حسن البنا وقضية فلسطين
ثامر سباعنة
سجن مجدو - فلسطين
في مساء يوم السبت 12 من فبراير 1949م عندما كان الإمام حسن البَنَّا يغادر جمعية الشبان المسلمين بشارع رمسيس بالقاهرة اغتالته يد الغدر والخيانة، ولكنها لم تستطع أن تغتال أفكاره أو تنال من دعوته التي انتشرت لتملأ ربوع الأرض بنورها، وتهدي قلوب الحائرين بهديها، وتضيء ظلام النفوس بأفكارها وضيائها. اغتالوه وهم يظنون انهم باغتياله وتغيبه عن الارض ستموت افكاره ومنهجه ، لكن الفكرة الصافيه والمنهج الحق لايموت لانه استمد بقاءه من الدين الاسلامي الحي والباقي الى قيام الساعه .رحل الامام الشهيد حسن البنا عن الدنيا ولكن سيرته بقيت في نفوس الملايين من المسلمين الذين خطوا طريقه وتبعوه يحملون نفس الرايه معلنين بأعلى اصواتهم : في سبيل الله قمنا نبتغي رفع اللواء فليعود للدين مجده ولترق منا الدماء
لقد أولى البَنّا اهتمامًا خاصًّا بقضية فلسطين، واعتبرها قضية العالم الإسلامي بأسره، وكان يؤكِّد دومًا على أن الإنجليز واليهود لن يفهموا إلا لغة واحدة، هي لغة الثورة والقوة والدم، وأدرك حقيقة التحالف الغربي الصهيوني ضد الأمة الإسلامية، ودعا إلى رفض قرار تقسيم فلسطين الذي صدر عن الأمم المتحدة سنة 1947م، ووجه نداءً إلى المسلمين كافة -وإلى الإخوان خاصة- لأداء فريضة الجهاد على أرض فلسطين حتى يمكن الاحتفاظ بها عربية مسلمة، وقال: "إن الإخوان المسلمين سيبذلون أرواحهم وأموالهم في سبيل بقاء كل شبر من فلسطين إسلاميًّا عربيًّا حتى يرث الله الأرض ومن عليه ا"
الباحث الفلسطيني ماهر عابد يقول : جاء ميلاد جماعة الإخوان المسلمين في العام 1928 بداية لمرحلة جديدة من حياة الأمة, واكبر رد عملي على سقوط الخلافة, وأكثر محاولة جادة للتقدم بالأمة إلى واقع النور من جديد...وقد أيقن الإمام الشهيد حسن البنا أن الأهداف الكبرى التي أعلنتها الجماعة تحتاج إلى الوقت, فمسيرة التخلف الذي اجتاح الأمة لقرون بحاجة إلى عمل دءوب والى تغير الأجيال وتطورها نحو قبول الفكرة أولا ثم التدرج في التطبيق, ومن هنا فقد أدرك البنا أن الصعوبات التي ستعترض مسيرة الجماعة ستكون كبيرة, وان ثمنا باهظا من الشهداء والمعتقلين ستدفعه الجماعة في طريقها نحو تحقيق غاياتها الكبرى.
امتاز الإمام الشهيد في نظرته للإسلام بتصور أعمق ممن سبقه من المصلحين, فقد جمع ما بين السلفية والتجديد, مركزا على ضرورة التمسك بالمنابع الأصيلة للإسلام مع معايشة العصر, بعيدا عن الجمود وتحجر الفكر, كما راعى أن تكون الجماعة متوازنة في نظرتها بين الثوابت والمتغيرات, تحقيقا لمقاصد الدين وغاياته الكبرى.
كما امتاز الإمام بفهم شمولي للإسلام , بحيث يضم جميع مناحي الحياة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وروحية, ولا نغفل هنا إلى أن الفكر الوسطي الجامع الذي رسخه الشهيد جعل الجماعة محط آمال وعقول وأفئدة المسلمين لاستئناف الحياة الإسلامية.
اما الكاتب عوني كميل فيضيف : الإمام الشهيد حسن البنا رضي الله عنه وأرضاه، من الأفذاذ الذين له أثر كبير في الدنيا على قصر أعمارهم حيث نقل حياة الأمة نقلة عظيمة وكان له الأثر الكبير، وانتقل الى الدار الآخرة ان شاء الله راضيا مرضيا وهو في السنين الأولى من الأربعين .
من الموسف أن الأمة العربية خلّدت ذكرى كثير من العابثين واللاعيين ومن لم يكن لهم في حياتهم إلا تلك المنزلقات التي كان فيها البوار والشنار على الأمة، وتركوا مثل هذا الرجل الذي جاد زرعه بأطيب الثمرات من شباب أنار الإسلام قلوبهم ، وملأ الإيمان جنبات الحياة لديهم بالنّور والإشراق .
لقد كان الإمام البنا وجماعة الإخوان في طليعة القوى التي وعت خطورة القضية الفلسطينية، وجاهدت في سبيلها منذ الثورة الفلسطينية سنة 1936م؛ فرفعوا شعارات الجهاد لإنقاذ فلسطين من المخطط الصليبي الصهيوني.. كما كانوا في طليعة الذين أعدوا العدة للجهاد المسلح، وخاضوا معاركه علي أرض فلسطين سنة 1948م .. قبل وبعد دخول الجيوش العربية إلي أرض فلسطين.
ويضيف عوني كميل : سنة 1948 صدر قرار عسكري يقضي بحل جماعة الاخوان خاصةً بعد تجربتها الجهادية في فلسطين .. وكان عدد أعضائها يومئذٍ نصف مليون عضو.. معهم من الأعضاء المؤازرين أضعاف هذا العدد.. ولها من " الشعب " المنتشرة في مصر ما يزيد علي 2000 شعبة .
فصعدت روح هذا الرجل الملهم المبارك إلي بارئها، بعد أن بذر البذرة التي أنبتت الشجرة الطيبة، التي امتدت أغصانها وأوراقها وثمراتها إلي كل أنحاء الكوكب الذي نعيش فيه.. والتي بارك الله فيها، كما لم يبارك في بذرة من البذور الكثيرة التي بذرت في ذلك التاريخ، فرحل عن الدنيا راضيا مرضيا بعد أن ارتقى صهوة سنام الإسلام لأجل فلسطين، فسلام عليه يوم يبعث اللون لون الدم والريح ريح المسك، سلامُ عليك يا إمام ... سلامٌ عليك في الخالدين.
من أقوال الإمام عن فلسطين :
" إن فلسطين هي قلب الشرق النابض، وموطن مقدسات مسلميه ومسيحييه علي السواء.
وإن الشعب الفلسطيني هو من سلالة الصحابة الفاتحين.. وإن ثري فلسطين قد رُوي بدماء عشرات الآلاف من صحابة نبينا محمد صلي الله عليه وسلم.
وإن قضية فلسطين هي قضية العالم الإسلامي بأسره، وهي ميزان كرامته، ومقياس هيبته وقوته.
وإن اليهود في فلسطين خطر داهم علي سياسة الشرق العامة، ومطامعهم في الوطن القومي غير محصورة؛ فهم لا يقتصرون علي فلسطين، ولكنهم سيتحيفون الأرض من كل جانب، وهم خطر علي وحدة العرب في الشرق؛ لأنهم لا يعيشون إلا في جو التفريق، وهم خطر داهم علي الشرق، فهم قوم خُلُقُهم المال، باعوا من قبل آيات الله بثمن قليل، ولا يزالون يبيعون الأخلاق بثمن بخس.
وإن الصهيونية ليست حركة سياسية قاصرة علي الوطن القومي لليهود أو الدولة المزعومة بالتقسيم الموهوم، ولكنها ثمرة تدابير وجهود اليهودية العالمية، التي تهدف إلي تسخير العلم كله لحكم اليهود، ومصلحة اليهود، وزعامة مسيح صهيون، وليست دولتهم التي يعبرون عنها بجملتهم المأثورة: " ملك سليمان إسرائيل من الفرات إلي النيل " في عرفهم إلا نقطة ارتكاز تنقض منها اليهودية العالمية علي الأمة العربية، دولة فدولة، وعلي المجموعة الإسلامية، أمة بعد أمة.
أما أمم العرب في أوروبا وأمريكا، فقد تكفل الذهب اليهودي، والإغراء الصهيوني بتوجيه زعمائها حيث يريد.
وإن الانجليز واليهود لن يفهموا إلا لغةً واحدةً: هي لغة الثورة، والقوة والدم.. "