بعيداً عن جاهلية النظام
عبد الرحمن جعفر الشردوب
المتفحّص لأسباب انطلاقة ثورتنا واستمراريتها رغم كل ما تلاقيه من إجرام وإرهاب لا حدود له من النظام ومسانديه ، يجد أنها في مجملها عبارة عن ثورة على منظومة قيمية سلبية جاهلية تعامل بها النظام المجرم وفرضها على امتداد عقودٍ عدّة ، وصمت عليها الشعب على مضض ؛ وهي قيم تنافي القيم السامية الإسلامية الأصيلة التي تربّى عليها هذا الشعب وينتمي إليها ، إلى جانب أنها تنافي مفاهيم فكرية إنسانية كثيرة ارتقى فيها العالم المتحضر ، وما زال شعبنا يحلم بها ويسعى إليها ؛ كالحرية والمساواة والعدالة والكرامة ،وحفظ الحقوق والحريات ورعايتها على أسس القيم والأخلاق النبيلة التي تعتبر الجانب الروحي لأي شعب يريد أن يكتب لنفسه الحياة .
ولعلّ أسوأ ما في المنظومة القيمية السلبية التي فرضت علينا أنها لا تسقط بسقوط النظام ، وتحتاج إلى جهود كبيرة لتغييرها واستئصالها وإزالة شوائبها من نفوس الشعب بغض النظر عن كونه قد رضيها قناعة أو ممارسة أو مجبرا ؛ سواء كان من الثوّار أو محايدا أو ممن بقي مع النظام ؛ حيث أن رواسب تلك المنظومة القيمية الجاهلية بما حوته من جهل وبعد عن الالتزام الديني وفساد وتعدٍّ على حقوق الآخرين واستحلال للذمم والدماء وغير ذلك من الأخلاق والتصرفات السلبية تعتبر هي التحدي الحقيقي للثورة ، وخاصة في التعقيدات التي حملتها ثورتنا من طول زمنها واستمرار صمود النظام من جهة ، واتساع الهوة بين منظومته الجاهلية والقيم السامية الأصيلة التي خرج المواطن وبذل أغلى ما يملك من أجل فرضها وعيشها ، ولا شك بأن إحلال تلك القيم يحتاج إلى جهود جبارة من المعارضة باتجاهاتها المختلفة الدينية والسياسية والفكرية والاجتماعية والإعلامية سواء كانت بيد الأفراد أوالجماعات أو منظمات المجتمع المدني التي تخدم الثورة ، ناهيك عن احتياجه إلى فترة زمنية طويلة ريثما يسقط النظام والانتهاء من إسقاطه كاملاً بعمقه الأمني والمؤسساتي والاجتماعي .
وبما أن هذه الثورة كانت على هذه المنظومة الجاهلية ؛ فإنه كلّما اقترب المواطن من الثورة وقيمها كان أكثر بعداً عن النظام وقيمه ، وهذه نقطة حساسة يجب أن يعيها كل منتمي لهذه الثورة ؛ فلا يعني الانشقاق عن النظام الانضمامَ إلى الثورة بحال ، إن لم يتخلّ المنشق عن منظومة الجهل التي كان تربّى وسار عليها ، وعلى هذا لا يعدّ الثائر ثائرا إن انتقل من الفساد والكذب والسرقة في حضن النظام ليمارسهم في مسميات ثورية أياً كان موقعه في الثورة ، وهذا الأمر قد ابتلينا به في الثورة وبات أصحابه عبئا يثقل كاهلها وينتشر سرطاناً في جسدها الغضّ الذي يحاول الصمود أمام منظومتين جاهليتين سوداوتين ؛ إحداهما أسوء من الأخرى ، وهما منظومتي النظام ، ومنظومة المجتمع الدولي الذي لم يكن أشد الثوار تشاؤما يظنّ أنها ستكون بهذه الميكافيلية اللا أخلاقية واللا إنسانية .
ومما سبق ذكره فإنه لا بد علينا جميعا أن نجدّد فهمنا وخطابنا الثوري من خلال نشر القيم والمفاهيم النبيلة السامية المتحضّرة التي خرجت الثورة لأجلها ، وأن نسعى للتأكيد عليها وتحكيمها في كافة قطاعات الثورة واتجاهاتها حتى تكون هي الحكم الفصل بين المواطن الحر النبيل والآخر الجاهلي في سورية المستقبل ؛ فلا يعد ثائراً ولا حرّاً من يمارس جاهلية النظام ومنظومته التي اتبعها والتي جاء الأنبياء والرسل كلّهم لنبذها ، والذين كان ختامهم نبيّ الرحمة والحرية محمد صلى الله عليه وسلّم الذي قال : " إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " والذي قال لصاحبه " أبو ذر الغفاري " : " إنك امرؤ فيك جاهلية " بعد أن عيّر بلال بن رباح بأمّه بقوله " يا ابن السوداء " ، ونحن أيضا لن نقبل في ثورتنا وحرّيتنا وفي مستقبل وطننا من يمارس شيئا من جاهلية النظام ؛ حتى لو كان على رأس الثورة ، فلم تعد قلوبنا ولا عقولنا تطيق من به شيئا من جاهلية النظام .