الاستثمار واللصوصية

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

كان محمد طلعت حرب رائد الاستثمار الحقيقي في مصر‏,‏ وبأموال المصريين ومن خلال إسهاماتهم البسيطة استطاع أن يؤسس بنك مصر وأكبر صناعة غزل ونسيج في الشرق كله‏,‏ وبني كثيرا من الصناعات الأخري بما فيها صناعة السينما المصرية التي أهدرها آخرون‏!‏

مفهوم الاستثمار في عهد الفساد يعني البحث عن الأنشطة التي تحقق ربحا عاليا سريعا تفيد منه قلة لا تعرف الحلال أو الحرام, وذلك باستغلال أراضي الدولة وبنوكها وقوانينها للاستحواذ علي أكبر كمية من النقود وتحويلها إلي الخارج لتكون في أمان من المساءلة والحساب ودفع مستحقات الوطن.

قال أحدهم وسمعته بأذني في أحد البرامج التليفزيونية بإحدي قنواته إن أكبر مستثمر(؟) يملك مليونا! وفتحت لهم السلطة المستبدة الفاسدة خزائن البنوك ليستدينوا مئات الملايين, ومنحتهم الأراضي الشاسعة بتراب الفلوس ليستصلحوها, ولكنهم سقعوها وحولوها إلي أراض للبناء تباع بأسعار خيالية, وكل ما أنشأوه كان مشروعات هامشية وترفيهية واستهلاكية وتوكيلات سيارات لا تؤسس لاقتصاد حقيقي راسخ, ولا تستوعب عمالة حقيقية مثلما فعل محمد طلعت حرب في المحلة الكبري وكفر الدوار والبيضا!

الفزاعة التي يرفعها التقدميون المستنيرون من أصحاب نظرية الحتمية التاريخية; إذا حوسب لص من اللصوص الذين يسرقون البنوك والدولة والضرائب: إياكم والمستثمرين! الاستثمار سيهرب! الاستثمار سيتوقف!

نريد استثمارا حقيقيا يؤسس لاقتصاد قوي, ويغرس النواة الصلبة للزراعة والصناعة والتكنولوجيا في أرض مصر, ومن يفعل ذلك يمكن أن نشبهه بمحمد طلعت حرب, أما اللصوص الذين يتحركون وفق نظرية اخطف واجر أو الاستيلاء علي مصانع الدولة بثمن بخس وتحويلها للإنتاج الهامشي, فهؤلاء لا يمكن تشبيههم بالرجل العظيم, لأنهم يمارسون ما يسمي النصب والاحتيال.

إن المستثمرين الذين يتهربون من دفع سبعين مليارا مستحقة للضرائب لا يستحقون وصف مستثمرين, ورجال الأعمال الذين لا يسجلون40% من الاقتصاد القومي في الضرائب لا يستحقون وصف مستثمرين. نحن بحاجة إلي مستثمرين يعرفون الحلال والحرام ليكسبوا حلالا ويدفعوا ما عليهم من ضرائب, ويخدموا وطنهم خدمة حقيقية, ولا يحتاجون إلي أقلام غير متوضئة تدافع عنهم.