مرضى القلوب

معمر حبار

[email protected]

زاره بعد أن أجرى عملية جراحية على القلب، وتمثلت في قطع شرايين من أسفل الأرجل، لتُبّثت في مكان الشرايين المؤدية إلى القلب، والتي لم تعد صالحة، لانسدادها بالشحوم.

لم تتعدى الزيارة 05 دقائق، وحين لمس أنه لم يُعافى بعد، طلب من إخوته تأجيل الزيارة، إلى غاية الأسبوع الثاني.

وحين زاره في المرة الثانية، راح المريض يحمد الله على العافية ويثني عليه، فهو الشافي لاشفاء إلا شفاؤه. وأكد للحضور، أكثر من مرة، أن دعاء الوالدين، والأحبة، والصغار، والعجائز، والشيوخ، والمصلين، كانت من وراء استرداد الصحة، والعافية.

لكنه أبدى حسرةً وأسفاً، على الذين زاروا وأطالوا الزيارة، وكانوا سببا في الإرهاق والتعب، الذي انعكس سلبا على صحته، ومدة علاجه.

واشتكى بالاسم، ذاك الذي مكث عنده، من الساعة السادسة إلى الساعة الثامنة، وآخرون دخلوا عليه جماعات جماعات، من الصباح إلى المغرب، دون أن يتركوا له فرصة استرداد الأنفاس، والاستلقاء على الفراش، وتفقد حالته.

ويكفي لرسم حالة المعاناة التي لاقاها من بعض الزوار، أنه طلب من الحضور، أن يُبلغوا القادمين رسالة مفادها.. رجاءً لاتُطيلوا الزيارة، فإن إطالة الزيارة ، أشد وطأ على المريض ، وأنكى في الجرح من العملية الجراحية.

إن مريض القلب، ليس ذاك الذي يخضع لعملية جراحية مُعقّدة على القلب، إنما مريض القلب، هو ذاك الذي لايُقيم لتوقيت الزيارة وزنا، فتراه يزور في أيّ وقت شاء، ويُطيل في الزيارة، فيكون سببا في تعجيل الشفاء. ويزور المريض في اللحظة الأولى من خروجه من المستشفى، دون مراعاة لحالته الصحية، وظروفه العائلية، فيضيف لمرضه وظروفه، عبئا آخر، لم يكن مستعدا له.

إن العلم، والطب، والتكنولوجيا، تمكنوا من مواجهة أصعب الأمراض، ومعالجة أدقها. والفتوحات العلمية الحالية، وفي الأيام القادمة، كلّها تبشّر بخير، وتُطمئنُ المرضى، بأصنافهم المختلفة، وتغرس الأمل، لدى أصحاب الحالات الصعبة المعقدة.

لكن العلم، والطب، والتكنولوجيا، لم يتمكنوا من تعليم الأصحاء، أدب زيارة المرضى، ولم يستطيعوا أن يرشدوهم إلى أن إطالة الزيارة، تفسد ماتوصل إليه أفضل الأطباء، وأمهر الجراحين، وأنجع الأدوية.

إن زيارة المريض، فضيلة يتنافس عليها أهل الفضل، وحسنة تُكتب للصحيح والمريض معا، ودرجة ترفعهما معا، إلى أعلى عليين. لكن يُكتملُ الفضل ويبلغ مداه .. بالزيارة الخاطفة، التي تسر الناظرين، والكلمة الحسنة، التي تُمتّع السّامعين، ومدَّ العون لمن أراد واستطاع، ورفع الغبن لمن قدر عليه، والدعاء بالغيب، لمن رُزق صفاء الباطن، وحُسن الظاهر.