصول الجيش الإسرائيلي إليها باكثر من 17 ساعة.. وتلك المهزلة التي جرت في الأمم المتحدة عندما رفع مندوبنا شكوى وردّ المندوب الإسرائيلي : بأننا لم ندخلها بعد..
ـ إلغاء قرار الهجوم المعاكس الذي كان مقرراً فجر التاسع من حزيران لسد الخرق الحاصل في القطاع الشمالي، وتحرير ما احتل من أرض، وبعد وصول اللواء السبعين إلى أحراش القنيطرة..
***********
وبدلاً من محاسبة الطاغية الأكبر، وإقالته.. تغلب المنطق العاطفي.. ليكشر الطاغية عن أنيابه الحاقدة : التكتلية الطائفية، الحقدية.. ويقوم بانقلابه على رفاقه الرافضين لبيع فلسطين في تسوية ليست سوى التسليم بحق إسرائيل بفلسطين.. وبدء رحلة الموبقات المدروسة لقتل روح الشعب السوري، وقضايا الأمة.. وصولاً لفرض التوريث.. ومجيء وريث الغل والعته.. وما يستكمله من نهج مدروس..
وما تزال فلسطين الغائبة حاضرة في الشعارات والتسويق والدجل ..