مِحْبرَةُ الأحزانِ السُّوريَّة
د. محمد خالد الفجر
غَمَسْتُ بِمحْبَرة الحزنِ السُّوريَّة ريشةَ قَلمي فامتصّتْ صُورَ أطفالٍ حُطِّمَتْ قُيودُ حُرْمَتِهم، وأمهاتٍ مزَّقَتْ صرخاتُهنَّ أُفُقَ أحزانِ الزَّمان ماضيًا وحاضرًا وربما مستقبلاً، وآباءٍ بِدُموعِهم تغرَقُ سُفُنُ أحزانِ أجيالٍ وأجيال.
أَتُراهُ كابوسًا تملَّك قلوبَنا..؟ آه ما أجملَهُ لو كان كابوسًا لكن آهٍ وألف آهٍ إنَّه صوتُ واقعِنا السُّوري الذي عَجِزَ الخيال عن تخيُّلِه، وغابتْ قصصُ الأساطير بعيدًا عن ساحتِهِ آهٍ يا حُزنَنا في سوريا كيف نُصَوِّركَ وما هي الكلماتُ التي تحملُك.
ياحُزنَنا عَجِزْنا عن دَفْعِكَ فخيَّمْتَ في كلِّ بيتٍ وفي كلِّ زاويةٍ وفي كلِّ حنايا أضلاعنا تُمزِّق بقسوتِك آمالَنا وتحرِمُنا من تذكُّر أحلامنا... فيالَك من حزنٍ طالَ مكوثُه في أرضِنا أما آنَ رحيلُك...
ألهذهِ الدَّرجةِ أَغْرَتْكَ دموعُنا بالبقاء؟ ألهذا الحدِّ عشِقْتَنَا فلا تَملُّ صراخَنا ولا آهاتِنا رغم كثرةِ العُذّال لك؟... آهٍ نكرِّرُها ....لو كان طلاقُك بيدِنا لكانت البينونةُ الكبرى عُنوانَ فِراقِنا
قرأَنَا عنْكَ في صفحاتِ تاريخِنا وتحدَّثْنا عن صَولاتِك وجَولاتك في جِراحِ أُمَّتنا لكنَّنا ما تذوَّقْناكَ ونحن نتلو سيَرَكَ التي طالَ جُثومُها في هذه البلاد... ربما كانت تلك السِّيرُ سحاباتٍ مُنذِرَةً بهطول سهامِك في سوريانا ... لكنّنا كُنا نقول لا يمكن أنْ تجرؤ على الوصول إلينا فنحن مرهفُو الحِسِّ رقيقو القلوب أَلِفْنا الابتسامةَ وصنعْنا كوميديا أضحَكَتِ العالمَ كلَّه فكيف يمكنك أنْ تخترقَ هذه الجُدُرَ وتستولي على قلوبِنا وتحتلُّ ربوعَنا...
آهٍ ربما لهذا كلُّه تسلّحْتَ بهذه القوةِ العظيمةِ لتتجاوزَ سيرتُك عندنا كلَّ سِيَرِكَ الأُولى وكلَّ جولاتك القديمةَ نعم عندنا استطَعْتَ أنْ تجعلَ علاقتَنا بك مغايرةً لعلاقاتِكَ بالأمم التي سلفَتْنا
نعم تجرّعْناك صباحَ مساء... نعم نُعلِنُ أنَّكَ غلَبْتَ أفراحَنا وأَطْفَأتَ سُرُجَ السَّعاداتِ فينا... نعم يا حزننا السوري أبكيتَنا دمًا... نعم يا حزنَنا السُّوري صِرْتَ أُنْسَنا في جلسَاتِنا... نعم وجوهُنا التي قدْ تُرسَم عليها ابتسامةٌ ترسُمُ أنتَ على عيونِها إطارًا يذكِّر بوجودِك كجلمودٍ عَجِزتِ الدُّموع عن إزالته فصارتِ العين تتكلَّمُ عنك إن حاولَ الفمُّ كتمانَك.... لكنَّ أملَنا بدموعِنا التي هي ماءٌ صحيحٌ أنَّه مالحٌ، لكنَّه من الماء الذي يحتُّ الصَّخر فعلَّ دموعَنا تفتِّتُكَ قريبًا... لعلَّها.