من الذي يحمل أفكارا خاصة غريبة ويستبيح الدمار
من الذي يحمل أفكارا خاصة غريبة
ويستبيح الدماء ويمزق النسيج الاجتماعي ؟!
د. طارق باكير
مع أنني من المتابعين للوضع على ساحة الوطن الذي أثخنته الجراح .. الوطن المنكوب بحكم العصابات الأسدية ، المارقة الغارقة بدماء الشعب السوري ، والمتواطأ على تدميره من جانب المجتمع الدولي الظالم ، فإنني لم أستوعب ما قاله رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض الأستاذ أحمد معاذ الخطيب ، في مؤتمر روما لأصدقاء الشعب السوري ، أمام ممثلين لمعظم دول العالم ، وعلى مسمع العالم ، عند حديثه عن المقاتلين في الداخل ، وعدم نفيه وجود بعض الناس الذين يحملون أفكارا خاصة ، غريبة عن مجتمعنا ، وعن رفض هذه الأمور – بكل صراحة – مضيفا : نحن ضد كل فكر تكفيري يريد أن يفرض آراءه بالقوة ، ويستبيح الدماء ، ويدمر النسيج الاجتماعي لسورية ..
والذي لفت انتباهي ، أن إحدى المحطات الخبيثة الماكرة المتحالفة مع حكم العصابة الأسدية ، قد افتتحت نشرتها الإخبارية ، وحديثها عن المؤتمر بهذا التصريح ، وهذه العبارة فقط !
وبداية أقول : ما كان أغنى رئيس الائتلاف عن هذا التصريح الغريب العجيب البعيد المبهم ، الذي سيفسره أعداء الشعب السوري ، وشبيحة العصابات الأسدية ، والمتواطئون معهم ، بما يخدم كذبهم وادعاهم وتلفيقهم وتواطؤهم ، بأن بين المقاتلين في سورية من هم من المتطرفين والمتشددين .. الذين يريدون أن يفرضوا آراءهم بالقوة ، ويستبيحوا الدماء ، ويدمروا النسيج الاجتماعي لسورية ..
أقول ما كان أغناه عن هذا التصريح ، حتى لو كان ما قاله فيه شيء من صحة ، ومن ردة فعل نفر لا يذكر ، أمام هذا العدو الأسدي الغاشم ، الذي يدمر ويقتل ويشرد ويعتقل .. ما وسعه ذلك ، وينفذ تهديده بإحراق الوطن وتدميره وتشريد شعبه ، مستعينا بكل أباليس الأرض ومجرميها .. فكيف إذا كان ليس بحقيقة ، وأنه ظلم شعبه وثورته أي ظلم بهذا التصريح ؟
فلم نعلم ماذا أراد بعبارة ( يحملون أفكارا خاصة غريبة عن مجتمعنا .. ) ، هل المقصود أن هذه الأفكار تخصهم هم وحدهم ؟ وأنه غير راض عنها ؟ وإذا كان الأمر كذلك ، فلماذا يريد أن يحاسب الناس على أفكارهم ؟ ألسنا ننادي بحرية الفكر ؟ وما هي الأفكار الغريبة عن مجتمعنا ؟ هلاّ وضح هذه الأفكار ، حتى لا يفسر كل على هواه ؟ ومن الذي يحمل الأفكار الغريبة عن مجتمعنا المتسامح المتعايش منذ آلاف السنين ، غير الذي زرع بذرة الطائفية ، ويريد أن يحرق سورية ويدمرها ، من أجل أن يبقي شجرة الطائفية الخبيثة اللعينة عامرة حيّة ؟
إننا لم نسمع أن أحدا من المقاتلين في سورية ، استهدف تجمعا بشريا استهدافا طائفيا ، ولاحيا مدنيا ، ولا قرية ، ولا مدينة .. ولم نسمع أن أحدا قتل شخصا بدعوى طائفية أو تكفيرية ، وأن الذي يفعل هذا الفعل أمام أنظار العالم كله ، هو الحكم الأسدي ، وليس المقاتلون ، من أي فصيل كان ، كما لم نسمع أن أحدا من المقاتلين استباح الدماء ، فالذين يستبيحون الدماء ، ويقتلون حتى الأطفال على الاسم والهوية ، ويرتكبون المجازر الجماعية ، ويسوقون الناس إلى المعتقلات ، ويمثلون بهم وهم أحياء ، قبل أن يقتلوهم ، ويرموا بأجسادهم في الحقول ومجاري المياه ، هم عصابات الأسد وشبيحته من الطائفيين والساقطين .. وهم الذين عملوا تمزيقا بالنسيج الاجتماعي ، من يوم استلموا الحكم ، وما يزالون ، وهم الذين أنشئوا المليشيات الطائفية ، بشكل علني ، ويمجدون هذه الميلشيات صباح مساء ، عبر الشاشات ووسائل الإعلام ، وأشركوا فيها حتى النساء .. ولم نسمع بمثل هذا لدى الثوار المقاتلين ، الذين يقاتلون من يقاتلهم من العصابات الأسدية ، حتى لو كانوا إخوانهم ، وأبناء عشيرتهم ، ويؤمّنون ويرعون من يخرج عن هذا الحكم المجرم الباغي ، كائنا من كان ، من أي ملة أو طائفة .. حتى لو شاء أن يتجنب ، ولا ينضم إليهم ، ويقاتل معهم .. وكل التصريحات التي نسمعها من المقاتلين ، وكل الأخبار والوقائع التي تنقلها وسائل الإعلام المتنوعة تؤكد ذلك ، فمن أين لرئيس الائتلاف أن يعلن ، و يقر و يؤكد ؟
إنه لمن المؤسف أن يردد شخص بمكانة رئيس أكبر تجمع معارض ، هذا الكلام المجحف الظالم بحق ثورته وشعبه أمام العالم ، دون وعي بمضمونه وأبعاده ، وكان بإمكانه أن يعبر عن الواقع ، بدل أن يذهب في الظنون والأوهام ، بأن الذي يرهب الشعب ، هو من شرده من دياره ، وأن من يقتل الشعب ، هو من يدمره ويبيده بالطائرات الحربية والصواريخ البالستية ، وليس المقاتلون الذين يدافعون عن شعبهم وأرضهم وعرضهم .. ومع أنه أفصح عن هذا الواقع ، وبين ووضح ، وقال ما ينبغي أن يقال .. فهل يجوز لنا أن نظلم أنفسنا ، ونخدش طهارة ثورتنا ، ونبل مقاتليها ووعيهم وحرصهم ، وتضحياتهم العزيزة الغالية ، التي أعادت الأمل بالنصر والظفر القريب بعون الله تعالى إلى نفوسنا ؟
إنه أمر لابد من التوقف عنده ، والتنبيه عليه ، حتى لا يتكرر مرة أخرى ، وإنني لأسأل : هل يعقل أن يتكلم ، رئيس الائتلاف ، الذي يمثل أكبر تجمع سوري معارض معترف به ، في مأساة سورية الفظيعة ، التي تشغل العالم ، وفي موقف يستمع فيه إليه العالم ، دون أن يكون هناك أتفاق مع المستشارين والتنفيذيين ، على الكلام الذي سيقال ؟ إن كان هذا يحصل ، فعلى الدنيا السلام !