جهاد النكاح بين الحقيقة والافتراء
كاظم فنجان الحمامي
بمجرد النظر إلى هذه العبارة المعوجة يشعر الإنسان العاقل باعوجاج معناها وعدم استقامته, لأنها لا تصدر إلا من الذين أشقاهم جهلهم, وأعمى بصيرتهم الحقد, فالعبارة تشتمل على أبشع المفردات القبيحة, والألفاظ المبتذلة, وأغلب الظن إنها تسربت من أقبية الأبواق الإعلامية الرخيصة, فمثل هذه العبارات لا تصدر إلا من جاهل, أو مجنون, أو مغرض, أو مدسوس, أو خبيث, بيد أن الملفت للنظر إن الصحف العربية هي التي جاهرت بهذا الكلام الفج, وهي التي روجته ونشرته وأعلنته على صفحاتها الأولى, وهي التي أخذته على محمل الجد. .
شاهدنا على صفحات جريدة (الوطن) الكويتية (1) قبل بضعة أيام إشارات صريحة لفتوى مجهولة المصدر تدعو للترويح عن المقاتلين في سوريا والسماح لهم بنكاح المتطوعات التونسيات, وتضمن الخبر رفض وزير الشؤون الدينية التونسي (نور الدين الخادمي) لهذه الفتوى في محضر رده على الأنباء التي ذكرت توجه ثلاث عشر فتاة تونسية إلى سوريا للقيام بهذه المهمة, وقال: إنها لا تلزم الشعب التونسي ولا مؤسسات الدولة. .
ولو عدنا إلى الوراء لوجدنا ان صحيفة (الحياة) اللندنية كانت أول من نشر الخبر على صفحتها الأولى في الشهر الماضي (2), ثم توسعت في تحقيق خاص نشرته بعد اقل من أسبوع (3), تحت عنوان ((فتيات يدعمن المقاتلين السوريين بجهاد النكاح)), تناولت فيه الصحيفة تفاصيل المؤتمر الذي عقده وزير الشؤون الدينية التونسي لإنهاء الجدل المتفاقم في المدن التونسية على خلفية فيديو انتشر كثيرا على الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي, يظهر فيه ذوو فتاة تونسية تدعى (رحمة), أكدوا إنهم لم يجدوا ابنتهم في المنزل, وعلموا بعد ذلك إنها توجهت إلى سوريا تلبية لنداء (جهاد النكاح), وقال والد البنت التي عادت إلى أهلها: إن ابنته لم تكن متشددة في الدين, لكنها خضعت لتأثير زملاء لها في الدراسة عًرفوا بتطرفهم, ومن الأرجح أن يكونوا قد غسلوا دماغها, وأقنعوها بالسفر إلى سوريا لمؤازرة المقاتلين هناك. .
ثم تناولت جريدة (البديل)(4) المصرية الموضوع نفسه, وجاءت بعدها جريدة (أخبار اليوم) المصرية(5) لتنقل لنا الدعوة التي وجهتها وزارة المرأة والأسرة التونسية نحو تكثيف رعاية الأسرة لبناتها, وتحذيرهن من مخاطر الانجراف وراء فتاوى التهتك الجنسي, ومنعهن من السفر إلى البلدان, التي عصفت بها الصراعات الداخلية بدعوى الجهاد.
ثم شنت جريدة (البلاد)(6) البحرينية هجوما كاسحا على العقول المعطوبة, التي أطلقت فتوى التهتك, وحذرت جريدة الطليعة(7) التونسية من تفشي ظاهرة (جهاد المناكحة) في الأوساط التونسية, ودعت إلى رفض الانصياع لإرادة أصحاب الأفكار التافهة.
وهكذا اشتركت معظم الصحف العربية في ترويج مثل هذه الأخبار, وأخذتها على محمل الجد مع علمها المسبق إنها لا تمت للدين الحنيف بصلة, ومع إدراكها المبكر إنها تمثل الآراء الشاذة, التي تبنتها المؤسسات الظلامية المعادية لكل الأديان والأعراف والقيم. .
ربما يقول قائل: إن المخابرات السورية هي التي أطلقت هذه الافتراءات, لكننا لا نرى على أرض الواقع أي تأثير مباشر لعناصر تلك المخابرات على الصحف التونسية والمصرية والكويتية والأردنية والبحرينية والعمانية والجزائرية والمغربية, التي تناولت هذه الظاهرة وانتقدتها وحاربتها, ولا يعني هذا إن المخابرات السورية لم تستثمر الخبر لمصالحها التعبوية. .
سمعنا من قبل أغرب فتاوى النكاح والمضاجعة, فتاوى عجيبة سبحت معظمها ضد تيارات العقل والمنطق, وأثارت موجات من الضحك والسخرية, ولعل الفتوى التي أطلقها الشيخ عبد الباري الزمزمي بجواز مضاجعة الرجل لزوجته الميتة, بما يسميه (مضاجعة الموتى), أو (مضاجعة الوداع) قبل الدفن, لعلها كانت القشة التي قصمت ظهر البعير الأعور القادم إلينا من كهوف تل أبيب بقصد تشويه صورة الدين الحنيف ببعض الأفكار اليهودية المسمومة. .
وعلى هذا المنوال نسجت الناشطة الكويتية (سلوى المطيري) أفكارها الغريبة, ودعت إلى سن قانون يبيح للمرأة غير المتزوجة شراء عبد مملوك ليضاجعها, وطالبت أيضا بسن قانون للجواري في بلدها لحماية الرجال من الفساد والزنا, واقترحت شراء الجواري من سبايا الروس لدى الشيشان. .
فتاوى تافهة وأفكار مريضة وتوجهات غبية, تشتمل على مضامين سخيفة تحتقر العقل البشري, تفجرت في الآونة الأخيرة وكأنها تنبع من مصدر واحد يتخندق في المواقع المعادية للدين والأعراف والقيم البشرية, بيد أن الفتوى التي أطلقتها الأبواق المدسوسة بجواز جهاد المرأة في محاور المضاجعة الجنسية, تعد الأكثر تهتكاً وتفسخاً وانحطاطاً. .
كانت (تسيبي ليفني)(8) أول من سخرت مفاتنها الجسدية في هذا المضمار, وهي التي تباهت على رؤوس الأشهاد بمغامراتها الجنسية مع الأمراء والرؤساء العرب, خدمة لأمن بلادها, فجاهدت على طريقتها الخاصة منذ ربع قرن, حتى قطعت شوطا كبيراً, وكسرت الأرقام القياسية في التسلل إلى مخادعهم بقصد إغوائهم وابتزازهم. .
اما اليوم فقد تسللت إلينا الأفكار اليهودية عبر الصحف العربية المسمومة لتضلل الفتيات العربيات, وتدعوهن للجهاد على طريقة (تسيبي ليفني), واشتركت معها بعض الفضائيات المغرضة, التي سخرت شاشاتها لنشر الرذيلة الفكرية في الأوساط العربية, وفي مقدمتها قناة (العربية)(9), التي أعادت نشر الخبر أكثر من مرة, واستمعوا أيضاً لهذه الإذاعة التونسية, التي ماانفكت تذيع الخبر نفسه حتى يومنا هذا(10), والتي اشرنا إلى رابطتها في الهامش. . .
والله يستر من الجايات
(1) الوطن الكويتية / ظاهرة جهاد النكاح, مقالة كتبتها (آمنة بهزاد) بتاريخ 01/04/2013
(2) الحياة اللندنية في 27/3/2013
(3) الحياة اللندنية في 1/4/2013
(4) البديل المصرية / المراهقات يدفعن ثمن فتوى جهاد النكاح في تونس, مقالة كتبها: حسام ربيع في 27/3/2013.
(5) أخبار اليوم المصرية / بالفيديو جهاد النكاح تونسيات على فراش المقاومة السورية, مقالة كتبتها: أسماء البكري في 30/3/2013.
(6) البلاد البحرينية / فتوى جهاد النكاح أم فتوى تسيبي ليفني, مقالة كتبتها: بثينة خليفة قاسم في 31/3/2013.
(7) الطليعة التونسية / تحذيرات بصوت عال من جهاد المناكحة, في 3/4/2013.
(8) القدس العربي / قادة عرب في سرير ليفني/ بقلم امديرس القادري في 9/11/2012. .