بشار يكابر ويستجدي الحل.. وإيران أيضا
بشار يكابر ويستجدي الحل..
وإيران أيضا
ياسر الزعاترة
عندما تسرب الأخبار اللبنانية أخبارا خاصة (جدا) تتعلق بالشأن السوري، فليس ذلك من العبث بحال، ولا هي متعة السبق الصحفي، بقدر ما هي لعبة السياسة التي تتورط فيها دوائر إعلامية تابعة لحزب الله وإيران بكل ما أوتيت من قوة، هي التي تعيش كابوس الوضع السوري بشكل يومي مهما حاولت إظهار الثقة بانتصار النظام، وأقله فشل الثورة.
آخر التسريبات ما نسبته الأخبار لعدد من الشخصيات التي التقت بشار مؤخرا كما قالت، والتي نقلت عنه ارتياحه الواضح للوضع الداخلي وقدرة الجيش على التصدي للثورة، ومن ثم شعوره بالاطمئنان، بدليل حمل السيدة الأولى وانتظارها إنجاب مولود جديد!!
في ثنايا التسريب محاولة محمومة لإظهار تماسك النظام وثقته بنفسه، تحديدا بشار الأسد الذي تتعلق به شخصيا أصل المشكلة، لأن تنحيه سيفتح المجال أمام حل سياسي، بينما لا يعني بقاؤه في السلطة غير هزيمة الثورة التي لا يمكن أن تسلم مصير سوريا من جديد لمجرم أمعن في قتل شعبه، فضلا عن أن تثق بأي من وعوده بإصلاح سياسي أو انتخابات حتى لو أضيفت إليها حكاية الإشراف الدولي.
هنا يبدو الموقف التراجعي لما يعرف بهيئة التنسيق (تسمى من باب التضليل معارضة الداخل، لكأن عشرات الآلاف من الثوار الذي يخوضون معارك مع النظام هم ثوار الخارج)، والتي عقدت مؤتمرا لها في جنيف استعادت خلاله صيغة الإبراهيمي لحكومة كاملة الصلاحيات من دون الإشارة لمصير بشار (بقاؤه يُفهم ضمنا)، فيما يبدو أن المقترح قد حظي بدعم من طهران وموسكو (روسيا تستعجل الحل أيضا بسبب تشاؤمها من تطور الوضع كما عكست ذلك تصريحات مديفيدف).
وفي حين قد يرى البعض أن مبادرة رئيس الائتلاف الوطني (الشيخ معاذ الخطيب) تبدو أكثر تراجعا من مبادرة الهيئة، الأمر الذي لا يبدو صحيحا، فإن موقف الشيخ لم يكن موفقا لجهة عدم التشاور مع زملائه في الائتلاف، لكن عذره كما يبدو أنه لم يعرض تفاصيل حل، وإنما تحقيق شرطين أحدهما كبير جدا (الإفراج عن 160 ألف معتقل)، فقط مقابل الجلوس مع ممثلين عن النظام في الخارج؛ الأمر الذي سيعني لو وافق عليه نوعا من الاعتراف بالهزيمة، وعموما فقد أوضح الرجل موقفه بجلاء لاحقا عندما قال: إن التفاوض هو على رحيل النظام، مستعيدا إجماع الائتلاف. أما لقاءات ميونيخ، فقد عكست بدورها سعي روسيا وإيران لإيجاد حل، وإن عولتا على أن يكون بوجود بشار، وليس برحيله.
ما يؤكد آمال النظام في حل سياسي ما نقله تسريب الأخبار عن بشار ممثلا في قوله إن “الأمريكان غير جاهزين للحل”، لكأنه يستجدي موقفا منهم يساعده في البقاء مقابل تحقيق شروط ما؛ هو يعرف أن أكثرها يتعلق بالعلاقة مع الكيان الصهيوني، فيما لا يدرك أن أمريكا لم تعد تنفرد بالوضع الدولي، وأنها لن تكون قادرة على فرض حل على الثورة لا يقبله رموزها، فضلا عن أن تقبله تركيا التي ترى أن بقاء الأسد يعني هزيمة مدوية لها أمام إيران.
وفيما يمكن القول: إن قناعة النظام بعجزه عن حسم الموقف عسكريا هو الذي يدفعه نحو استجداء الحل، فضلا عن وضعه الاقتصادي المتردي، فإن الجانب الآخر، والذي لا يقل أهمية يتمثل في رغبة طهران العارمة في التوصل إلى حل، أكان بصفقة مع واشنطن تشمل الملف النووي والعقوبات، أم بشكل منفرد، والسبب أنها تعيش اجواء انتخابات ستجري في حزيران القادم، ويمكن للوضع السوري أن يسهم في تصعيد الموقف الشعبي داخليا إلى جانب ثقل العقوبات على المواطن الإيراني، فضلا عن خلافات النظام الداخلية التي برزت على مشارف الانتخابات كما يعكسها عجز المحافظين عن التوافق على شخص الرئيس المقبل.
هنا ينبغي القول: إن رد المعارضة ينبغي أن يتمثل أولا في الإعراض عن إطلاق أية مبادرات سياسية، تاركين ذلك للنظام وداعميه، والأهم هو تركيز العمل العسكري في معركة دمشق (الحاسمة) دون إغفال المناطق الأخرى لتشتيت جهد النظام، ومن ثم تشتيته أكثر عبر تفعيل العمل الجماهيري في المدن بشتى أشكال النضال السلمي المتاحة.
وما ينبغي أن تعول عليه المعارضة هو تفكك منظومة الحصار التي برزت مؤخرا فيما يتعلق بالتسليح النوعي في ظل ملامح تغير في مواقف تركيا وقطر والسعودية، وربما الأردن أيضا لجهة السماح بمرور السلاح، وبالطبع في ظل قناعة هذه الأطراف بأن النظام سيسقط في النهاية، وأن إطالة أمد المعركة لا يعني غير مزيد من الأعباء السياسية والأمنية، إلى جانب الإنسانية فيما خصَّ قضية اللاجئين.
كل ذلك ينبغي أن يتزامن مع جهود لتوحيد العمل السياسي للمعارضة وصولا إلى توافق على شكل الوضع التالي للنظام بعيدا عن المناكفات والاقتتال على المواقع ما دامت الصناديق هي من سيحكم بعد وقت لن يطول. والخلاصة أن بقاء بشار وعودة الزمن إلى الوراء سيكون مستحيلا أيا كان الثمن ومهما طالت المعركة.