شرفتي ..وزائر الفجر (1-2)
شرفتي ..وزائر الفجر (1-2)
ريم أبو الفضل
غالبا....أصلى فجرى قبل نومى ؛ لأننى من الأشخاص الذين لا يستغرقون بسهولة فى نومهم..فكان ذلك عهدهم
وإن نمت قبل الفجر ثم استيقظت للصلاة..فمن المستحيل أن يعود النوم لجفونى بعد أن غادرها..
قبل أن أتوسد فراشى لابد أن أُخرج من غرفتى ساعة الحائط رغم أنها لا تدق، فلا أستطيع النوم من صوت عقاربها الرتيب..ولم تناسبنى الرقمية لإضائتها
أطفئ الأنوار كلها ..أغلق الباب فلابد أن يجتمع ثلاثية الهدوء، والظلام، والتوحد
إنهم ساعتان قبل الصباح ،لليوم زاد، وللعمل عتاد
أقسم على النوم أن يأتى سريعا ..أغلق جفونى ..أعد من واحد إلى عشرة...قد أتجاوز المئة
وهاهو بدأ يتهادى...غفوة..وسن..ثم..........
انتفض فجأة لصوته..
ألعنه فى صمت..يتمادى
أتمتم بغضب..يتعالى..
أعلن غضبى.. بعد أن فرّ نومى
هل أهدم شرفتى التى استحل الوقوف عليها..أم أرحل وأترك له الشرفة بملحقاتها؟ أم أضع له كميناً وعندئذ ...
سيناريو شبه يومىّ يتكرر
لم يعدل هو عن فعلته..ولم أتأقلم أنا مع زيارته
أفقد صوابى فى الصباح قد أرد على هاتفى فى حدة ..أصيح فى وجه الجميع..أتأخر عن موعدى..يتملكنى الصداع طيلة اليوم..لم أنفذ إلا القليل من برامج أجندتى
أُرجع كل ذلك- للعصفور- الذى يتعمدنى بالقلق، ويتوعدنى بالاستمرار
أصب عليه جام غضبى طيلة اليوم...أكيل له اللعنات..أتمنى له الرحيل أو.. الموت
أنتظره أحيانا حتى يفرغ من أنشودته، أو هكذا يتصورها، ثم أخلد للنوم، وسرعان ما أستيقظ قبل ساعة على دقات المحمول
أظل طيلة اليوم أكيل له لعناتي..وأُرجع إخفاقى فى أى شىء له ..
وجاء يوم انتهيت سريعاً من طقوسى ،وأسلمت رأسى لوسادتى لأنام..فلم يأتني النوم
..فانتظرته حتى يفرغ من إنشودته فلم يأت ..وعلا رنين الخلوى .. وأنا أنتظره، ولم يأت
ظللت طيلة اليوم أتساءل لماذا لم يأت، وتكرر الحال فى اليوم التالى فلم يأت هو..ولم يأت نومى سريعا كما كنت أتوقع
وأتى الصباح .. وكنت أشد توترا من ذى قبل، فالقلق لم يختف، بل بت أفكر لماذا لم يأت العصفور!
ربما غير وعده.. ويأتينى وقتا آخر ليقلق نومى
وأتى الغد وبعد الغد.. وانتظرته فلم يأت
وبات تفكيرى ساخرا لى إلى حد ما
أى عصفور هذا الذى أفكر فيه؟
ألم يكن يؤرقنى، وكنت أكرهه
ألم أتمنى أن يذهب بلا رجعة
وغاب العصفور .....
ولم يغب القلق..وكأنهما اتفقا على أن يغادرانى معا أى" النوم والعصفور"
بل صرت أغفو قرابة الصبح، وكثيرا ما أتأخر عن موعدى
وكأن هذا العصفوركان ينبهنى ألا أغفو
وكأنه يحيينى تحية الصباح بأنشودته التى لم أرها هكذا
وكأنه يعلن لى صباح جديد ، ويستنهضنى ليوم حافل بالعمل مع صوته المفعم بالأمل
وبعدما تفكرت فى هذه الفترة الذى كان يغرد فيها العصفور .....وجدت أننى كنت فى نعمة... لم أرها هكذا
فهناك من يقلق من نومه بسبب ألم يسببه له مرض عضال
وهناك من يفزع من هجوعه بسبب أمن افتقده
وهناك من ينام بين القبور أو الزمور
وهناك من لا ينام لأنه يفتقد المأوى
لم تكن شكواى من العصفور مجرد تفاهة، بل رأيتها بعد ذلك بطرا
فاختيار العصفور لشرفتى كان منصة يُعلن حقه فى الحياة عليها ، ويُعلمنى بالحياة التى قد يكون صوته أحد معالمها
كما وجدت أننا لابد أن نتقبل أى صنيع يفعله الآخرون معنا، ونشكرهم
فقد يكونون يبذلون أقصى ما عندهم، فى حين أننا نرى صنيعهم تطفلا أو إزعاجا
فقد ظن العصفور الأعجم أنه يؤدى لى خدمة ،وكانت أقصى ما لديه.. بينما كنت ألعنه
كانت تجربة العصفور تجربة ساخرة بسيطة ، ولكنها علمتنى الكثير
علمتنى ..أن أشكر وأمتن لكل من قدم لى شيئا... حتى ولو كانت مكالمة فى منتصف الليل توقظنى من نومى
علمتنى.. أن أرى ما يقدمه لى الآخرون على أنه أقصى ما يمكن تقديمه ، حتى ولو أنا لست بحاجة له... فهذا ما لديهم
علمتنى.. أن كل ميسر لما خلق له، فلا تحقر من عمل بسيط لشخص يسعد به، ويرى أنه يقدم شيئا عظيماً
علمتنى.. أننى ربما أكون اليوم فى نعمة لا أفطن لها إلا بعد زوالها ..وقد يكون مؤرق اليوم هو ذكرى الغد
علمتنى.. أن النعمة قد ترتدى رداءً لا يظهر محاسنها ، والبصر لا يرى إلا الخارج ،أما الباطن فقد يحتاج للبصيرة
لا تنزعج من طفلك الذى يبكى
ولا تتأفف من مهموم يشكى
لا تتململ من جارك الذى يثرثر
ولا تتألم من أب ينهر وأم تزجر
لا تحزن من صديق عنك مشغول
أو تهمل عملا لم يلق لديك قبول
فكلهم "عصفور" يغرد على شرفتك...ستنزعج أكثر عندما يختفى أحدهم