الملف الكامل للثروة النفطية والغازية في دير الزور 2
الملف الكامل للثروة النفطية والغازية في دير الزور
الجزء الثاني: مصافي النفط الجديدة
الطريق زلقة والمداخن مشتعلة، وسيل من الصهاريج والسيارات والجرارات تنقل النفط الخام من آباره المنتشرة، مرصعة صحراء دير الزور ببقع سوداء، هذا هو مشهد دير الزور في غليانها النفطي هذه الأيام
مسار للتقارير والدراسات - 31 آذار 2013
بعد سيطرة الجيش الحر على بعض حقول النفط في محافظة دير الزور وتحريرها من نظام الأسد، ظهرت أمام الثوار تحديات جمة للمحافظة على هذه الثروة الوطنية من الضياع والاستفادة منها بطريقة محكمة. ومع تعدد الجهات الثورية المقاتلة وغياب الإدارة المدنية الموحدة، تنوعت طرق الاستفادة من النفط باستخراجه وتكريره وتوزيعه. فظهرت الطرق البدائية لاستخراج النفط وتصفيته وتكريره بالقدر الذي يلبي الاحتياجات المتزايدة في ظل تفاقم أزمة الوقود في فصل الشتاء الذي يقترب من نهايته.
يقول ناشطون إن مجموعات بدأت ببيع النفط الخام في السوق المحلية، ونقله في صهاريج إلى بعض المحافظات السورية وإلى المناطق الحدودية المحاذية للأراضي التركية، فيما أسس آخرون شركات سورية تركية لتصدير النفط إلى الأراضي التركية، حيث يباع لشبكات تجارية نشأت بسبب ازدهار حركة نقل النفط يوميًا تقوم بدورها ببيعها في الأراضي التركية.
وعلى المستوى المحلي، يقوم الأهالي بضخ النفط من الآبار عن طريق محركات "ضخ المياه" العادية، حيث يضخ النفط الخام إلى حفرة مجاورة، ومن ثم ينقل النفط الخام إلى الصهاريج بدون اتخاذ الاحتياطات الصحية اللازمة، أو التزام أدنى مستويات السلامة. وذلك مرة أخرى لغياب الإدارة المدنية المحلية التي تنظم آليات الاستخراج والنقل عبر خبراء وشركات مختصة.
يذكر أن الآبار التي يتعامل معها الأهالي موجودة خارج نطاق الحقول النفطية المذكورة في تقريرنا السابق "حقول النفط والغاز"، وإن كانت تتبع لها. وتبعد غالبيتها عن الحقل مسافة تصل إلى 5 كيلومترات وربما أكثر.
التكرير البدائي
نقل أحد الأهالي الذين يقومون بعملية التكرير البدائي ويعتاشون عليها تفاصيل هذه العملية، يقول: "نملأ برميلين من مادة النفط الخام بمقدار الثلثين في كل منهما، ويتم إشعال نار هادئة تحتهما ووصلهما بخراطيم مطاطية تعبر حفرة مستطيلة مغمورة بالمياه لكيلا تنفجر هذه الخراطيم، ثم يخرج النفط إلى حفرة أعمق منها فيصب في أوعية مخصصة لهذا الغرض. وهكذا تتجمع تحت كل خرطوم مادة معينة كالبنزين والمازوت". ويقول هذا العامل إن الكمية الناتجة عن تكرير كل برميل هي "نصف برميل مازوت و 40 رطلا من البنزين ومقدار تنكتين من الشحم".
مخاطر التعامل المباشر مع النفط الخام
يكمن في تعامل الأهالي المباشر مع مادة النفط الخام وعلى النحو الذي ذكر خطر صحي يشرحه أحد مهندسي البترول الذين لازالوا يعملون في أحد تلك الحقول بما يلي: "من المهم جدا إدراك حقيقة أن الوقاية أمر ضروري في التعامل مع هذه المادة التي تحوي مواد إشعاعية ضارة جدا بالصحة، فنحن نطلب من عمال الحقل وموظفيه في كل مرة يمارسون عملا يباشرون فيه التعامل مع هذه المادة الخام أن يرتدوا لباسا عازلا وقفازين وخوذة ونظارات وكمامة، وهذا الحد الأدنى من الوقاية التي نسمح عند تحققها بالعمل في حقل من الحقول لمدة لا تتجاوز نصف ساعة على الأكثر، وهي المدة التي تعرف بأنها مقدار الجرعة البشرية. ثم يطلب من العامل أن يتناول الحليب والبيض، ولا يسمح له بالعمل أكثر من 3 مرات في الأسبوع الواحد في الحقل".
يبين مهندس البترول خطورة مادة النفط الخام بقوله: "يوجد ثلاث أنواع من الإشعاعات التي تصدر عن هذه المادة الخام: ألفا وبيتا وغاما. أما الفا وبيتا فيتكونان من جسيمات بالإمكان منع وصولها إلى الجسم في حال وجود عازل بلاستيكي، وهو الحد الأدنى من الوقاية الذي بينته قبل قليل. أما غاما فتحتاج إلى حاجز من الرصاص على الأقل للتأكد من عدم ملامسة هذه الإشعاعات للجسم والتي قد تؤدي إلى مرض السرطان".
لا يخفي أهالي دير الزور تذمرهم من تلويث الشوارع ببقع النفط التي تقطر عادة من الصهاريج التي تنقل النفط الخام إلى تل أبيض، الأمر الذي يؤدي إلى انزلاقات وحوادث أليمة تكررت حتى باتت تشكل هاجسا لدى أهالي دير الزور أثناء استخدامهم للطرق العامة.
يؤكد المهندس المختص أن من مضار عدم انضباط عملية استخراج وتجميع ونقل وتكرير النفط بالطرق العلمية الإضرار بالتربة وخفض نسبة خصوبتها، كما يؤدي إلى تلف الزرع والمحاصيل.
والأخطر من كل ذلك بحسب المهندس، استخدام هذه المادة الخام في التدفئة، إذ يؤدي ذلك إلى انفصال إشعاعات عن هذه المادة تضر بالصحة، ولا تنفصل هذه الإشعاعات عادة إلا مع شدة الحرارة. كما أن المدفأة المنزلية تصبح معرضة للانفجار عند استخدام النفط الخام، بسبب مادة الكوندستيت التي تنفجر في الوسط الحار.
مصافي النفط الاستثمارية
يقول ناشطون إلى أنه قد تم إنشاء مصافي نفطية في منطقة تل أبيض في محافظة الرقة على الحدود السورية التركية. حيث تم شراؤها من الأراضي التركية وإدخالها عبر معبر تل أبيض الحدودي. يضيف هؤلاء إن هناك ثمانية من هذه المصافي، تعود ملكيتها إلى سوريين يشاركهم فيها أتراك. حيث وجد بعض أصحاب رؤوس الأموال التركية في هذه المصافي استثمارا رابحا مع نمو حركة نقل النفط الخام من الحقول المحررة في المنطقة الشرقية باتجاه الحدود التركية، كما أن الإنتاج الحاصل من عمل هذه المصافي يتوجه في غالبيته إلى الأراضي التركية.
أما عن بداية هذا النوع من الاستثمار، يشير ناشطون إلى أن العملية بدأت قبل أربع شهور بحراقات يدوية، وتطور الأمر بعد ذلك بمشاركة أحد قيادات المجموعات الثورية المقاتلة في تل أبيض مستثمرا تركيا في شراء وتشغيل أول مصفاة نفط.
يقول أحد العاملين في هذا المجال إن إنتاج كل مصفاة من تلك المصافي الثمانية يبلغ ما معدله 1500 ليتر من المازوت يوميا، وتحتاج هذه الكمية من النفط المكرر إلى 150 برميلا من النفط الخام، ويباع ليتر المازوت بسعر 300 ليرة سورية على الأراضي التركية.
إننا إذ نؤكد براءة الأهالي في تعاملهم مع هذه الثروة، لحاجتهم الملحة إليها في معيشتهم وغياب الإدارة المدنية المحلية التي تشرف على سبل التعامل الصحيحة مع هذه المادة وتتولى توزيعها، فإننا ندعو المعارضة السورية ممثلة بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية والحكومة السورية المؤقتة ورئيس الوزراء المكلف غسان هيتو إلى أخذ هذه المسألة بعين الاعتبار، لأن صحة المواطنين وتوفير سبل الحياة الكريمة لهم هي أولوية أساسية للحكومة.