وجع الأمكنة
يسري الغول
ما أن تجلس أمام شاشات التلفاز أو المواقع التواصل الاجتماعي حتى تصطدم بمناظر الدم والموت والدمار الذي أصاب الجسد السوري وأحاله إلى ركام. فالحليم صار حيراناً فيما أطلق على ربيع الثورات العربية، حتى المتفائل صار محبطاً وجعل الواحد يتمنى أن تنتهي تلك الحالة من التناحر إلى الأبد، مستذكراً الحرب الأهلية اللبنانية وحرب الخليج الأولى والثانية والانقسام الفلسطيني، والانقلاب في مصر، وتقول بينك وبينك: أما آن لهذا المخاض أن ينتهي؟
الكثير من الأعمال الأدبية حملت هم المواطن العربي إبان الحروب الأهلية والانقسامات السياسية وعصور التغيير. ففي إبان الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 كانت الأعمال الأدبية تزيد من جروحنا وآلامنا، لأنها كانت تدمي مخيلتنا وتودي بإنسانيتنا إلى رحاب الموت من مشاهد التعذيب والموت التي أجادها تصويرها كثيرون من الروائيين والقصاصين. وأذكر كيف أصبت بحالة حزن بعد قراءتي لرواية الشياح لإسماعيل فهد اسماعيل التي أهداها فيما أذكر للمسلخ. كما كتب إلياس خوري "الجبل الصغير"، وكتب صنع الله إبراهيم "بيروت بيروت" وكتبت غادة السمان "كوابيس بيروت" فأحالت كل الحياة كوابيس لا تنتهي وصارت الحرب الأهلية اللبنانية صورة الموت المجاني المبعثر في كل ردهة من تلك البلاد، كما كانت تلك الكتب وصمة عار - كما هي اليوم- في جبين الأنظمة التي استأسدت على شعوبها وقاتلت بشراسة مستخدمة جل قوتها لإنهاء من يطالبون بالإصلاح والتغيير دون أن تقدر على ضرب صاروخ واحد تجاه العدو الحقيقي، الجاثم على أرضها في الجولان.
الواقع العربي المرير لا يتوقف عند سورية، بل ينحدر باتجاه العراق ومصر وليبيا واليمن وفلسطين والكثير من بقاع هذه الأرض المتناثرة، حتى تصير لغتنا متفجرة وعنيفة، ورواياتنا وقصصنا وقصائدنا مجنونة تطرح أفكاراً لا يمكن أن تطر على ذي بال. ولعل المتابع للمشهد الثقافي والجوائز العربية والعالمية التي صارت تتحدث بإسهاب عن أعمال مميزة لجيل شاب تلقى الضربات الموجعة جراء القمع الرسمي العربي يدرك سبب التجديد في القصة والرواية، فرواية فرانكشتين في بغداد التي حازت جائزة البوكر العام الماضي، وروايات جديدة مثل طبول الحب لمها الحسن تصف الظلم الواقع على المنطقة العربية بيد أبنائها، بل يستمر طوفان الأدب في وسم المرحلة كي تكون تاريخاً للاحقين، فقد كتب حديثاً العديد من الروائيين الشباب سيرة الظلم في روايات مثل: أجندة سيد الأهل لأحمد صبري أبو الفتوح، وكان الرئيس صديقي لعدنان فرزات، وعدو الشمس لمحمد الريحاني، وثورة العرايا لمحمود أحمد علي، ومدينة لن تموت ليوسف رفاعي وانقلاب لمصطفى عبيد، والكثير الكثير من الروايات التي تتحدث عن الأزمات والثورات في ليبيا ومصر وسورية وكأن هذه الأمة تربط مصيرها بالدم.
كم يتمنى القارئ العربي أن يقرأ اليوم شيئاً غير ملوث بالدم، لأن الحياة صارت مجرد صندوق مغلق يعج بالموت لكل ما هو حي يرزق.