هل البراءة "هبل" أم ذكاء عاطفي؟؟

رلى الكيلاني قاسم

هل البراءة "هبل" أم ذكاء عاطفي؟؟

رلى الكيلاني قاسم

[email protected]

يقول الكاتب الإنجليزي الشهير "تشارلز ديكنز": القلب الذي يعرف الحب، يمثل أصدق أنواع الحكمة"           (1812 – 1870)

فهل يصيب القلب البريء الذي يحب بعفوية من الحكمة الإنسانية أعلى درجاتها حقا، في عالم نتسابق فيه –وللأسف- وراء إرضاء الأنا وترك ما وراءها لطوفان التفردية الجارف؟؟ هذا العالم الذي لم تسلم عيون الطفولة البريئة من غباره، ولم يسلم القلب البسيط من استغلاله ومن اتهامه بالغباء والضعف!

وهل البراءة ضعف وغباء حقاً أم هي من المثاليات التي نحلم بها ونفتقد الإحساس بوجودها؟

ترتبط البراءة بقدرة ذكائية عالية المستوى، ألا وهي التعاطف. والتعاطف يلخص القدرة على فهم طريقة تفكير ومشاعر وأفعال الآخرين وتحسس رغباتهم، من خلال استشعار الحالة الذهنية للشخص الآخر. وقد يستغرب البعض وجود علاقة بين هذه الخصلة الإنسانية والتي تعبر عن المشاعر والأحاسيس وبين القدرات العقلية التي تعبر عن ذكاء الإنسان. فقد أثبت الباحثون وعلماء النفس منذ انكب اهتمامهم في السبعينيات من القرن المنصرم على دراسة المشاعر الإنسانية، أن القدرات العاطفية لها مساحة مهمة جدا في التفاعلات الدماغية مع المؤثرات النفسية والخارجية. فالطفل يتعلم كيف يبتسم بفطرته التي خلق عليها، وهي استشعار حالة الفرح التي يراها في عيون أبويه، ولكن هذه الفطرة قد تضمر مثلها مثل أي عضلة تتوقف عن العمل، إن فشلنا نحن الأهل في تنشيطها وتحفيزها. فقد يتمتع المولود الصغير بحكمة وقدرة ذكائية، ونحرم منها نحن الكبار، ونحاول بممارساتنا الأنانية حرمانه منها.

وهنا تأتي ثقافة المجتمعات لتضيف بعدا أخر لمعنى البراءة، والتي ترادف "الهبل" في كثير من عبارات السخرية المتداولة، والتي حازت على قبول المجتمع المتحضر. فهل البراءة فعلا "هبل"؟ !!

فالبراءة صارت الشماعة التي تعلَق عليها قلة الخبرة، وضعف الحكم على الأمور والشخصيات، أو التعرض لعملية استغلال مادي أو عاطفي! الحقيقة أن البراءة بريئة من هذه التهم. ولكي نعيد للبراءة معانيها الجميلة التي تستحق، يجب علينا أن نعمل على تسليح أنفسنا وأولادنا بالمهارات اللازمة لنصبح واثقين من قدرتنا وقدرتهم على التفكير الصائب والفعل المناسب. ولكن ذلك لن يكون إن لم نطور قبل ذلك من قدرتنا كأهل على تفهم الطريقة التي يشعر بها أبناؤنا ويفكرون ويتصرفون بناء عليها. والتفهم يكون بالتواصل الذي يجب أن يكون عاطفيا قبل أن يكون شفويا أو جسديا !

واجبنا اليوم أن نبحث عن البراءة في قلوبنا. ومن الجرم أن ندينها ونقتلها فهي لا تضعفنا، بل تقوينا على التحديات غير البريئة التي نتعرض لها من الصاحب والعدو في هذا الزمن. فلنوقظ البراءة في قلوبنا المتعطشة للفرحة الطفولية، لأن القلب تعب من الإدانة ومل من البرود، وجرح من الاستغلال، ومرض من العنف. ولنبتعد عن ممارساتنا الشخصية التي تنتهك حقوق براءة النفس، فنستمع للذات ونتعاطف ونتصالح معها، ولنفرح بفرحة الآخرين ونشعر معهم، حتى نستعيد قدرتنا على الشعور بمعاني الحياة الجميلة!

ففي البراءة شقاوة، وفي البراءة صدق، وفي البراءة إحساس جميل، وثقة واحترام وحب غير مشروط! والسؤال الآن: هل نحن أذكياء كفاية لإدراك معنى هذه القدرة؟

ألقاكم بحب وسلام