الشعب يريد تصحيح المسار !
الشعب يريد تصحيح المسار !
د. محمد أحمد الزعبي
بمناسبة مرور عامين على ثورة آذار المجيدة رأيت
أن أعيد نشر هذا المقال الذي كتب قبل أن يمضي
شهر واحد على انطلاق الثورة ، وذلك لتفنيد تشكيك
النظام ومرتزقته في سلمية الثورة عند بداياتها الأولى .
رن جرس الهاتف ، وإذ بالصديق فلان يطرح علي السؤال التالي : " باعتبارك من أبناء حوران ، وبما أنك كنت كذا وكذا أريد أسألك " ماذا يريد المتظاهرون في محافظة درعا ، وقد قدموا هذا العدد الضخم من الشهداء ؟ ". أجبت صديقي على سؤاله بشكل مقتضب ثم قلت له لتعلم ياصديقي : أولا إنه ليس كل مايعرف يقال ،وثانياً إنه ليس كل ما يمكن قوله يقال على الهاتف ، وثالثاً إنني بصدد كتابة مقالة حول هذا الموضوع يمكن أن تجيب على سؤلك ، وإن بصورة عامة ، وليس تفصيلية ولا دقيقة . إن هذه المقالة التي بين يدي
القارئ الكريم ، هي إذن محاولة الكاتب للإجابة على السؤال الكبير المطروح اليوم على كافة المهتمين بالشأن السوري ، ولا سيما فئة المثقفين منهم ، ألا وهو : لماذا انفجر التظاهرات والاحتجاجات في كل المدن والمحافظات السورية ، وفي مقدمتها محافظة الشهداء ، درعا ؟ وإلى أين تتجه الأمور في سورية ؟
تقتضي الإجابة العلمية والموضوعية على هذا السؤال ، التوقف قليلاً عند ثلاثة محطات سياسية رئيسية ذات صلة مباشرة بهذا الموضوع ألا وهي : 1) طبيعة وشرعية النظام السوري الحالي ،2) طبيعة المعارضة السورية لهذا النظام ، 3) وأخيرا طبيعة انتفاضة الحرية والكرامة الحالية ضد النظام و التي ابتدأت في منتصف الشهر الماضي ( آذار ) وماتزال متواصلة ومستمرة بأشكال ومضامين مختلفة حتى يومنا هذا (8/4/11 ) ، وما هو الحل الحقيقي للخروج من هذه الأزمة ، التي تجاوز عمرها نصف القرن والتي لم تبدا واقع الحال يوم 15 آذار 2011 ، وإنما بدأت بصور وأشكال مختلفة منذ الثامن من آذار عام 1963 ، وتحولت إلى ثورة شعبية عارمة ، تطالب بالحرية والكرامة ، بعد 18 آذار 2011 .
اما بالنسبة للمحطة الأولى ، فإن الكاتب لايظن أن أحداً في سورية ، وفي الوطن لعربي ، بل وفي العالم كله ، يجهل كوميديا تعديل الدستور السوري عام 2000 ، من أجل تراجيديا توريث السلطة في سورية من الأب ( حافظ ) إلى الابن ( بشار ) ، علما أن الأب قد قام عام 1973 بتفصيل هذا الدستورعلى مقاسه ، باستثناء المادة المتعلقة بعمر الرئيس ، حيث لم يكن يتصور أن من سيرثه هو بشار وليس باسل . إن الكاتب بتوقفه عند عملية التوريث في عائلة الاسد ، إنما يرغب أن يشير تحديداً إلى أن الدكتور بشار الأسد
ليس امتداداً بيولوجياً لوالده وحسب ،وإنما هو امتداد بيولوجي وسياسي له أيضاً ، أي أنه لم يرثه شكلاً فحسب ، وإنما ورثه شكلاً ومضموناً ، وبالتالي فإن تاريخ ميلاد النظام السوري الحالي ( سورية الأسد !! ) هو عملياًً ليس عام 2000 وإنما عام 1970
إن شرعية اي نظام سياسي إنما ترتبط نظرياً وعملياً بجملة من المؤشرات الموضوعية ابرزها :
ــ أن يكون هذا النظام منبثقاً من الإرادة الشعبية الحرة ،
ــ أن لايكون هذا النظام قد وصل إلى السلطة عن غير الطريق الديموقراطي وصندوق الاقتراع البعيد عن التزوير المباشر و/ أو غير المباشر ،
ــ ان لايكون قد وصل إلى السلطة عن طريق التوريث ، ذلك أن التوريث يعتبر النقيض النظري والعملي لمبدأ " وضع الرجل المناسب في المكان المناسب"، والذي هو الأساس الديموقراطي لأي نظام سياسي ،
ــ أن يمارس النظام سلطته بموجب دستور وطني تم وضعه وإقراره من قبل سلطة تشريعية منتخبة انتخابا ديموقرطيا حرا ونزيهاً وعلى أساس الفصل بين السلطات الثلاث ( التشريعية والتنفيذية والقضائية ) ،
ــ أن يحتوي الدستور نفسه على الضمانات والضوابط التي تحول دون خرقه ، أو التلاعب به ، وتعتبر مثل هذا الخرق أو التلاعب من أية جهة صدرعملا باطلا ،وينطبق عليه " كل مابني على باطل فهو باطل أيضاً
وبما أن الأب ( حافظ الأسد ) ، وكما هو معروف ، قد وصل إلى السلطة عن طريق القوة العسكرية ، وليس عن طريق صندوق الاقتراع . فإن هذا يعني أنه كان طيلة مدة حكمه التي امتدت من 1970 إلى حين وفاته عام 2000 رئيسا غير شرعي . وبما أن بشارالأسد قد وصل إلى السلطة كوريث لحاكم غير شرعي ، فهو إذن بالضرورة المنطقية والفعلية بدوره غير شرعي .
وليست ادعاءات كل من الأب والإبن ، الانتماء لحزب البعث ، و/أو لجوئهما إلى الانتخابات الشكلية والمزورة ، و/أو وضع دستور ( 1973 ) وإصدار قوانين تدور كلها حول تاييد وتأبيد أسرة الأسد ( حافظ الأسد إلى الأبد !! )، أو باللجوء إلى تعديل هذا الدستور كما حصل عام 2000 ، من أجل التغطية المضحكة ــ المبكية على عملية التوريث ، سوى الحيل والألاعيب التي لا ولم تنطل على أحد ، سواء في الداخل او في الخارج .
إن شعور النظام ، بل ومعرفته بأن مواقفه وممارساته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، الداخلية منها والخارجية ، القومية والقطرية ، باتت مكشوفة ومدانة ومرفوضة من الغالبية الساحقة من الشعب السوري ، بالرغم من كل أنواع الماكياجات وعمليات التجميل ، وأشكال التدليس والتمويه ،وأصبح النظام بالتالي معزولا عن الشعب ، لايسمع سوى صوته هو، نقول إن شعور النظام بكل هذا ألجأه حفاظا على بقا ئه واستمراره ، إلى :
ــ إعادة صياغة وهيكلة كل من الجيش وقوى الأمن والمخابرات بمختلف أشكالها وعناوينها ، وتضخيم أعدادها ، وزيادة مكاسبها المادية ، وجعل مهمتها الأساسية والرئيسية حماية النظام . أي أن النظام قد تحول عملياً إلى نظام أمني بامتياز .
ــ فتح باب حزب السلطة إلى كل من هب ودب ، ليصل عدد أعضائه وأنصاره إلى مئات الألوف ، وتحويله بدوره إلى جهاز أمني مهمته الأساسية حماية النظام، بل ومنحه رخصة دستورية ( المادة 8 من الدستور ) للقيام بهذا الدور!! .
ــ وضع كافة وسائل الإعلام والإعلان، المسموعة والمقروءة والمشاهدة ، تحت رقابة أجهزة الأمن ، وتحديد مهامها بالتسبيح بحمد الرئيس والترويج لآرائه وخطبه ومواقفه ، وبالتالي الدفاع عن النظام بالجملة والمفرق . إن وسائل الاعلام بهذا قد تحولت بدورها إلى جهاز أمني للنظام .
ــ تشجيع الفساد الإداري والمالي والكسب غير المشروع ، ولا سيما لكبار الضباط والمسؤولين ، ذلك أن من يدخل في نادي الفساد سيكون هوالأحرص على استمرارالنظام الذي أتاح له فرصة الدخول إلى هذا النادي، الأمر الذي معه يمكن القول بل الجزم بأن كل فاسد هو عنصر من عناصر أمن النظام سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة . ولايظن الكاتب انه بحاجة إلى أن يدخل في تفاصيل هذا الموضوع ، ذلك انها معروف للجميع .
إن مايريد الكاتب الإشارة إليه من ذكر كل هذه النقاط أعلاه ، والتي هي واقع الحال ، غيض من فيض ، هو أن الموقف الشعبي السلبي من نظام بشار السد ، وبالتالي إدانته ورفضه من أغلبية الشعب السوري إنما تسري ــ حسب رؤية الكاتب وقناعته الشخصية ــ على كل من الأب والإبن في آن واحد باعتبارهما وجهان لعملة واحدة ، الأمرالذي جعل من الحراك الشعبي في سورية ضد نظام الأسد ( وبعد مارآه الشعب في تونس ومصر) أمراً طبيعياً ، لأنه حصيلة تراكمات عمرها قرابة نصف قرن من الاضطهاد والمعاناة ، ولكن عصا النظام الغليظة واستقواءه بالقوى الخارجية على شعبه ، هو ماكان يحول دون مثل هذا الحراك. إن أربعين عاما من الديكتاتورية ، ومن تغييب الحرية والكرامة للشعب ، ومن إطلاق الشعارات الكاذبة والمضللة ، لكافية لأن يرفع الشعب العربي في درعا ، وفي كافة المدن السورية صوته عالياً أن " كفى "، وأن يكون شعار مسيراته ومظاهراته السلمية والحضارية الجامعة المانعة :" الشعب يريد الحرية والكرامة " .
أما بالنسبة للمحطة الثانية المتعلقة بالمعارضة الوطنية للنظام السوري الراهن ، فلابد من الإشارة بداية إلى أن هذه المعارضة تتكون من :
+ المعارضة الشعبية العامة ،المتمثلة ــ برأي الكاتب ـ بالأغلبية الكبيرة من الشعب السوري بمختلف مكوناته وأطيافه
+ المعارضة الشبابية التي باتت مرتبطة بالمظاهرات والاعتصامات السلمية الشبابية التي قادها في تونس ومصر مابات معروفاً بشباب الفيسبوك ، ونجاح هذه المظاهرات والاعتصامات السلمية في إقصاء رئيسي البلدين (زين العابدين بن علي ، ومحمد حسني مبارك )، وإنهاء الطابع الأمني للدولتين المذكورتين .
+ المعارضة الحزبية، المتمثلة بصورة أساسية بـ: الإخوان المسلمين، جناحي حزب البعث العربي الإشتراكي في كل من العراق (القيادة القومية / ميشيل عفلق) وسورية (حزب البعث الديمقراطي العربي/ حركة 23 شباط 66)، حزب الشعب الديموقراطي السوري ، التيار الناصري ولا سيما حزب الإتحاد الإشتراكي ، حزب العمل الشيوعي، شخصيات وطنية مستقلة بمن فيهم المجموعة المحسوبة على المرحوم الأستاذ صلاح الدين البيطار .
ولقد حالت، وما تزال، جملة من العوامل الذاتية والموضوعية دون توحد هذه المعارضة في جبهة وطنية موحدة، محددة الأهداف والرؤى على المستويين الاستراتيجي والتكتيكي ولو على برنامج الحد الأدني وبما يؤدي إلي استعادة سورية لدورها القومي والتاريخي المعروف. أبرز هذه العوامل ــ من وجهة نظرالكاتب ــ هي :
+ ظهور هذه القوى والأحزاب و التنظيمات علي مسرح المعارضة للنظام السوري الحالي بصورة متتالية ومتتابعة اعتبارا من عام 1963 ( ثورة 8 آذار ) وحتى الآن . ومن الناحية العملية، فإن كافة هذه المجموعات (باستثناء الإخوان المسلمين) قد شاركت في الحكم في مرحلة ما، من تاريخ سورية الحديث ، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ومارست بالتالي دور المعارضة لبعضها بعضا، بل إن هذه الممارسة قد وصلت عند البعض حد العنف الدموي في بعض الحالات والظروف، ناهيك عن الإنقلابات العسكرية.
+ لقد خلقت هذه الخلفية التاريخية السلبية حالة من عدم الثقة بين أطراف هذه المعارضة، بحيث أن كل طرف بات يتعامل بتحفظ مع كل طرف، بل ويخشي من أنه لو عاد إلي السلطة ثانية فلربما تعود حليمة لعادتها القديمة ، من حيث احتكار السلطة ومصاد رة الرأي الآخر، والعودة إلي شعار النخبة المعصومة والمسؤولة وحدها عن مصير ومستقبل الوطن والأمة ، ولاسيما إذا كانت مرجعيتها من النوع الذي يدعي لنفسه امتلاك الحقيقة المطلقة التي لايأتيها الباطل من أمامها ولا من خلفها ، وبالتالي فإن كل من ليس" معنا "هو عدو لهذه الحقيقة التي يزعم أنه وحده يمتلكها !!.
+ تعاني معظم فصائل المعارضة السورية مما يمكن أن نطلق عليه التوأمة ذلك أنها غالبا ماتمثل نصف التوأم الذي نصفه الآخر عضو في مايسمي الجبهة الوطنية التقدمية التابعة للنظام الذي تعارضه هذه الفصائل. هذا مع العلم أن الأبواب والتخوم مفتوحة بين الطرفين للعبور في كلا الإتجاهين، وهو أمر قد حصل ويحصل بالفعل.
+ التعارضات في المواقف والرأي حول عدد من القضايا الاستراتيجية الهامة بين هذه الفصائل. علما أن الموقف الحقيقي لبعض هذه الفصائل من بعض هذه القضايا يكتنفه الغموض والإزدواجية، ونخص بالذكر : الموقف من القضية الفلسطينية وبالذات من الحلول الدولية والعربية والفلسطينية المطروحة ، الموقف من النظام السوري الراهن ، الموقف من الناصرية ومن الرئيس جمال عبد الناصر ، وأخيرا الموقف من الممارسات السياسية والأيديولوجية لحزب البعث في كل من سورية والعراق ، وموقفه المتناقض مع شعاراته في الوحدة والحرية والاشتراكية .
+ التناقضات الأيديولوجية، الظاهرة والمضمرة، بين التيارات المختلفة في هذه المعارضة ، ولا سيما بين التيارين الإسلامي والعلماني، والتي ( التناقضات ) تتجاوز في منظور هذه التيارات (ولا سيما المتشددين فيها) مسألة الإختلاف المشروع في الرأي، إلي مسألة القضايا والمواقف المبد ئية التي تمثل بالنسبة لكل منهم خطّاً أحمر لايدخل في باب التسامح وحرية الرأي. وبطبيعة الحال فإن هذه التناقضات تتفاوت بين حزب وحزب وبين فئة وأخرى . وقد تجلت نقاط الإلتقاء والإفتراق بين هذه التيارات السياسية والأيديولوجية في الموقف من الانتفاضة الشعبية الحالية في سوريا ( انتفاضة 15آذار 2011 )، إذ بينما قام التيارالإسلامي بتشكيل لجنة باسم " المبادرة الوطنية لمساندة الإنتفاضة السورية " ودعا الجميع للمساهمة فيها ، قام الطرف العلماني بتشكيل لجنة أخرى موازية باسم " لجنة دعم الانتفاضة السورية " ودعا بدوره مجموعة من العلمانيين المهتمين للمساهمة فيها ، وقامت أيضاً مجموعة من بعثيي حركة 23 شباط ، بتشكيل لجنة خاصة بهم أطلقوا عليها اسم " لجنة تفعيل التيار القومي في سوريا" . وتبين للكاتب بعد اطلاعه على البيانات التي صدرت عن هذه اللجان،أنها تتقاطع كلها عند مطلب رئيسي واحد ،هو" الديموقراطية "
لقد استمع الكاتب صباح ( 6.4.11 ) إلى وجهتي نظر جديرتين بالإصغاء والاحترام ، حول الأزمة الراهنة في سوريا ، الأولى لمفكرعلماني معارض، والثانية لمفكر إسلامي محسوب على النظام . أما الأول فقد ارتأى أن يكون الحراك السوري الحالي ، والذي هو حراك شبابي بصورة أساسية هادئاً وبطيئا لكي يتم في إطاره إفراز قيادات شبابية جديدة ، يمكنها أن تحل محل القيادات المجتمعية والحزبية القديمة . وبالنسبة للمفكرالإسلامي ، فقد أكد على أهمية وضرورة التغييروالإصلاح في سورية ، ولكنه نصح مستمعيه بأن يكون هذا التغييروالاصلاح عن طريق الحوار بين الثوار والنظام ، وليس عن طريق الهيجان الثوري (!)، مثل الذي شهدته وتشهده المدن السورية اليوم .
وإذا كان الكاتب يتفهم جيدا وجهة نظر المعارض السوري العلماني ، بل ويقبلها بتحفظ ، فإنه يرغب أن يقول للمفكرالآخرالذي طرح الحوار مع النظام كبديل عن الإنتفاضة الشعبية ، أن الحوار، عادة مايكون بين طرفين متكافئين في القوة ومختلفين في الرأي ، وعلى منهج الإمام الشافعي في الحوار، والذي يقول : " رأيي صواب يحتمل الخطأ ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب " وليس بين رأيين أحدهما مسلح بالدبابات والطائرات ، والآخرأعزل إلاّ من حنجرته التي تصيح " سلمية ، سلمية " .
إن إلقاء المسلح لسلاحه ، لابد أن يكون هو الخطوة الضرورية المسبقة لبدء أي حوار وطني عادل ومثمر بين رأيين متعارضين ، كيما تصبح الحجة الدامغة والمنطقية هي الفيصل ، وليس الدبابة والكلاشنكوف .
يذكر حنين بن اسحق ، فيما ذكره عبد الحمن بدوي في كتابه " أفلاطون في الإسلام " ، أنه كان على خاتم أفلاطون أن " تحريك الساكن أسهل من تسكين المتحرك " ( دار الأندلس، 1980 ، ط 2 ، ص 293 ) . وإيمانا منا بهذه المقولة الأفلاطونية ، نتمنى على كافة أطراف المعارضة السورية أن تتوحد ، وأن تعمل يدا بيد ، ، وبالطرق السلمية المشروعة ، على تحريك هذا الوضع الساكن في سورية ، وإعادة الشعب السوري العظيم ، الذي صادرويصادر النظام الشمولي حقه في الحرية والكرامة منذ نصف قرن ، إلى ساحة العمل والتأثير الوطني والقومي ، وبالتالي إعادة الإعتبارالحقيقي للمواطن باعتباره وحده القادر على " تحريك الساكن " اي على عملية التغير والتطوروالتقدم السياسي والإجتماعي والاقتصادي والثقافي .
نعم لقد حان وقت إعادة الاعتبار للوطن والمواطن ،" ياسيد الوطن !! " هذا إذا كنا جميعا كما نسمع في إذاعات وفضائيات النظام " كلنا شركاء في الوطن " حقّاً وليس قولاً فحسب.
وبوصولنا إلى المحطة الثالثة والأخيرة أي طبيعة انتفاضة الحرية والكرامة ( انتفاضة 15 آذار 2011 ) : فسوف يكتفي الكاتب هنا بذكر بعض الشواهد التي اقتطعها من بيانات وكتابات متعددة صدرت في سورية حول هذا الموضوع ، مع الإشارة إلى مصدرها :
ــ وسنبدأ ببيان " لجنة تفعيل التيار القومي في سورية " والموقع من قبل 20 شخصية وطنية سورية معروفة ( موقع النداء 11.4.7) .ونقتبس منه مايلي :
" إن مايجري في الوطن العربي ومنه القطر العربي السوري هو نتيجة تطور تاريخي ووعي جيل جديد لما تراكم خلال عدة عقود من ظواهر سلبية وممارسات خاطئة أفرزتها بنية الدولة التي شيدها الدستور المعمول به ، وديمومة العمل بقانون الطوارئ وتأسيسه لما عرف بالدولة الأمنية ، وإننا أمام هذا الحراك لايجوز التمسك في الماضي وصيغه التي لاتتوافق مع حقائق العصر ، وأثبتت الوقائع قصورها وعقمها ، لابل مسؤوليتها عما يتعرض له بلدنا . .."
ــ ومن البيان الصادر عن " لجنة المبادرة الوطنية لمساندة الانتفاضة السورية " بتاريخ25 آذار 2011 ، والموقعة من قبل الأستاذ صدرالدين البيانوني نقتبس :
" إن صوت الحرية الهادر في شوارع المدن والبلدات والقرى السورية ، هو صوت وطني خالص ،وسلمي محض ،وعلى هذا فإننا نحمل الرئيس ( بشار الأسد ) شخصياً مسؤولية كل قطرة دم سالت أو تسيل برصاص أجهزة الأمن والقوات المسلحة التي ترتكب جرائمها باسمه ،.... احرصوا على وحدة صفكم ، وتمسكوا بوحدتكم الوطنية ، ارفضوا كل دعوات التمزيق الطائفية والسياسية .. أنتم الآن تعيدون بناء الوطن ، فأكدوا على القواسم المشتركة في الحرية والعدل والكرامة الإنسانية ..."
ــ ومن بيان صادر عن 6 منظمات وطنية مدافعة عن حقوق الإنسان في سورية وموجه إلى الحكومة السورية ، في إطار إدانتها لوقوع ضحايا يوم الجمعة في 1/4/2011 ( أنظرموقع النداء ، تاريخ 7/4/2011 ) نقتبس المطالب الثمان التالية من بين 13 مطلباً تضمنها البيان المذكور :
" رفع حالة الطوارئ والأحكام العرفية ، إغلاق ملف الاعتقال السياسي ، وإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي والضمير ، إلغاء المحاكم الاستثنائية وإلغاء جميع الأحكام الصادرة عنها ، إلغاء كافة أشكال التمييز بحق المواطنين الأكراد ، إصدار قانون للأحزاب ، وتوقيف العمل بالمادة الثامنة من الدستور السوري ، اتخاذ التدابير اللازمة لضمان ممارسة حق التجمع السلمي ممارسة فعلية . "
ــ ومن مقال للدكتور هيثم مناع داعية حقوق الإنسان المعروف ، منشور في جريدة القدس العربي اللندنية بتاريخ 7.4.11 نقتبس الفقرات التالية :
" وفي غمرة أحداث متسارعة ، نستعرض فيها قائمة غير حصرية بأكثر من مائة شهيد من المحاظة ( درعا ) وحدها وعشرات المفقودين والمعتقلين في الأيام الأخيرة . ورغم كل الأوجاع والضغوط والملاحقات مازال الشبيبة يمسكون البوصلة من أجل تغيير ديموقراطي سلمي وحضاري .
لقد رحلت مع دماء الشهداء حقبة كاملة ، وسورية الغد لن تكون على شاكلة سورية العقود الأربعة الأخيرة .. سورية الجديدة لاتحمل لاروح الانتقام ، ولا أمراض وعقابل التسلط ، بل تفتح صدرها لكل شريف ومخلص لهذا الوطن ، ليكون شريكاً في صنع حاضره ومستقبله، وليس مجرد مهرج أو مروج لآخر وأسوأ أشكال عبادة الشخصية وديكتاتورية الحزب والأمن . "
ــ ونختتم هذه الشواهد ، بمقتطف من مقالة قديمة لنا بعنوان" الرأي العام ومسرحية الإستفتاءات الصورية" ، ( موقع الحوار المتمدن ، تاريخ 11 / 06 / 2007 ) وهو مايمثل تصوراً استباقياً لما حدث ويحدث هذه الأيام على الساحة العربية . تقول المقالة:
" لقد شهد العالم العربي في القرن الماضي تحولات دراماتيكية عميقة ، أبرزها : تجزئة الوطن العربي ( سايكس ـ بيكو )، نكبة فلسطين 1948 ، نكسة 1967 ،قرارا مجلس الأمن 242 و338 ، زيارة السادات للقدس ، اتفاقية أوسلو ، احتلال امريكا وبريطانيا للعراق 2003 ، وأخيراً وليس آخراً ماسمي المبادرة السعودية التي أقرها مؤتمر القمة العربية في بيروت عام 2002 تحت اسم " المبادرة العربية للسلام " !! ( والتي ماتزال تنتقل من قمة إلى قمة حتى يومنا هذا !! ) ، الأمر الذي أدى إلى اختلال في توازن القوى بين الرأي العام ( المعارض ) والأنظمة العربية ( الحاكمة )، ووضع الطرفين في حالة ترقب وترصد انتظاراً لما يمكن أن ياتي به الغد ، تصحيحاً لما وقع من الأخطاء القاتلة بالأمس ، ... وإن غداً لناظره قريب. "
ويبدو أن الجيل العربي الجديد في تونس ومصر قد وصل إلى هذا الغد المأمول ، وأن ليبيا واليمن وسوريا هي على أبواب هذا الغد ، وأن بقية أقطار الوطن العربي من المحيط إلى الخليج هي أيضا في طريقها نحو هذا الغد ، حيث بتنا نسمع في كافة المدن والقرى والبلدات العربية ودونما خوف هتاف " حرية ، حرية " ، " الشعب يريد تغيير النظام " . نعم لقد تجاوزت الجماهير العربية حاجز الخوف ، وهدمت جدار برلين سايكس ـ بيكو ، في طريقها إلى الحرية والكرامة والوحدة .
التحية للشعب السوري البطل ، التحية لمحافظة درعا ( حوران ) التي سيكون لها شرف إسقاط ديكتاتورية عائلة الأسد ، كما سبق لها أن أسقطت ديكتاتورية أديب الشيشكلي ، الرحمة لشهداء 18 آذار 2011 الأبرار ، والعزاء لأهلهم وذويهم ، والشفاء لجرحى الثورة السورية العظيمة ، والحرية للمعتقلين .
إنني في هذا اليوم ( 18 آذار 2013 ) أؤكد أن ماكان ممكناً وصالحاً يوم 8 نيسان 2011 ، لم يعد ممكنا ولاصالحاً ، لا للتبني ولا للتعامل معه اليوم ، ولاسيما بعد سقوط أكثر من مائة ألف شهيد وملايين الجرحى والمفقودين والمعاقين والمهجرين في الداخل وفي الخارج . إن العنوان الحقيقي لهذه المقالة لو كنت ساكتبها هذا اليوم هو " الشعب يريد إسقاط النظام " ، ولا حوار مع من تلطخت يداه بدم الأطفال الأبرياء .