دولة التقدم العلمي والقانون والديمقراطية!
كامل المحمود
يقول عباس البياتي وهو نائب عن التحالف الوطني العراقي الذي يحكم العراق عمليا في موضوع ( تسخير ما توصل اليه العلم والتكنولوجيا لخدمة العراقيين وإزدهارهم ونموهم وإتساع مدى تأثير حضارتهم الجديدة التي توشحت اليوم بأرقى العلوم المتقدمة والمعارف والإختراعات والتنمية في وقتنا الحاضر ليتعانق شموخها اليوم مع ماضيها العريق الذي يمتد الى عصور ما قبل التأريخ ..وفي إشارة الى كيفية توظيف هذه الحلقات المتقدمة من العلوم والتكنولوجيا التي وصلها العراقيون بفضل الدولة الجديدة بعد عام 2003 بعد حملة عسكرية أمريكية وعالمية دمرت الأخضر واليابس في بلاد الحضارات.. حيث إزدهر العراق وتنامت قدراته ونهضته العلمية والإقتصادية وتعافى من جراحاته الدامية ..فالعراقي اليوم يقف ندا بل يتفوق على شعوب ومواطني دول العالم المتحضرة والمتقدمة) ليقول:
( إننا وبفضل التقدم العلمي سنستنسخ المالكي إذا مات لكي نرشحه لولاية ثالثة )!.
وهكذا إختزلت نُخب ومُفكري سلطة التحالف الوطني التي تحكم مقدرات العراق وتتحكم بقوانينه وثرواته كل التقدم العلمي المطلوب للعراق لكي ينهض ويعود على الأقل لما كان عليه قبل 2003 بعد تعرضه لتدمير وتخريب من قبل قوات الإحتلال الأمريكي والإيراني..
إختزل هذا القيادي كل مهمات وضرورات توظيف العلم والتقدم التكنولوجي والثروة العراقية الهائلة ودعم الولايات المتحدة الغير محدود لنقوم بإستنساخ المالكي ليبقى يحكم العراق مرات ومرات في وقت لم يفكر أحد من قادة العالم المتقدم ومَن إخترع الإستنساخ ويتحكم بالفضاء والبحار واليابسة ويراقب حركة الطيور والغيوم والمسلحين المعادين له وهم ينتقلون من شارع الى آخر بأن يقوم بإستنساخ قائد تأريخي أو مفكر عبقري أو حاكم فذ أو صاحب دالة على الإنسانية لنقوم نحن في العراق ومن بين ملايين الأطنان من القمامة المتراكمة في الشوارع.. ومن بين ملايين الأرامل والأيتام الذين ينامون بلا سقف وخبز وماء وكهرباء وبلا معونة من الدولة.. ومن بين المصانع المعطّلة والمزارع القاحلة والتعليم المتهالك والبطالة المخيفة..من بين المفخخات والكواتم والأحزمة الناسفة..من بين المال العام المنهوب والمجاري الطافحة وغرق المدن وتفكيك النسيج الإجتماعي وزرع الطائفية والمناطقية والعنصرية والتخلف وإنتشار الأمية وتردي الخدمات الصحية المخيف وإنتشار الأوبئة والجريمة والمخدرات وإغتيال العلماء ومحاربة الكفاءة والتميز والإبتكار..
نقول من بين كل هذا الوضع المأساوي وفي دولة تحتل المرتبة الأولى في الفساد والتخلف والجريمة وسوء الخدمات في العالم نقوم بإستنساخ ( عدد من المالكي ليتناوبوا على إستلام السلطة لقرون قادمة تكريسا لهذا الواقع)!.
وفي خِضَم هذه المداخلات يظهر شخص يدعى البطاط ليحدد بوضوح كيف أن ( للعراق حكومة تطبق القانون بشكل تغار منه أكثر دول العالم تقدما وحضارة وبعد (معاناة لعقود من عدم إحترام القانون !) ليعلن صراحة أمام العالم بانه: ( أمر حزبه بإعتقال 2500 مسؤول بالدولة في حالة عدم إطلاق سراح أخيه الذي إعتقلته قوات الشرطة ولذلك إستجابت الدولة وأطلقت سراحه)!..ثم يعلن عن (تشكيل ميليشيا لقتل البعثيين والوهابيين ) وإنه يتبع خامنئي بإعتباره ( وكيل الإمام المنتظر في الأرض) وإن (طاعة خامنئي واجبة ولوطلب مني ان أقتل نفسي لفعلت)..ثم يقول بأن هدفه هو التوجه بجيشه لتحرير ( الحرمين الشريفين من الكفار والوهابيين).. وإن له الحق (في قتل الآلاف من البعثيين بل إبادة هذا الحزب بالكامل))!..
وفي دولة القانون لم يتم إعتقال هذا الشخص بتهمة الإرهاب الذي نص صراحة في بنوده على شموله بها ..هذا القانون الذي تصر الحكومة على (عدم التفكير في إلغاءه في وقت يحارب العالم كله الإرهاب كما يقولون)!..لم يتم توجيه التهمة له في حين تُعتقل النساء لسنوات ويتم إغتصابهم بالسجون لأنهن (زغردن عندما ألقي القبض على أزواجهن وإخوانهن وأبناءهن)!.
ويظهر سعد المطلبي القيادي في دولة القانون في إحدى القنوات الفضائية ليقول: ( أن البطاط لم يفعل شيئا يحاسب عليه القانون بل أعلن وهدد كلاما فقط ونحن نؤيد قيام كل مواطن بالإقتصاص من البعثيين)!..
ثم يفاجأ العراقيون بعد أيام من ذلك بإستعراض عسكري كبير امام مرأى ومسمع قيادات العمليات والداخلية والقيادة العامة للقوات المسلحة والدفاع لميليشيا طائفية ثالثة تقول انها الجناح العسكري لحزب الله..وأيضا بلا ردة فعل قانونية رادعة في ظرف أقل مايمكن ان تفعله الدولة هو نزع فتيل الأزمات لا إفتعالها أو السكوت عن الجهات التي تفتعلها.
ثم وفي ظل هكذا فهم.. كيف نؤسس ونثقف وندعو لدولة المواطنة والقانون والحقوق والعدالة وأحزاب السلطة التي تَدّعي تطبيق الشريعة والفقه الإسلامي وبنود وعدالة وسنة الإسلام وسيرة الصحابة وآل البيت الأطهار تتصرف بهذه الطريقة؟.. وأين هؤلاء الحكام من خلق وطريقة حكم وعدالة وتعامل وعقل وحكمة ومخافة الله لأولائك الأجداد العظام؟ ومالذي تعلموه منهم ليعلموا الناس معانيه ودروسه؟
دولتنا هي إذا وكما يقولون هم لا نحن وعلى ألسنتهم هي دولة (متقدمة وصلت بتكنولوجياتها الى القدرة على أن تطبق صيغة متقدمة أيضا من مفاهيم الديمقراطية في الحكم بأن !) تقوم بعملية تستنسخ فيها نوري المالكي لأجيال قادمة بدون أن نستغل هذا العلم وبثرواتنا الهائلة لنمو وإزدهار وتطور شعبنا..ونحن دولة (قانون صارم بلا طائفية وبلا إنتقائية في تطبيق العدالة !) فيها يستطيع أي مُقرب من السلطة ويتناغم في طروحاته وتهديداته وإستفزازاته مع منهجها أن يشكل ويُسَلح ويقود ويأمر ميليشيا متمردة على القانون ولا تهتم به ومرتبطة بدولة خارجية لتقتل من تشاء بحكم الإشتباه والدافع الذاتي بلا دفاع أو إثبات.
ويأتي علي الأديب ليضيف للطين بلة في دولة ( الديمقراطية التي نشأت على أنقاض العراق المهدم والمدمر بصواريخ وقنابل ودبابات وقذائف طائرات الإحتلال الأمريكي التي إحتلت العراق لتخليصه من القهر والإضطهاد الذي كان يعيشه الشعب!..دولة تحترم إرادات شعبها ومطاليبهم وحقوقهم بعد سنوات طويلة من ديكتاتورية لا تسمع شعبها!..) ليقول:
(سيكون مصير هذه المظاهرات هو الزوال مثلما حدث مع مظاهرات ساحة التحرير..وإن هذه المظاهرات ما كانت تستمر لولا الدعم المادي الخارجي!).
هي إذا دولة وكما يقولون هم لا نحن وعلى ألسنتهم ومرة أخرى هي دولة (متقدمة علميا وفنيا وتكنولوجيا الى الدرجة التي أصبحت قادرة على تفسير صيغة متقدمة أيضا من مفاهيم الديمقراطية في الحكم بأن !) تقوم بإستنساخ رئيس وزرائها نوري المالكي لأجيال قادمة..ونحن في العراق لدينا اليوم دولة (تلتزم بقانون صارم وقضاء عادل بلا تمييز طائفي وبلا إنتقائية في تطبيق العدالة التي لاتستثني أحدا مهما كانت ديانته وعرقه وفكره وتأريخه!) ولكن فيها يستطيع أي مُقرب من السلطة وربما يأتمر بأمرها ويتناغم في طروحاته وتهديداته وإستفزازاته مع منهجها أن يقوم بأي فعل يعاقب عليه القانون بدون أن يمسه هذا القانون!..
ثم نحن دولة (الديمقراطية التي يحسدنا عليها الآخرون!..فيها نتظاهر وننتقد ونخلع الظالم وننصب الحاكم العادل بإرادة الشعب..دولة يثق فيها الحاكم بإنتماء شعبه لأرضه ويسمع مطالبتنا بحقوقنا فيها الحاكم بكل أبوية وحنان وإن تجاوزنا في أن نحلم بتغيير القوانين المجحفة والقاهرة لنا ..يسمعنا ويصدقنا الحاكم بلا تفريق بين طائفة وأخرى وبلا تعصب لقومية او دين !)..
لم نختلق من أنفسنا هذه المعايير للحاكم ولسلطة الشعب المُنتخبة الغائبة على أرض العراق..
ولم نسمع لا في تأريخ اُمتنا وشعبنا ولا في تأريخ شعوب العالم ان ينتصر الحاكم الذي يصف هدير شعبه الغاضب بالفقاعة الزائلة التي تستمد هوائها من زفير المناهج الخارجية في بلد ركب فيه الأمريكان البحار وخالفوا قوانين السماء والأرض ليذبحوا خيرة شبابهم في العراق من أجل الوصول الى دولة متخلفة ومسلوبة الإرادة ومنهوبة بالكامل وينشغل مفكريها وقادتها بمنافعهم الشخصية وبإستنساخ أشخاصها والإستخفاف بشعبها وتشكيل جيوش خائفة من خيالها تمزق القانون وتحمل راية الباطل وتقاتل الحق على الهوية.