دور الشعر والأدب الجهادي في المعارك
د. توفيق الواعي
الجهاد في الإسلام فريضة على كل مسلم ومسلمة، والجهاد إما بالسنان (أي المعارك) وإما باللسان، أي بالدفاع عن الدين، والتحريض للجيوش، والتثبيت للمجاهدين في سبيل الله، خاصة إذا اعتدي على المسلمين وحرماتهم لأن الإسلام لا يرضى لأهله وأتباعه المذلة والهوان، ولذا أمر المسلمون بإعداد أسباب القوة والمنعة، ولذا أمر المسلمون بإعداد أسباب القوة والمنعة والجهاد في سبيل الله فقال تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) (الأنفال 60) وجاءت آيات الجهاد في القرآن قاطعة وحاضة كل مسلم على الجهاد ومبشرة له بالنصر المبين أو الشهادة والفوز العظيم، فأثر المسلمون لهذا العزة والكرامة والنصر، على الهوان والقعود، أو الموت والشهادة، والفوز بالنعيم المقيم، وكان للشعر والأدب بعد كتاب الله وسنة رسوله دور في المعركة مع الكفر والكافرين يثبت ويحرض ويحفز الهمم.
فهذا النابغة الجعدي يخرج غازياً في سبيل الله فتحاول زوجته أن تثنيه عن عزمه وتغريه بالبقاء إلى جانبها فليس لها غيره، ولكنها تفشل في ذلك ونراه يقول لها وكله عزم وإصرار:
باتت تذكرني بالله يا بنت عمي كتاب الله أخرجني فإن رجعت فرب الناس يرجعني ما كنت أعرج أو أعمى فيعذرني | قاعدةوالدمع ينهل من شأنيهما كرهاً وهل أمنعن الله ما فعلا وإن لحقت بربي فأبتغي بدلاً أو ضارعاً من ضنى لم يستطع حولا | سبلا
وكان معركة "أحد" ونال المشركون من المؤمنين لعصيان الرماة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ورحل المشركون عن ميدان المعركة ولكنهم ندموا على ترك المسلمين بغير أن يستأصلوا شأفتهم فعزم المشركون على الرجوع، فعز على معبد بن أبي معبد الخزاعي ما أصاب المسلمين فخوف أبا سفيان من المسلمين بشعر يمدح فيه المسلمين ويخوف به المشركين فقال:
كادت تهد من الأصوات تردى بأسد كرام لا تنابلة فظلت عدواً أظن الأرض مائلة فقلت ويل ابن حرب من لقائكم | راحلتيإذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل عند اللقاء ولا ميل تعازيل لما سمو برئيس غير مخذول إذا تغطمطت البطحاء بالجيل |
فارتعد أبو سفيان ومن معه، وولوا راجعين وكفى الله المؤمنين القتال.
واستمر الشعر يصف المعارك ويصف حال المسلمين في الضعف والقوة ويحضهم على طلب العزة والكرامة ففي فترة الحروب الصليبية دعا الشعراء إلى طلب المجد وعاب على الخاملين البقاء تحت الذل والاحتلال، فقال ابن منير الطرابلسي في إحدى قصائده:
وإذا الكريم رأى الخمول كالبدر لما أن تضاءل جد في سفهاً لحكمك إن رضيت بمشرب فارق، ترك كالسيف سل فبان في لا تحسبن ذهاب نفسك ميتة | نزيلهفي منزل فالحزم أن يترجلا طلب الكمال فحازه متنقلا رنقٍ، وزرق الله قد ملأ الملا متنبه ما أخفى القراب وأخملا ما الموت إلا أن تعيش مذللا |
ثم يهيج الشعر ويناشد المسلمين الدفاع عن دينهم وحماهم، ويوقظ الأمة التي نامت حتى غزيت واحتلت ديارها من الصليبيين.
فحاموا عن دينكم والحريم وسدوا الثغور بطعن النحور فقد أينعت أرؤس المشركين فلا بد من حدهم أن يقل | محاماة من لا يرى الموت فقدا فمن حق ثغريكم أن يسدا فلا تغفلوها قطافاً وحصدا ولا بد من ركنهم أن يهدا |
وقد أثرت هذه الأفعال الشنيعة على الشعر حين دخل الصليبيون البلاد وخربوها وذبحوا وشردوا فانطلق الشعر حزيناً يوجع قلوب المسلمين ويستصرخهم فقال:
هذه بلدة قضى الله يا صاح عليها كما ترى بالخراب
فقف العيس وقفة، وابك من كان بها من شيوخها والشباب
واعتبر إن دخلت يوماً إليها فهي كانت منازل الأحباب
ويوم دخل الصليبيون بيت المقدس واستباحوا أهله، هلع الشعر وولول وصرخ وسمع نحيبه في كل مكان، وتفطرت الأكباد وزادت اللوعة وعظمت الكوارث والدواهي، فنسمع ما تنفطر له القلوب:
أحل الكفر بالإسلام فحق ضائع وحمى مباح وكم من مسلم أمسى سليباً وكم من مسجد جعلوه ديراً أتسبي المسلمات بكل ثغر أما لله والإسلام حق فقل لذوي البصائر حيث كانوا | ضيماًيطول عليه للدين النحيب وسيف قاطع ودم حبيب ومسلمةً لها عرض سليب على محرابه نصب الصليب وعيش المسلمين إذا يطيب؟! يدافع عنه شبان وشيب؟! أجيبوا الله ويحكم أجيبوا |
ويكثر الشعر وتهتز الضمائر وترتفع العزائم ويبرز القادة المسلمون من أمثال نور الدين وصلاح الدين ويصاحب الشعر المعركة، وتنطلق الأسود من عرائنها وتشتد السواعد ويرى الكفر صدق الإيمان، ويتحول الشعر إلى سلاح رهيب يعلي الأبطال ويذكر الأمجاد، وكان العماد الأصفهاني من جملة الشعراء الذين تحدثوا عن هذه المعارك فقال:
رأيت صلاح الدين أفضل من وقيل لنا في الأرض سبعة أبحر سجيته الحسنى وشيمته الرضا جنودك أملاك السماء وظنهم كسرتهم إذ صاح عزمك فيهم بطون ذئاب الأرض صارت قبورهم نزعت لباس الكفر عن قدس أرضها | غداوأشرف من أضحى وأكرم من أمسى ولسنا نرى إلا أنامله الخمسا وبطشته الكبرى وعزمته القعسى أعاديك جناً في المعارك أو إنسا ونكستهم من بعد أعلامهم نكسا ولم ترض أرض أن تكون لهم رمسا وألبستها الدين الذي كشف اللبسا |
وبعد، فقد عادت الكرة، ولكن أين شعراء المجد وأين القوافي؟ وقد صارت لنا قنوات فضائية وإذاعات، وأين صلاح الدين؟ وقد كثرت شعوبنا وتسلحت أممنا، غاب كل هذا ولم يبق لنا إلا خليع أو متقاعس، أو هادم للدين أو محارب له، ولكني أظن أن الأيام تحمل في جعبتها الكثير الكثير، فأمتنا بخير، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.