ملخص بحث "من فنون الجهاد عند رسول الله
ملخص بحث
"من فنون الجهاد عند رسول الله "ص"
"غزوة بدر الكبرى أنموذجا "
د. حسن الربابعة
قسم اللغة العربية
جامعة مؤتة
مقدم إلى مؤتمر "نصرة النبي محمد "ص"والياتها بين الواقع والطموح المزمع عقده في رحاب جامعة مؤتة يومي 6و7 من شهر أيار 2013م "
إعداد الأستاذ الدكتور حسن محمد الربابعة
قسم اللغة العربية ـ كلية الآداب ـ جامعة مؤتة
أدرك الرسول الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم "85"خمسة وثمانين عملا حربيا في حياته ، مثَّل الهجوم"49"تسعة وأربعين عملا منها، بنسبة "57.7) بالمائة منها ، ومثل الدفاع 21واحدا وعشرين عملا حربيا بنسبة (24.7)، وبرز أربعة أعمال دفاعية هجومية ، وأربعة أعمال دعوية وثلاثة دفاعية ، وعملان استطلاعيان ، وحالة صلح واحدة ،كما جدولها الدكتور يحيي البطوش في كتابه الموسوم "التخطيط العسكري في السنة النبوية .
وأبرزت ورقة بحثي هذه تخطيطَ الرسول الحربيَّ في مراحل الحرب الأربعة ، وهي التقدم والهجوم والدفاع والانسحاب، ما لا تستوعبه هذه الورقة، فاجتزأت منها عملية تقدم الرسول الكريم من المدينة باتجاه"بدر "يوم الفرقان يوم التقى الجمعان .، في السنة الثانية من هجرته صلى الله عليه وسلم
لقد برزت فنون جهاده عليه الصلاة والسلام بدءا واختتاما فقد عرض الموقف العام ، وحدد المّهمَّة العسكرية ، وأبرزت الورقة مقارنة بين القوى المتقاتلة ، ووظِّفت الاستخبارات وجُمعت المعلومات عن عدوه بعيونه ونفسه ، و ظهر استعدادُه للحركة في الصحراء ، وتفقد قواته العسكرية ،في المدينة ، لكشفه اللياقة البدنية ، وأعاد بعضهم لصغر سنِّهم ، وأدرك أهمية الروح المعنوية، أثناء الحركة للاقتراب ، وقبيل المعركة، وأثناءها ، وحرَّض جنده على الشهادة، واقسم بالله أن من مات منهم في ساح الحرب حاسرا لا درع عليه، فانه مما يضحك الرب عزَّ وجل فرحا بلقائه عبده، فألقى بعضهم درعه واستعجل الشهادة، وبعضهم لم تمهله حبات تمر عن استعجال الشهادة ، فقال "بخ بخ انها لحياة طويلة إذا استمهلتني عن دخولي الجنة " واستشار صحبه، فسورة الشورى في القرآن ماثلة ، فأخذ برأي الحُباب بن منذر في تحديد مكان المسلمين على ماء بدر، فأفادوا منه وغوَّروا غيرها من آبار، في خطة حرم المشركون من مائه، فتهالكوا للوصول إليه ومن المشركين من مات عطشان ولم يبرَّ بقسمه للشرب من حوض بدر ، وفي أثناء المسير تعاقب المسلمون الثلاثة والاثنين على رواحلهم السبعين ، وأبرز النبي قوته أسوة بغيره فما رفيقاه بأقوى منه ولا هو أغنى منهما عن الأجر المبتغى ، وكانت نسبة المسلمين إلى قريش كنسبة 1:3، عدد المسلمين 313. 950 ، وعلى غير عادة المهاجمين أن يكونوا ثلاثة أضعاف المدافعين فانعكست نظرية الحرب، وانتصرت القلة المهاجمة على الكثرة المدافعة ،فانتصرت القوة المهاجمة على المدافعة ،"كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله " فاختلت نظرية الحرب الحديثة ،واتخذ الرسول الكريم في التقدم في الصحراء تشكيلة تعبوية ما تزال الجيوش الحديثة تستخدمها ، إذ أرسل دورية استطلاع أمامية؛ لجلب معلومات أولية عن قافلة قريش ، تليها كتيبة المهاجرين ، وحامل رابتها علي بن أبي طالب ، ثم كتيبة الأنصار بقيادة سعد بن معاذ ، وكان على قيادة الميمنة الزبير بن العوام ، وعلى الميسرة المقداد بن عمرو ، وكان مصعب بن عمير يمثِّل وزير دفاع ، وعلى الساقة قيس بن عمرو الأنصاري ، وواجبه قيادة حرس المقدمة ، ودفع جنديين للأمام؛ فاكتشفا طبيعة الأرض هما بسيس بن عمرو ، وعدي بن أبي الرغباء وكان في تقريرهما الشفوي "عير قريش قاربت بدرا" وتسمَّعا إلى قول جاريتين تقول إحداهما للأخرى تأتي العير غدا، فاعمل لهم وأقضيك ما لك علي من دين ، ففهما موعد وصوله قريش ،كما يحدث في "التنصت" على مكالمات العدو أيامنا، ولم يكتف الرسول الكريم بمعلومات جنديي الاستطلاع ،فأرسل عليا والزبير يلتمسان خبر قريش، فأصابا غلامين وسألاهما عن أبي سفيان ، فاستجوبهما الرسول الكريم كم يذبحان من الإبل كل يوم؟ فأجابا تسعة يوما وعشرا يوما، فقدر قوَّتهم بتسعمائة وخمسين، وكانت استخباراتٍه ـ عليه الصلاة والسلام ـ دقيقة ، والاستخبارات عين القائد وسمعه ، فسأل الرسول الكريم شيخا أعرابيا فلم يخبره إلا بعد أنْ ورَّى رسول الله له وقال "نحن،من ماء"فاخبره الأعرابي أنَّ قريشا خرجت يوم كذا، وقد تصل بدرا يوم كذا ، واستخبر الرسول عن ابرز قادة فريش منهم أبو سفيان، وأبو جهل فرعون قريش، وأمية بن خلف .، والتمويه على العدو في الحرب جائز، وهو من باب الخدعة .
وفي موازنة بين وسائل الحرب عند الطرفين، فان النسبة بين ابل المسلمين و ابل المشركين كنسبة 70:700 أي واحد إلى عشرة ، وخيل المسلمين فرسان، وخيول قريش مائة والنسبة اثنان بالمائة ، وتنبه الرسول عليه السلام إلى وسائل إدارية منها الماء؛ وقد نزل من السماء بفضل رحمة الله ودعاء المسلمين، فلبَّد الأرض وملأ الحياض ، واغتسلوا كما في آية "إذ يغشيكم النعاس " ومن الماء ماءُ بدر بفضل رأي الحُباب.
أما النوم إداريا فمعجزة ربانية ؛إذ شعر المسلمون بنعاس قلَّ من ينام خائفٌ عدوا يواجهه بين لحظة وأخرى ، وأما القيادة والاتصالات فتعددت، فكان عريشُ رسول الله محروسا، وكان يشرف منه على ساح المعركة ، ، وتوجيهاتُ الرسول بتشكيلة الصفوف ماثلة ، وهذا ما لم يعرفه العرب من قبل ،فكانوا يعتمدون أسلوب الكرِّ والفرِّ، ومن فنون القتال رماية المسلمين أعداءهم بالنبل على مديات أسلحتهم، فاختاروا قادة المشركين قبل أن تحين المواجهة ، وهذا يسمى اليوم "إجراءات المعركة الدفاعية "إذ تبدأ الرمايات من أسلحة بعيدة، إلى أن تنتهي بمهارشة الحراب على الهدف"(dogging Fight). ووجَّهم رسول الله إلى "الاقتصاد في الذخيرة "فلا يرمون إلا بأمر؛ لضبطها وتقنينها لحاجة ضرورية حسب،وكان من الاتصالات العيون المستخبرة في تشكيلة الاستطلاع ، و كان منها ألوان الرايات ؛فراية علي وسعد بن معاذ سوداوان ، وراية المسلمين عامة بيضاء ،يرفعها مصعب بن عمير ، ووظِّفتْ كلماتُ التعارف كأنها"pass words)) اليوم ،فكانت كلمة التعارف عند المسلمين أحد أحد، وشعار الخزرج "يا بني عبد الله " وشعار الأوس من الأنصار "يا بني عُبيد الله " وشعار المهاجرين "يا بني عبد الرحمن " وكان هتاف المسلمين عند الاقتحام "يا منصور أمت أمت " وكانت علامة ريشة نعامة في صدر حمزة بن عبد المطلب ، أما علامات الملائكة فعمائم بيض يسحبونها على ظهورهم عليهم السلام ، أما علامة جبريل فصفراء ، ومن إشارات تمييز الملائكة بيض الوجوه على خيول بلق، كما شهد أبو سفيان بذلك بعد إسلامه ، ومن أسماء الخيل "خيل الله " ومن الإشارات علامة فارقة في إحدى رجلي أبي جهل، أوقعها رسول الله به يوم ازدحامهما على مأدبة ل"عبد الرحمن بن جدعان" ، وختاما لسير القتال فان المشركين مارسوا أسلوب الكرِّ والفرِّ،بقيادة مشتتة ، أما المسلمون فكانت قيادتهم منظمة ،وقاتلوا بأسلوب الصفوف، كما في تعليمات سورة الصف ، وطلب المشركون المبارزة؛ فقتل حمزة وعلي عتبة وشيبة ، وقد آثر النبي الكريم عمَّه وابن عمِّه للمنازلة ،ولم يرض غيرهما، فهو أولى بهما إذا استشهدوا، ولشجاعتهما النادرة لكسر همة المشركين في المنازلة الأولى ، وهو حس رفيع من رسول الله ، ومعرفة دقيقة برجاله ، وشاط المشركون بعد المبارزة، فأمطروا المسلمين وابلا من سهامهم، فصمدت صفوف المسلمين ، وبدأ المسلمون بتصويب سهامهم ؛ على قادة المشركين بدقة متناهية كأنهم" قناصة اليوم "،فقتلت منهم سادتهم ، ونزل الرسول من عريشه، يقود الصفوف،ويحرِّضهم على الجهاد ، وفي خضم المعركة، يصلت رسول الله سيفه، لابسا درعه ، فانبرت تحتمي به صناديد الرِّجال ،وكان اقربَ جنده إلى حميَّا المعركة ، ثم أعطى أمره الأخير "شدوا "كأنها ساعة الصفر اليوم "بمعنى الهجوم الصاخب، فانهزم الجمع ، وولوا بفضل الله الدُّبر.
بدأت غزوة بدر صباح يوم الجمعة 17 رمضان من السنة الثانية من هجرته ، وانتهت مساء اليوم نفسه، وبقي المسلمون ثلاثة أيام في بدر، بعد النصر،ثم عادوا غانمين إلى المدينة المنورة بعد أن قتلوا سبعين، وأسروا سبعين ، ودفنوا قتلى المشركين في قَليب،حفاظا على كرامة الإنسان الميت ، وارتقى إلى جنات الخلد أربعة عشر شهيدا ؛ستة مهاجرين وثمانية من الأنصار ،وقد وزعت الغنائم بالتساوي بين المسلمين فللفارس سهمان؛ له ولفرسه ، وللراجل سهم وللورثة حصة ، وحصة لمن تخلف في المدينة لواجب وظيفي ، أما الاسارى فمنهم من فدي بمال ، ومنهم من علَّم من المسلمين فاعتق، وأطلق الرسول بعض الفقراء، وأمر بقتل اثنين من الأسرى لعداوتهما الشديدة لرسول الله كمجرمي حرب هذه الأيام ، وفي نهاية بحثي خاتمة، تبين بعضا مما لا يستوعبه الملخَّص ، والبحث بين يدي أهل الاختصاص، فمن شاء اطلع عليه، وعلى مراجعه ، والله اسأل أن ينصر امة محمد على أعدائها ، وقد تداعت علينا أعداؤنا، كما تداعى الأكلة على قصعتها ، وان ينصرنا كما نصر محمدا وصحبه يوم الفرقان،يوم التقى الجمعان ، انه هو السميع البصير، وهو للدعاء قريب مجيب ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .