قراءة للمشهد العسكري في سوريا
ما وراء رغبة واشنطن في إطالة أمد الصراع:
قراءة للمشهد العسكري في سوريا
د. بشير زين العابدين
باحث سوري
شهدت الساحة السورية تطورات متسارعة في غضون الأسابيع الستة الماضية؛ وذلك عندما وصلت كتائب الجيش الحر إلى مشارف "السفيرة"، ودارت معارك طاحنة على بعد كيلو مترين فقط من المنشأة العسكرية الأكثر حساسية في البلاد في 21 ديسمبر 2012.
وجاءت هذه المعركة إثر تهاوي فرق النظام، وسقوط قواعده التي ارتكز عليها لتأمين طرق الإمداد، وسيطرة كتائب المعارضة على عدد من القواعد الجوية في المحافظات الشمالية والجنوبية-الغربية، ومن ثم احتدام معارك المطارات، واستهداف القصر الجمهوري بالقصف المدفعي.
وبموازاة حالة التأهب التي أعلنتها القوات المسلحة في جميع الدول المجاورة لسوريا استعداداً للتعامل مع أي صراع كيميائي أو بيولوجي؛ نشرت مراكز البحث الغربية الكبرى مجموعة من الدراسات التي تحذر من ميل الكفة لصالح الجيش الحر الذي غنم في حملته الأخيرة أسلحة إستراتيجية تتضمن: صواريخ بالستية، ومضادات طائرات، ومروحيات قتالية، وعربات مدرعة، ودبابات، ومدفعية متطورة، وكادت كتائبه أن تضع يدها على مخازن أسلحة الدمار الشامل، وحذر الباحثون الغربيون من أن مخاطر حيازة المعارضة لهذه الأسلحة هي أكبر من مخاطر وجودها بيد القوات النظامية.
وسرعان ما استجدت سلسلة تطورات أسهمت في تعزيز موقف النظام وأعاقت تقدم الجيش الحر، ويمكن تحليل أبرز التطورات العسكرية وأبعادها فيما يلي:
* تبادل الأدوار: انسحاب الأسطول الأمريكي ودخول البحرية الروسية
بعد تكديس غير مسبوق لسفنها القتالية المصاحبة لحاملة الطائرات (USS Eisenhower)؛ أصدرت القيادة العسكرية الأمريكية في 21 ديسمبر 2012 تعليمات مفاجئة بسحب كامل قطع أسطولها من منطقة شرقي البحر الأبيض المتوسط، مما أثار مشاعر السخط لدى القوى الإقليمية، إذ نقل عن ضابط تركي رفيع قوله: "إن الانسحاب الأمريكي من المنقطة غير مفهوم وغير مبرر"، كما عبرت تل أبيب عن انزعاجها من الانسحاب الأمريكي المفاجئ، وبادرت إلى تأمين حدودها الشمالية مع سوريا والممتدة نحو 57 كم.
أما في واشنطن، فقد عقد وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا مؤتمراً صحفياً أشار فيه إلى أن عملية احتواء أي حرب كيميائية أو بيولوجية في سوريا لا تقتصر على أمريكا فحسب؛ بل تقع ضمن مسؤوليات المجتمع الدولي، مؤكداً عدم وجود أي خطط أمريكية لشن عمليات برية في الأراضي السورية وفق تعليمات الرئيس أوباما بإبعاد الجيش الأمريكي عن العمليات القتالية في المنطقة.
وللتأكيد على تنفيذ التعليمات الواردة من البيت الأبيض؛ سلم قائد سلاح البحرية الأمريكي الأدميرال "جوناثان جرينيرت" تقريراً إلى الرئيس الأمريكي بتاريخ 25 يناير 2013، يؤكد فيه تقليص الطلعات الجوية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط إلى النصف، لكن مصادر مطلعة تؤكد أن المعلومات المعلن عنها ليست دقيقة؛ إذ إن نسبة تقليص الطلعات الجوية في حقيقة الأمر تتجاوز 70 بالمائة.
وبعيداً عن أي تحليل ينطلق من نظرية المؤامرة التي تفترض وجود ترتيبات مسبقة بين أطراف التنافس الدولي؛ أشارت مصادر أمنية إقليمية إلى أنه من غير الممكن أن تسحب القوات الأمريكية نحو عشرة آلاف مقاتل على متن 17 سفينة حربية، دون الأخذ في الاعتبار تقدم أسطول روسي يتضمن نحو 20 قطعة حربية من أسطول البحر الأسود وعلى متنها عدد كبير من القوات الخاصة الروسية، وذلك في اليوم التالي من إعلان واشنطن سحب قواتها (أي في 22 ديسمبر)، خاصة وأن الأسطول الروسي قد أعلن فور وصوله عن إجراء مناورات بحرية غير مسبوقة شرقي البحر الأبيض المتوسط في 26 ديسمبر، ولم يكن من قبيل المصادفة أن تجري هذه المناورات بالتزامن مناورات البحرية الإيرانية في الخليج العربي ابتداء من 28 ديسمبر.
وفي حين تعزو بعض المصادر تلك "المصادفات" إلى رغبة واشنطن بتوريط موسكو في الصراع الداخلي الدائر في سوريا؛ يذهب محللون إلى إمكانية وجود تنسيق أمريكي-روسي لمنع انسياب الأزمة السورية وتسببها بحرب إقليمية أو دولية، خاصة وأن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد أعلن فور رسو الأسطول الروسي في ميناء طرطوس (23 ديسبر) أن الأسلحة البيولوجية والكيمائية السورية أصبحت في مأمن، وذلك في ظل نشر معلومات استخباراتية دقيقة حول كيفية تدخل القوات الخاصة الروسية لتأمين مخازن الأسلحة ومن ثم نقلها إلى مواقع آمنة.
ويأتي هذا الإجراء الروسي للتأكيد لكل من واشنطن وتل أبيب أن روسيا هي الدولة الوحيدة التي تستطيع السيطرة على الأوضاع الداخلية في سوريا وكبح جماح النظام من جهة، والتيارات الإسلامية التي يخشى الغرب من تنامي نفوذها من جهة أخرى.
* الهجوم المضاد: الخطة الروسية-الإيرانية لتعزيز موقف النظام
آذنت الأيام الأخيرة من شهر ديسمبر الماضي بانهيار الخطة العسكرية التي وضعها جيش النظام لاستعادة السيطرة على البلاد من خلال استخدام سلاح الجو في قصف مواقع المعارضة المسلحة، حيث سقط مطار تفتناز، وبدأت تنهار القواعد الجوية بالقرب من مطار دمشق الدولي أمام ضربات كتائب المعارضة التي قصفت القصر الجمهوري بدقة ملفتة للانتباه.
وفي هذه الفترة الحرجة بدأت تتعالى أصوات رسمية في بعض الدول المجاورة للتحذير من مخاطرة السقوط المفاجئ لنظام بشار، وذلك في حملة تشويه وسمت كتائب المعارضة بالتشدد، وشبهتها بنظام طالبان، وحذرت من اشتعال الصراع الطائفي في المنطقة بأسرها.
ويبدو أن موسكو كانت الأسبق في استيعاب مخاوف بعض القوى الإقليمية والتجاوب معها؛ حيث تؤكد المصادر أن الرئيس بوتين قد أشرف بصورة شخصية على خطة عسكرية تعيد توازن النظام، وتقوم هذه الخطة على أربعة محاور تتضمن:
تعزيز قدرات الدفاع الجوي بصواريخ بالستية لاستهداف قواعد الجيش الحر بعد فشل كل من: سلاح الإشارة وسلاح الجو في تحقيق ذلك.
استبعاد المجندين الذين يبلغ قوامهم نحو 70 بالمائة من الجيش عن العمليات القتالية نظراً لصغر سنهم وقلة خبرتهم وعدم ضمان ولائهم، وتجنب إقحامهم في مناطق المواجهات تفادياً لحالات الانهيار الجماعي للقواعد التي يستهدفها الجيش الحر.
إعادة تأهيل قوات النخبة وإمداداها بالمعدات والذخيرة والسلاح النوعي، وتشكيل فرق إسناد من عناصر الشبيحة بزي مدني وتكليفهم بمهام داخل المناطق الخاضعة للمعارضة.
التركيز على العاصمة دمشق والقطاع الجنوبي-الغربي الذي يتضمن حمص وحوران في المرحلة الأولى، واستنزاف قوات المعارضة في الشمال بالقصف الصاروخي تمهيداً لاقتحامها في المرحلة الثانية، ومن ثم إعادة السيطرة على المعابر الحدودية في مرحلة ثالثة.
وقد عمدت موسكو إلى إجلاء رعاياها من المناطق التي يمكن أن يكونوا فيها عرضة للخطر قبل بدئ المواجهات، كما هرعت طهران لتأمين الإفراج عن أسراها لدى الجيش الحر وذلك ضمن وساطة تركية تضمنت إفراج النظام عن 2130 معتقل سوري مقابل 48 إيرانياً يعتقد أنهم من الحرس الثوري في 9 يناير 2013.
وفي هذه الأثناء كانت موسكو تمد النظام بكميات كبيرة من الأسلحة النوعية التي تهدف إلى تغيير المعادلة العسكرية:
- ففي مطلع شهر ديسمبر قام الروس بتسليم النظام 24 قطعة من صواريخ (Iskandar 9K720) التي قامت بشحنها سفينته الإمداد الروسية (Novocherkasskand Saratov)، حيث تم إنزال 12 منصة تحمل كل منها صاروخين. جدير بالذكر أن صواريخ (Iskandar 9K720) تعتبر الأكثر فعالية في المنظومة الروسية إذ تزيد سرعتها عن 1.3 ميل في الثانية، وتبلغ مدى يصل إلى 280 ميلاً، وتحمل رؤوساً متفجرة تبلغ حمولتها 1000 كيلو غرام، وتصيب الأهداف بدقة عالية، كما يمكن أن تحمل رؤوساً بيولوجية وكيميائية وحتى نووية، ولا يوجد في الغرب مضادات لها حتى الآن.
- وفي الأسبوع الثاني من شهر ديسمبر بدأ جيش النظام في نصب منظومة (Scud-D) الصاروخية المتوفرة لديه بتقنية إيرانية-روسية، كما أكدت مصادر عسكرية غربية دخول منظومات (Fateh-110A) الصاروخية إيرانية الصنع في 26 ديسمبر، والتي تم شحنها من إيران في رحلات سرية عبر الأجواء العراقية، وعلى الرغم من أن سلاح الصواريخ السوري يمتلك تقنية تصنيع هذه الصواريخ والتي يطلق عليها اسم (M-400)؛ إلا أن الخبراء السوريين قد فشلوا في تصنيعها واستخدامها محلياً، مما دفع بالحرس الثوري الإيراني لإرسال شحنة من القطع الأصلية مع مجموعة من الخبراء الإيرانيين الذين أوكلت إليهم مهمة تدريب جنود النظام على استخدامها.
- وفي نهاية شهر ديسمبر قامت موسكو بشحن مجموعة من صواريخ (S-400) الاعتراضية المضادة للصواريخ كرد على قيام حلف الناتو بنشر بطاريات باتريوت في جنوب تركيا.
- وفي مطلع شهر يناير استلم النظام من الحرس الثوري الإيراني قذائف تحوي غازات سامة من الدرجة الثانية، حيث إنها تتسبب في إحداث أضرار بالغة بالجهاز التنفسي وتؤدي في معظم الحالات إلى الوفاة، وقد تم استخدام أول دفعة منها في المواجهات بمدينة حمص حيث زود عناصر من الشبيحة بأعداد منها لإطلاقها في المناطق التي يتم استهدافها من قبل جيش النظام وذلك قبل شروع الجيش في اقتحام هذه الأحياء.
- وفي منتصف شهر يناير رست مجموعة من السفن الروسية في ميناء طرطوس، وعلى متنها معدات ثقيلة تتضمن: عربات مجهزة للقيادة في المناطق الجبلية الوعرة، وبنادق متطورة، وأنواع مختلفة من القذائف والصواريخ، بالإضافة إلى العربات المدرعة وناقلات الجنود.
- أما إيران فقد تولت مهمة تزويد النظام بالذخائر من مختلف الأعيرة، وقطع غيار الدبابات والمدفعية ومنصات إطلاق الصواريخ.
وإثر اكتمال الاستعدادات بدأت عملية الهجوم المضاد في 15 يناير، وذلك بعد إجلاء فرق النظام غير المجهزة واستبدالها بفرق النخبة التي أوكلت إليها مهام قتالية في كل من حمص وريف دمشق وحوران، وتؤكد المصادر أن ضباط الحرس الثوري الإيراني قد أشرفوا بصورة مباشرة على هذا الهجوم المضاد، كما أسهم الخبراء الروس في تحديد أهداف الصواريخ البالستية وإطلاقها.
جدير بالذكر أن التحضير لهذه الحملة المضادة قد تم في غضون الأسابيع الستة الممتدة ما بين 1 ديسمبر 2012 و15 يناير 2013، في ظل قطع معظم إمدادات السلاح والذخيرة عن كتائب الجيش الحر، ولا تزال بعض شحنات الأسلحة رابضة في بعض الدول المجاورة التي ترفض السلطات إرسالها لمقاتلي الجيش الحر.
* الاحتواء المزدوج: العمليات العسكرية الاستخباراتية لمنع امتداد الصراع
وبعد التأكد من أنباء قيام النظام بخلط مواد كيميائية وتحضيرها للإطلاق؛ طالبت الإدارة الأمريكية جميع دول المنطقة بإرسال رسائل شديدة اللهجة إلى دمشق، وأرسلت في الوقت ذاته رسائل مباشرة إلى قائد الكتيبة (450) بسلاح الجو في جيش النظام ومعاونيه من مغبة إطلاق أي أسلحة كيميائية أو بيولوجية.
وفي 17 يناير أكد وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا أن الولايات المتحدة قد أوكلت مهمة مراقبة التحركات المتعلقة بالأسلحة الكيميائية والبيولوجية في سوريا إلى كل من: تركيا والأردن، وعلى الرغم من أنه لم يذكر دور تل أبيب، إلا أن مصادر أمنية تؤكد بأن معظم عمليات مراقبة المواقع السورية قد أسندت إلى الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية مع الإيعاز لها بالتحرك الفوري في حالة التحقق من وجود خطر محدق.
ويسود الاعتقاد في الأروقة اليهودية أن دمشق وطهران قد تحاولان توريط تل أبيب في مواجهات محدودة لتسجيل نقاط مهمة على صعيد تعزيز مفهوم "المقاومة"، ولفت الأنظار عن جرائم النظام السوري وعملياته في الداخل، كما يمكن لإيران أن تشغل الرأي العام عن ملفها النووي من خلال العمل على تأجيج الصراع الإسرائيلي مع كل من لبنان وسوريا.
وكانت مصادر الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية قد أكدت أن نظام بشار قد أرسل شحنات من صواريخ أرض-أرض، وكمية محدودة من الأسلحة الكيمائية و البيولوجية إلى لبنان، حيث تم تخزينها في مواقع سرية تحت الأرض بسهل البقاع.
وعلى إثر تسرب تلك الأنباء تحدثت مصادر أمنية في 25 يناير عن وقوع انفجار في مقر للاستخبارات السورية في القنيطرة، وأدى إلى مقتل مسؤولين إيرانيين وعناصر قيادية من حزب الله كانوا في اجتماع مع مسؤولين أمنيين سوريين، وتم نقل الجثث على وجه السرية دون أي تصريح رسمي أو تعليق على الحادث، لكن مصادر غربية أكدت أن العملية قد نفذت من خلال وضع سيارتين مفخختين بالقرب من المقر، وأشارت المصادر أن المشاركين في هذا الاجتماع كانوا يخططون لتفكيك مجموعة من الصواريخ ونقلها إلى الأراضي اللبنانية.
وفي أعقاب ذلك الحادث بادرت تل أبيب إلى نصب ثلاث بطاريات من منظومة "القبة الحديدية" في المناطق الشمالية، وتزامن ذلك مع تصريح لمسؤول يهودي أكد فيه أن عدداً من عناصر "حزب الله" يرابطون على الحدود السورية مع لبنان بهدف استلام وتأمين عدة شحنات يتم تحضيرها للنقل من سوريا إلى لبنان.
وفي هذه الأثناء سارع بنيامين نتنياهو إلى إرسال اللواء "أفيف كوتشافي" إلى واشنطن للتأكيد بأنه إذا حاول بشار تحريك الأسلحة البيولوجية والكيميائية إلى مناطق قريبة من "إسرائيل" أو شحنها إلى "حزب الله" فإن سلاح الجو الإسرائيلي سيتحرك فوراً لمنعه من ذلك، كما أوفد نتنياهو مستشاره للأمن القومي "ياكوف أميدرور" إلى موسكو لتوصيل فحوى الرسالة نفسها إلى بوتين.
ويبدو أن هذه الرسائل كانت ممهدة لعملية يوم الأربعاء 30 يناير والتي استهدفت فيها الطائرات الحربية الإسرائيلية أحد مراكز البحث العلمي بريف دمشق، والتي يعتقد أنها تحتوي على صواريخ يتم التحضير لنقلها إلى لبنان، وقد بادر وزير الدفاع الأمريكي بانيتا بتبرير تلك العملية مؤكداً وجود مخاوف أمريكية من محاولة بشار توسيع دائرة الصراع.
* الرقص على إيقاع المعركة: تغير المزاج الأمريكي واحتدام الصراع الإقليمي
أكد مصدر أمني في واشنطن أن إدارة أوباما باتت مقتنعة بإطالة أمد الصراع في سوريا لاستنزاف طرفي الصراع، وفي الوقت ذاته يعتقد كثيرون في مجلس الأمن القومي الأمريكي بضرورة بقاء النظام للإبقاء على الأسلحة الكيمائية تحت السيطرة، خاصة وأن خلاف المجتمع الدولي حول الوضع في سوريا قد تسبب في عرقلة الاستعدادات الدولية لاحتواء الفوضى الإقليمية التي يمكن أن تندلع عقب سقوط بشار.
وإثر تشكل الائتلاف الوطني السوري؛ بادرت مجموعة من القوى الداعمة للثورة إلى وضع خطة لتسليح بعض كتائب الجيش الحر شريطة توحيد مختلف الفصائل تحت قيادة عسكرية ذات طابع "معتدل"، وتضمنت قائمة الأسلحة التي سيتم إمداد القيادة الموحدة بها: مضادات للدروع من طراز (9K111)، وصواريخ مضادة للطائرات من طراز (9K43 Strela-3 SA-14) المحمولة على الكتف، بالإضافة إلى قذائف (RPG) المضادة للدروع.
وفي الوقت ذاته وضعت خطط عسكرية لضم مختلف الكتائب المقاتلة في أربع جبهات تخضع لقيادة ضباط منشقين عن النظام، وتم على إثر ذلك إيفاد عدد من الشخصيات العسكرية لإقناع الكتائب المقاتلة بالانخراط في التشكيلات الجديدة، لكنهم فشلوا في تحقيق أي إنجاز يذكر، وذلك بسبب عدم ثقة قادة الكتائب بالضباط الذين تم إيفادهم، وتخوفهم من الدوافع الكامنة خلف خطة التشكيل، خاصة وأن بعض الضباط الموفدين قد انخرطوا في الجدل الدائر حول "تحجيم" العناصر الإسلامية التي تهيمن على العمل المسلح، وأسهموا في حملات التشوية التي وسمت هذه الكتائب بالتطرف، وفي الوقت ذاته لم يكن لها أي دور إيجابي في العمليات العسكرية أو في تزويد المقاتلين بالذخيرة والعتاد.
وعقب سقوط مطار تفتناز بيد مقاتلي المعارضة أجرت عدة مؤسسات بحثية أمريكية دراسات مفصلة عن طبيعة الكتائب المقاتلة التي سيطرت على المطار واستولت على مجموعة من المروحيات والأسلحة الصاروخية، واستنتجت أن جميع هذه الفصائل تنتمي إما إلى "جبهة النصرة" أو التيار "السلفي الجهادي"، أو التيار "الإسلامي المعتدل"، مما أثار مشاعر القلق في كل من واشنطن وتل أبيب من وقوع المزيد من المقاتلات والأسلحة الصاروخية بيد الإسلاميين.
وتزامن مع تلك الأحداث وقوع خلافات بين القوى الداعمة، وسط تراشق الاتهامات بدعم الجماعات المتطرفة، وفشل محاولات توحيد مصادر الدعم في ظل شكوك بمحاولة بعض القوى الاستحواذ والهيمنة، وأدت حالة الخلاف هذه إلى توقف المساعدات عن الجيش الحر، وتشدد بعض الدول المجاورة في توصيل المساعدات، في حين اقتصر الدعم على إغاثة اللاجئين.
وفي هذه الأثناء أبدى بعض المسؤولين الأتراك قلقهم من نية واشنطن قطع سبل إمداد الكتائب المقاتلة، ونزوعهم إلى الحلول الدبلوماسية التي تقتضي الاستعانة بالروس للحد من انتشار التيارات الإسلامية في صفوف المعارضة؛ فبعد تخلي واشنطن عن المجلس الوطني، تؤكد مصادر مطلعة أن الإدارة الأمريكية قد بدأت تتبنى الموقف نفسه تجاه قيادة الجيش الحر لأن ضباطه منفصلون عن الداخل ولم يثبتوا القدرة على توحيد الفصائل المقاتلة أو السيطرة عليها، ولذلك فإنها فقدت الاهتمام بوسائل الحسم العسكري، وبدأت تميل إلى إعادة إحياء اتفاق جنيف من خلال التوصل مع الروس عبر القنوات الدبلوماسية، وهو الأمر الذي يتطلب تعاون النظام في المرحلة الانتقالية.
وفي ظل تسارع الأحداث لا بد من التأكيد على أن مصالح القوى الإقليمية والدولية لا تنسجم بالضرورة مع مسار الثورة أو تعزيزها، إذ إن أولويات هذه الدول تقوم على أساس حماية مصالحها ومنع امتداد الأزمة إلى أراضيها، ولا يزال بعض السياسيين السوريين يقعون في خطأ محاولة إبرام صفقات جانبية مع هذه القوى على حساب مكونات أخرى من الثورة السورية.
وعلى الرغم من أنه من المبكر لأوانه إصدار أية أحكام حول أداء الائتلاف الوطني الذي لم يمض على تأسيسه أكثر من ثلاثة أشهر؛ إلا أنه من الواضح أن العديد من الحركات السياسية المعارضة لا تزال تركز على خطب ود القوى الخارجية بدلاً من التركيز على الداخل السوري، كما أنها لا تزال عاجزة عن اتخاذ مواقف حاسمة إزاء استكمال البنية الأساسية لتمثيل الحراك الثوري في المحافل الدولية، في حين يقصر إدراك الكثير من هذه المجموعات عن استيعاب المعادلات الإستراتيجية التي تحرك الصراع الدولي في المنطقة.
ونتيجة لذلك فهي بعيدة كل البعد عن حيازة عناصر القوة المتمثلة في: توحيد الصف، وكسب ثقة القوى الثورية في الداخل، والعمل على توجيهها لصالح مختلف قطاعات الشعب السوري، مما يدفعها إلى تبني مواقف أو إطلاق مبادرات تستند إلى ردود أفعال آنية لا تعكس وعياً بتعقيدات المشهد الإقليمي والدولي.
لقد حاولت الصفحات الماضية تحليل المواقف الإقليمية والدولية إزاء تطور الثورة السورية، إلا إنه لا بد من التأكيد على أن القوى الخارجية لم تشعل نيران الثورة ولا تملك القدرة على وقفها حتى لو أوقفت الدعم عنها.
ففي فترة انقطاع المساعدات العسكرية خلال الشهرين الماضيين غنمت الكتائب المقاتلة مجموعة من الأسلحة الإستراتيجية التي لم تكن في حوزتها من ذي قبل، وتمكنت من تحقيق مكاسب كبيرة كالسيطرة على مطار تفتناز، وإفقاد النظام نحو 20 بالمائة من مقاتلاته وشل قدراته القتالية في سلاح الجو، والسيطرة على مواقع إستراتيجية في حلب وفي دير الزور، وتنفيذ عمليات نوعية في دمشق وفي محيط مطارها الدولي، ولا تزال الكتائب المرابطة في حمص وحوران وريف دمشق صامدة أمام الخطة الروسية-الإيرانية وهي تقارع الصواريخ البالستية ببسالة ملفتة للانتباه.
يدعونا ذلك للتأكيد على أن الثورة السورية قد قامت منذ الأيام الأولى لاندلاعها على أكتاف شعب أعزل يواجه آلة القمع المتجذرة، وقد نجحت هذه الثورة في إرباك الحسابات الإقليمية والدولية، وأعادت فرز التحالفات الإستراتيجية في المنطقة، وعلى الرغم من هذه الإنجازات الشعبية والعسكرية؛ إلا أن الحراك الثوري لا يزال بحاجة إلى تمثيل سياسي يتسم بالاحترافية ويمتلك القدرة على ممارسة الدبلوماسية الدولية مع الكبار.