ضرب قلب الأخطبوط

أحمد الجمال الحموي

أحمد الجمال الحموي

لا يجهل أحد إلا الجاهل ما للتدخل الأمريكي والاحتلال اليهودي لفلسطين من دور سيئ في المنطقة، لذا فإن هذا شيئ غني عن الشرح والبيان في الموضوع المطروق.

لكن الدور الأخطر في العقود الأخيرة هو للتدخل الإيراني المندفع المخرب. وتكمن خطورته في عدة أمور منها:

1- أن الذين يرعونه ويسوقونه يلبسون لبوس الإسلام يخادعون الناس بهذا.

2- أنهم يتحدثون بعنترية ليس لها أدنى نصيب على الأرض عن المقاومة ويرفعون شعارها حتى انطلى كلامهم الفارغ في فترة من الزمن على كثير من أبناء أمتنا لشدة محبة الناس لفلسطين ورغبتهم في تحريرها.

3- أن إيران دولة طائفية وطائفيتها منصوص عليها في دستورها، وهي دولة عقائدية بتبجح ووقاحة تسخو بالمليارات لنشر دينها. وكسب أتباع يؤمنون به في قلب مجتمعات المسلمين وفي عقر دارهم.

4- أن إيران تحلم بإعادة أمجاد الأكاسرة بشراسة غير منضبطة، وتعمل ليل نهار على التوسع وبسط السيطرة والنفوذ.

وإذن فإن مطامع إيران وتدخلها ذو شقين وهدفين شق ديني وشق سياسي وكلاهما تدخل عدواني وهذه العداوة منصبة على أمتنا قبل غيرها أو دون غيرها ولنستعرض بعض صور التدخل الإيراني في بلادنا:

1- تعمل إيران جاهدة لتستأثر بشواطئ سورية ولبنان على البحر الأبيض المتوسط وتعمل أيضاً للسيطرة على الخليج العربي وللتسلل إلى البحر الأحمر والهيمنة على المناطق المطلة على مضيق باب المندب إضافة إلى سعيها الدؤوب نحو السيطرة على البلاد العربية كلها اقتصادياً وسياسياً ودينياً.

وقد استطاع حافظ أسد أحد أقطاب مشروع الدولة الصفوية أن يزرع الخلاف ويعمقه بين دولنا بمكر باطني خبيث، في غفلة أو خور أو عجز من كثير من حكام الدول العربية، لإضعاف أمتنا وتسهيل سيطرة إيران وتسريع وصولها إلى تحقيق أحلامها.

2- ومن صور التدخل تغلغل إيران في لبنان أو احتلالها له، بواسطة مايسمى حزب الله، الذي يفتخر رئيسه بين الحين والآخر بانتمائه إلى مدرسة ولاية الفقيه الغريبة عن الأمة العربية والإسلامية. وقد غدا هذا الحزب بما يملكه من أكداس السلاح الذي كان للنظام الطائفي في سورية دور كبير في إيصاله إليه، وبما يملكه من جيش طائفي مدرب بدعوى المقاومة، وبالاً على لبنان والمنطقة كلها. وما أرى هذا الجيش إلا وحدات إيرانية تحتل لبنان بل وتهدد جيرانه وتقتلهم كما يحدث في سورية الآن.

3- أما تدخل إيران في سورية فقد بدأ مبكراً أيام حافظ أسد، ثم زاد حتى غدا احتلالاً في عهد وريثه بشار، وفي عهد هذا الأخير لم تعد سورية العظيمة سوى محافظة تابعة لإيران كما صرح واحد من ملاليهم منذ وقت قريب بوقاحة منقطعة النظير. فالخبراء الإيرانيون يملؤون سورية والحرس الثوري بالألوف أو عشرات الألوف، وعلماء الصفويين يسرحون ويمرحون، بينما علماء المسلمين مكبلون مكممون، والحوزات والحسينيات تبنى بلا عوائق، ونكاح المتعة يمارس بلا خوف، والجامع الأموي يدنسه الصفويون في شهر رمضان وفي غيره من الشهور.

وفي هذه الأيام وبعد قيام ثورة الشعب السوري المجاهد البطل ماكان لعدو الأمة بشار ولزمرته أن يستمروا في تدمير سورية وذبح شعبها لولا تدفق الرجال والمال والسلاح والذخائر من إيران أولاً، ومن دول أخرى أفلس قادتها من الضمير والشرف ثانياً. وليس هذا الدعم الإيراني الطائفي لبشار وعصابته إلا خوفاً من انهيار الإمبراطورية إذا خرجت سورية منها واستقلت عنها. فسورية برئاسة بشار ولاية مركزية ذات ثقل كبير في امبراطورية المجوس. وإن استقلالها وتحررها من الإحتلال المجوسي يزعزع المنظومة الكسروية كلها، ولا تقتصر آثاره على سورية وحدها، بل تمتد إلى لبنان والعراق واليمن والبحرين وإلى عاصمة الأذى والتخريب نفسها.

4- ومن تدخلات إيران السافرة في بلادنا أنها تحرك منذ سنوات شيعة البحرين ولا تزال، طمعاً منها في ابتلاع هذه الدولة العربية.

وعلينا أن نتذكر ولا ننسى تصريحات عدد من قادة إيران التي أطلقوها في الأشهر الأولى لثورتهم العدوانية البائسة، ومعناها أن البحرين جزء من إيران. ولا يتحرج قادة إيران أن يرددوا مثل هذا بين الحين والآخر.

ولايدري أحد مقدار الأموال التي تتدفق على المخربين البحريينين الروافض، ولا أعداد الذين دربتهم سورية وإيران ومايسمى حزب الله لقتل شعب البحرين والإنقضاض على تلك الدولة.

5- وها هي إيران تعنى بالحوثيين في اليمن تمدهم في الحاضر كما أمدتهم في الماضي بالمال والسلاح عن طريق البر والبحر، وتدربهم كما دربت غيرهم من البحرينيين والسعوديين، فازهقوا آلاف أرواح اليمنيين وكلفوا الدولة مليارات الدولارات.

ومعروف أن الحوثيين طوع بنان إيران، ورهن إشارتها، تحركهم متى أرادت لأغراض شتى منها إنهاك اليمن، والسيطرة بواسطتهم على المناطق الجبلية المنيعة التي تطل من أحد جوانبها على البحر الأحمر، وتقترب جداً من مضيق باب المندب، ذلك الممر الحيوي الذي تريد إيران أن يكون تابعاً لها، أو على الأقل أن يكون لها فيه موطئ قدم.

6- ومن تلك الأغراض أن تكون مناطق الحوثيين حربة في خاصرة المملكة العربية السعودية أو في ظهرها، تعج بالمسلحين الجاهزين للتدخل والتخريب.

يضاف إلى تهديد الحوثيين للمملكة (وهو تهديد خارجي) تهديد داخلي من شيعة المملكة الذين يستوطن كثير منهم المنطقة الشرقية (الغنية بالبترول)

ومعلوم أن ولاء هؤلاء لإيران ولمذهبهم أعظم من ولائهم لوطنهم هذا إن كان لهم ولاء للوطن.

وقد تبين بهذا أن إيران تحاصر المملكة العربية السعودية خارجياً وداخلياً وأنها تستطيع أن تشغلها وتضغط عليها من أكثر من جهة. فإذا أضيف إلى ما سبق من حصار للمملكة العربية ما للعراق الذي سلمته الولايات المتحدة لإيران وعملائها في العراق من حدود طويلة مع المملكة العربية السعودية أصبح الأمر في غاية الخطورة.

7- كما أن الكويت و دولة الإمارات العربية المتحدة ليستا بمنجاة من التدخل الإيراني المؤذي، وإن كان حجمه وشكله يختلف عما هو عليه في دول أخرى، لكنه تدخل مؤذٍ على كل حال.

والآن ألم يظهر أن المشاكل وزلزال الفتن في بلادنا يثيره التدخل الإيراني الوقح، وتعتمد إيران في هذا على أتباعها المؤمنين بدينها، والذين هم كأذرع أخطبوطية تحركهم متى أرادت.

ومن المزعج أنه كلما قُيّد ذراع من تلك الأذرع أو قُطع، حركت إيران ذراعاً غيره في منطقة أخرى ليقوم بوظيفة التخريب المهيّأ لها ثم لا يلبث الذراع المقطوع أن ينمو ويعود لممارسة دوره الشيطاني المخرب.

فإلى متى التعامي والسكوت عن الصفويين الذين تمتلئ قلوبهم عداوة وصدورهم غيظاً علينا. أم أن حكامنا وشعوبنا لم يدركوا بعد خطورة هذا الوباء القادم من الشرق. فإن كانوا يدركون فلماذا لا يبادرون إلى التصدي؟ أم أن العجز والجبن غالبان مستحكمان؟

ياحكام أمتنا: لستم عاجزين بل أنتم قادرون على إيقاف الشر وتطويقه. أم أن الولايات المتحدة تمنعكم حتى من الدفاع عن أنفسكم وتأمركم أن تتركوا صنيعتها إيران تمارس الأذى، وتعيث فساداً في الأرض؟! لتبيعكم أمريكا كل عام بمليارات الدولارات أسلحة ما أظن أنكم سوف تستخدمونها.

ياحكامنا إن مصلحتكم ومصلحة شعوبكم يجب أن تكون مقدمة على مصلحة أمريكا، فلا تجبنوا ولا تتخاذلوا.

إن التصدي للأخطبوط الإيراني ليس مستحيلاً بل هو ممكنٌ خلاصته ضرب قلبه وليس الاكتفاء بتقييد الأذرع أو قطعها. ولله در الشاعر ماأروع  قوله:

لا تقطعن ذنب الأفعى وترسلها
 

إن كنت شهماً فأتبِع رأسها الذنبا
  

فإذا ضُرب القلب أو أصابه الإجهاد على الأقل توقفت حركة الأذرع التي يغذيها ويحركها ذلك القلب أو ضعفت فما هو القلب وكيف يكون ضربه؟

إن قلب الأخطبوط هو إيران نفسها والأذرع أتباعها في دولنا، وثمة وسائل فاعلة لضرب القلب.

أهم الوسائل وأنجعها تحريك التناقضات الكثيرة التي تزخر بها إيران أكثر من كثير من دول العالم فإذا تم تفعيل التناقضات وتغذيتها انشغلت إيران بنفسها وانصرف تفكيرها وجهدها إلى معالجتها.

ومن التناقضات الصارخة في إيران تعدد القوميات وكلها مضطهدة، ففي إيران( عدا الفرس) العرب والأكراد والأذريون أو الأذربيجانيون والبلوش والطاجيك، وجميع هذه الأقليات ناقم يصرخ من الظلم والتهميش، وبعضها يطالب بالاستقلال ويناضل من أجله.

فالأحواز منطقة عربية كان يحكمها الشيخ خزعل الكعبي. وتبلغ نسبة عرب الأحواز من مجموع سكان إيران 7 بالمئة إن لم تكن أكثر، وهذا ما يعادل خمسة ملايين نسمة. وللأحوازيين حركات مسلحة تقاوم الاحتلال الإيراني منها (الجبهة العربية لتحرير الأحواز) و (الجبهة الديمقراطية الشعبية للشعب العربي في الأحواز) وهما تطالبان بالاستقلال أو بحق تقرير المصير. ويقع إقليم الأحواز في الجنوب الغربي من إيران حيث يوجد أكثر من ثمانين بالمئة من إنتاج النفط الإيراني، وفي الوقت نفسه فإن هذا الإقليم يطل على السواحل الشمالية الشرقية للخليج العربي ومضيق هرمز الذي يعد أهم الممرات المائية في العالم لنقل النفط.

وكما رفع الأحوازيون السلاح في وجه الدولة فقد رفعه الأكراد والبلوش ، واستفاد البلوش من وجودهم على مقربة من الحدود الباكستانية والأفغانية. وقد شهد إقليم كردستان على مدى السنوات توترات بارزة بين الحكومة والقبائل الكردية.

أما الأذريون( الأذربيجانيون) فإن عددهم في إيران يتراوح بين(12 إلى 18) مليوناً، وهو أكثر من عددهم في أذربيجان نفسها، وكان هؤلاء قد نجحوا سنة 1945 بإقامة جمهورية لهم بزعامة سيد جعفر بيشه، غير أنها لم تدم سوى عام واحد.

أما البلوش فإنهم ينتشرون شرقي إيران حيث توجد مقاطعة بلوشستان ويشكلون حوالي 4% من السكان، لكنهم يعانون من اضطهاد قومي أولاً ومذهبي ثانياً لأنهم مسلمون سنة. وقد شكلوا في السنوات الأخيرة حركات مسلحة أشهرها(جند الله) وقد قامت هذه الحركة بعمليات ناجحة ومؤلمة للحكومة المركزية.

إن مجموع هذه الفئات يكاد يبلغ 50% من سكان إيران. وهذا يشير إلى صراع مرير بين الفرس الصفويين المسيطرين وبين الأقليات التي تساويهم في العدد تقريباً، وهذا شيئ لا يجوز تركه ولا يجوز عدم التفكير في الاستفادة منه.

وقد ظهر في السنوات الأخيرة خلاف واسع وعميق بين المحافظين والإصلاحيين ويمكن تأجيجه والاستفادة منه وإن كان الطرفان أعداءً لنا.

ومن الجدير بالذكر أن السيطرة في إيران هي للفرس وليس لغيرهم دور يذكر وحتى الفارسي ليس له قيمة مالم يكن شيعياً.

وإذاً فإن إيران لما فيها من قوميات ومذاهب وظلم وتهميش لما يقرب من نصف سكانها ليس مارداً لا يمكن إدخاله القمقم، بل إن تحريك هذه المجموعات العرقية حري بأن يصيب إيران في قلبها ويشل أذرعها ويشغلها عن زرع الفتن والتدخل في شؤون دول المنطقة، لذا على الحكومات العربية واجبات إذا قامت بها دفعت عن نفسها وعن شعوبها شرور التدخل الإيراني وهذه بعضها:

1- تقديم المال للأقليات والأعراق والقوميات المضطهدة حتى وإن استدعى هذا بذل المليارات.

2- الدعم الإعلامي القوي وذلك بالتركيز على ما تتعرض له الأعراق والقوميات المختلفة من ظلم وتهميش، ونشر أخبارهم وإبراز قادتهم في الفضائيات على الدوام.

3- تهيئة معسكرات لتدريب من يريد أن يتدرب منهم.

4- تقديم السلاح المتطور لتنظيماتهم المسلحة.

5- تقديم الدعم اللوجستي بأرقى أنواعه وصوره، من أجهزة اتصال وأجهزة رصد وتنصت وتصوير وغير ذلك.

6- وقف التعامل التجاري مع إيران . ومن المحزن أن حجم تعامل إيران مع الإمارات وحدها بلغ سبعة مليار دولار.

وأؤكد مرة أخرى إن هذه الأقليات أو القوميات إذا قويت وتحركت أرهقت إيران وشغلتها من داخلها ولن يمضي وقت طويل حتى تصبح عاجزة عن تحريك أذرعها الأخطبوطية، أما إذا لم تبادر الحكومات العربية إلى القيام بهذا الواجب فإنها تجني على نفسها أولاً وعلى الأمة العربية والإسلامية ثانياً وتساعد عن قصد أو دون قصد على بقاء الشر واستفحاله.

وحينئذ لابد من جهة أخرى تقوم بهذا الواجب، وإن أثرياء العرب بما يملكون من مليارات ووسائل إعلامية قادرون على هذا، ونذكر هنا كم كان لأثرياء شيعة الكويت وغيرها من الدول الخليجية من دور في إمداد الدجالين من علماء الشيعة بالمال والإمكانات الأخرى لنشر المذهب في سورية، وكان من بركات ثورة الشعب السوري انحسار المد الشيعي وافتضاح حقيقة إيران وحزب الله في العالم كله. وحبذا تعاون الطرفين: الحكومات والأثرياء للقيام بهذا الواجب فإن هذا أنفع.

وهناك أمر آخر في غاية الأهمية هو الإستفادة من الدول المحيطة بإيران، وهي إقليم كردستان العراق وتركيا وباكستان وأفغانستان، التي ساهم إسقاط حكم طالبان فيها بتقوية إيران، ومن المعروف أن لكل دولة من هذه الدول مشاكلها مع إيران، لذا على هذه الدول السعي لإقامة تحالف بين من تستطيع منها وبين الدول العربية المهتمة بالشأن الإيراني والعمل على وضع خطة مشتركة لمواجهة هذا الأخطبوط العدواني اللئيم.

وأخيراً فإن من يعتقد أن ما يجري في سوريا هو شأن سوري هو إنسان لا يفهم أبجديات السياسة وإنه مما لا شك فيه أن سقوط نظام عصابة الأسد سيكون له دور كبير في استقرار المنطقة وفي إضعاف إيران، وذلك لخروج دولة مهمة من الحلف، وبخروجها ينقطع المدد عن حزب الله أو يقل، ويضعف شيعة العراق ويقوى السنة، وبهذا تصبح إيران وحيدة في الساحة. وإن دعم الأقليات في إيران يخفف من أذى إيران أو يبطله ويخفف من دعمها للنظام السوري ويضعف الدولتين معاً.

إنني أضرب مثلاً لإيران برجل شرير أحمق منتفخ ومعتد بنفسه يستأسد كلما رأى خصمه خائفاً منه أو ظن أنه ليس على استعداد لمنازلته منازلة الرجال، لكن هذا الشرير ينكمش ويتصاغر ويغلبه الضعف البشري إذا رأى من خصمه رجولة وشجاعة واستعداداً للمنازلة مهما كانت النتائج، فالحذر الحذر يا أمتنا من الخور والجبن ولنكن من فئة المؤمن القوي في مواجهة هؤلاء الأوغاد.

فيا حكام أمتنا نستصرخكم ونطالبكم أن تتحركوا لمواجهة هذا الشر المستطير. لا تخافوا من إيران، ولا تقبلوا أوامر الأمريكان، فإنها وسوسة شيطان.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين.

- أحمد الجمّال الحموي

- نائب رئيس جمعية علماء حماة سابقاً

- عضو مؤسس في رابطة أدباء الشام

- عضو مؤسس في رابطة العلماء السوريين

- عضو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين