الآثار السياسية المترتبة على انفصال جنوب السودان (1)
الآثار السياسية المترتبة
على انفصال جنوب السودان (1)
سليمان عبد الله حمد
نتناول هنا الدراسة التى إعداها د. آدم أحمد محمدبشىء من التفصيل لتعميم الفائدة للجيل الحالى والأجيال اللاحقة وذلك بقصد المعرفة التاريخية لوطنهم الحبيب !!!
هذه الدراسة تحوي معلومات في غاية الخطورة عن وضع جنوب السودان وهي دراسة معتبرة لدكتور في السياسة الدولية و عضو في الجمعية العربية للعلوم السياسية و قد نوقشت باستفاضة في ندوة تقرير (المصير الحق والواجب ) التي نظمها مركز السودان للبحوث والدراسات الاستراتيجية، بالتعاون مع جامعة إفريقيا العالمية
يشغل جنوب السودان حوالي 700 ألف كيلو متر مربع من مساحة السودان البالغة 2.5 مليون كيلومتر مربع تقريبا، أي ما يعادل 28 في المئة. وللجنوب حدود تمتد إلى 2000 كيلومتر تقريبا مع خمس دول هي إثيوبيا وكينيا وأوغندا والكونغو وأفريقيا الوسطى.
وتشكل المراعي 40 في المئة من الجنوب السوداني والأراضي الزراعية 30 في المئة بينما تشغل الغابات الطبيعية 23 في المئة والسطوح المائية 7 في المئة من جملة المساحة.
وحسب احصاء 2009 بلغ سكان السودان 39 مليونا و154 الف شخص ونيف بينهم 8 ملايين و260 الف شخص، اي 21 قي المئة، في الجنوب، وبينت النتائج ان 520 الفا من الجنوبيين يعيشون في شمال البلاد.
التيار الشمالي الانفصالي:
عقب الجولة الثانية من مفاوضات ماشاكوس التي انتهت في 15 سبتمبر 2002م، بدأت تنتشر في الصحافة السودانية وبشكل واسع النطاق الدعوة لفصل شمال السودان عن جنوبه، عقب فترة انتقالية لا تتجاوز سنة واحدة، وأن الشماليين لهم الحق أيضاً في استطلاع رأيهم فيما إذا كانوا يرغبون في الاستمرار مع الجنوب في دولة واحدة، أم يرغبون في الانفصال. ورأى أصحاب هذا الاتجاه أن الغالبية من الشماليين لو سئلوا عن آرائهم لرغبوا في الانفصال كحل نهائي لهذه الحرب المستمرة منذ استقلال السودان وحتى الآن، باعتبار أن الجنوب يشكل عبئاً على الشمال ويجب على الشمال أن يكون حريصاً على التخلص منه وليس التشبث به، حتى يستطيع الحفاظ على هويته العربية والإسلامية ويحقق تنميته ورفاهيته، ويتحول إلى منطقة جذب حضاري بدلاً من الضعف والتفكك الذي سيلحق بالسودان من جراء التسوية مع الحركة الشعبية.
ويبدو أن هذه الدعوة قد لقيت بالفعل استحسان قطاعات واسعة من الشماليين، الأمر الذي أدى إلي انتشار مقولاتها بشكل واسع، حيث استقطبت اهتمام الناس وأحاديث المنتديات، ونشرت حولها عشرات المقالات في مختلف الصحف ما بين مؤيد ومعارض.
وترى المقولات الداعية إلي التعجيل بفصل الشمال عن الجنوب حول ثلاثة محاور أو بنود رئيسية هي:
1. إن أساس المشكلة يعود علاوة على الاعتبارات التاريخية وسياسة بريطانيا الاستعمارية إلى انعدام عوامل التوحد بين أبناء الشمال وأبناء الجنوب، سواء من حيث اختلاف الدين أو اللغة أو العرق أو العادات والتقاليد والوجدان والمشاعر المشتركة.
2. إن قضية الجنوب أخذت أبعاد الصراع الاجتماعي الممتد الذي ليس من السهولة حله من خلال الاتفاقيات والتسويات القانونية.
3. إن قضية الجنوب تتمدد وتتعقد بمرور الوقت، لذلك من الأفضل أن تحسم بصورة نهائية.
ويرى أصحاب هذا الرأي أن الاستفتاء يجب أن يشمل الشعبين الشمالي والجنوبي، بحيث يصير ما يقرره الشعبان ولا يجوز لأحدهما أن يقر الوحدة في ظل رفض الآخر، بمعني أن قرار أي منهم بالانفصال ينبغي أن يكون كافياً لفصل البلدين حتى لو قرر الآخر الاستمرار في الوحدة.
منذ فترة ما بعد استقلال السودان كانت دعوات الانفصال تأتي من الجنوبيين دون الشماليين، وقد التزم الشمال طوال الفترة السابقة بالدعوة لوحدة البلاد وعدم التفريط في أي شبر من الأراضي السودانية، وقد اتبعت حكومات السودان المتعاقبة القول بالفعل فقاتلت الحركات المتمردة في جنوب السودان من أجل فرض الوحدة، كما فاوضت تلك الحركات في أحيان أخرى كذلك من أجل الوحدة، وكان الانفصال خط أحمر في كل تلك المفاوضات لا يمكن الاقتراب منه بحال على المستوى الشعبي ورغم تذمر البعض من الشماليين من الحرب طويلة الأمد في الجنوب التي أهلكت الحرث والنسل، إلا أن الدعوات لفصل جنوب السودان ظلت على مستويات فردية تعتمل في نفوس البعض دون الإفصاح علانية في أجهزة الإعلام.
في عهد حكومة الإنقاذ الوطني بدأت تلك الدعوات تظهر على السطح كما ذكرنا، وازدادت حدة بعد توقيع اتفاق نيفاشا والنص صراحة على حق تقرير المصير للجنوب، فتكون بذلك التيار الشمالي الانفصالي الذي تبنى دعوات السلام العادل، وأصبحت على اتفاق نيفاشا وظلم الشمال على حساب الجنوب وعدم عدالة الاتفاق.
والغريب أن التيار الشمالي الانفصالي هو تيار من داخل الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني دون الأحزاب الأخرى؛ ما دفع البعض للقول إن هذا التيار يمثل الرأي الحقيقي لحزب المؤتمر الوطني الذي أتاح لقياداته فرصة التحرك وحرية الإعلام للتبشير بدعوات الانفصال وتهيئة الشعب السوداني في الشمال نفسياً، لتقبل تلك الدعوات وتهيئة الشعب الجنوبي للتصويت للانفصال وجعل الوحدة غير جاذبة في أذهان هؤلاء.
وتتباين آراء الباحثين حول أسباب نشوء التيار الشمالي الانفصالي:
1. يرى البعض أن هنالك قناعة تشكلت لدى تيار عريض من عشاق المؤتمر الوطني أنه لا طائل ولا جدوى من وحدة الشمال والجنوب، وذلك للفروقات الكثيرة في العادات والتقاليد والقيم الدينية والثقافية بين الشماليين والجنوبيين ما جعل الانفصال أمراً واقعاً منذ الاستقلال، إذ لا يوجد تداخل يذكر بين الطرفين لإحداث ثورة اجتماعية وتمازج عريض وانصهار بالصورة التي تمت في شمال السودان، ولذلك فمن الضروري تأطير مثل هذا الانفصال التلقائي بانفصال حقيقي يجنب البلاد شر الاحتراب.
2. يرى البعض أن هذا التيار نشأ نتيجة لاستياء الشمال من استمرار الحرب خمسين عاماً دون طائل، ولأن الحرب حصدت الكثير من الأرواح في الشمال والجنوب وأقعدت السودان عن النهوض اقتصادياً وتسببت في انهيار معظم الحكومات في الشمال، وبدأت تنهك جسد الوطن المتهالك وتزرع الفتن حتى في شمال السودان بامتداد الحرب في الشرق والغرب، ولذلك رأى هؤلاء أنه لا أمل يلوح في الأفق لتسوية توحد السودان وقد تستمر الحرب سنين أخرى، ولذلك دعا هؤلاء لمنح جنوب السودان الحق في تقرير0 مصيره.
3. يرى البعض أن هذا التيار الانفصالي لم يكن وليد فترة الإنقاذ، بل كان هنالك شعور لدى عدد كبير من الإسلاميين وبعض الأحزاب الدينية بأن الجنوب وقف منذ فترة ما بعد الاستقلال حائلاً دون وضع الدستور الإسلامي وإقامة الدولة الإسلامية، ووقف دون الطموحات المشروعة لمسلمي الشمال في الاحتكام لدينهم وشرعهم، رغم أنهم يمثلون غالبية الشعب السوداني ومن حقهم أن يختاروا القوانين التي يحتكمون إليها ولو عبر صناديق الاقتراع. لكل ذلك رأى هؤلاء ضرورة التخلص من عقدة الجنوب بدلاً من التخلي عن دينهم، خاصة أن بعض الجنوبيين كانوا يدعون بكل صراحة لخلق سودان جديد تسوده قيم التفسخ والتحلل، ما يناقض جوهر الدين والقيم السودانية السمحة المتوارثة.
4. يرى البعض أن شهوة السلطة والتشبث بها هو الذي دفع بعض عناصر المؤتمر الوطني للدعوة لفصل جنوب السودان عن شماله، ويرى هؤلاء أن المؤتمر الوطني يجب أن يستمر في حكم السودان وأن الجنوب سيكون السبب في تقلُّص نفوذ المؤتمر الوطني وربما إزاحته عن السلطة وأن الشمال السوداني دان كله بالولاء لحزب المؤتمر الوطني، وأن أي إقليم يمثل عائقاً يجب فصله، ويستدل هؤلاء بقول أحد النافذين في السلطة: «إننا يجب أن نبقى في الحكم ولو بحكم جزيرة توتي»، وكذلك يستدلون بمثلث حمدي والذي يدعو لبتر كل أطراف السودان التي تشاكس حزب المؤتمر الوطني وتعيق بقاءه في السلطة مثل شرق وغرب السودان والجنوب بالطبع.
5. وأخيراً يرى آخرون أن التيار الانفصالي الشمالي نشأ لأسباب ومرارات شخصية بحتة، ذلك أن البعض قد دعا لفصل الجنوب لكراهية شخصية لأسباب متباينة، مثلاً يقال إن السيد الطيب مصطفى مؤسس التيار الانفصالي الشمالي، كان دافعه الرئيسي للدعوة لفصل الجنوب هو الشعور بالمرارة والكراهية تجاه الجنوبيين بعد موت ابنه في العمليات في جنوب السودان، وإن نزعته الانفصالية ظهرت للسطح بعد هذه الواقعة وهكذا الكثير من عناصر هذا التيار.
مدى نجاح التيار الشمالي الانفصالي:
لا شك أن التيار الشمالي الانفصالي قد نجح كثيراً في إقناع قطاع عريض من أبناء الشمال بجدوى فصل الجنوب، فقد كسر هذا التيار الحاجز النفسي والقدسية التي أحاطت بفكرة الدعوة لفصل الجنوب، واعتبار ذلك من الخطوط الحمراء المسكوت عنها التي لا يجوز الحديث عنها بحال. لكن هذا التيار من خلال صحيفة الانتباهة الواسعة الانتشار ومن خلال الندوات واللقاءات التي نظمتها قد نجحت في جعل فكرة الانفصال مقبولاً لدى الشماليين، إذا اقتضت الضرورة ذلك بحسبانه آخر الدواء بالبتر.
التيارات الجنوبية: الوحدوية والانفصالية:
أولاً: التيارات الوحدوية:
هنالك الكثير من الجنوبيين الذين يدعون لوحدة السودان وضرورة التصويت للوحدة لا الانفصال وهؤلاء يمثلون عدة مشارب منهم:
1. جزء مقدر من الجنوبيين المقيمين في الشمال والذين ارتبطت مصالحهم بشمال السودان، فلا يرون ضرورة فصل الجنوب بل يرون إبقاءه ضمن الشمال.
2. هنالك من يرى أن الجنوب يفتقر لمقومات الدولة والأفضل بقاؤه ضمن الشمال، خاصة أن الجنوب سيكون دولة مغلقة دون منفذ بحري، ما يعني اعتماده مرة أخرى على شمال السودان في صادراته ووارداته.
3. هنالك أيضاً بعض الأقليات العرقية والمجموعات الدينية ممن يخشون اضطهاد حكومة الجنوب لهم حال انفصالهم مثل بعض القبائل بخلاف القبائل الثلاثة الكبرى «الدينكا والشلك والنوير» والمسلمين في جنوب السودان ممن يتطلعون حضارياً نحو الشمال، ويخشون من ظلم الحركة الشعبية لهم، خاصة أن الحركة الشعبية تهمشهم بعد استلام السلطة في الجنوب فلم تمنحهم إلا فتات المناصب وأغلقت بعض مؤسساتهم الدينية، وبات بعض عناصر الحركة ينظرون إليهم بحسبانهم عملاء للشمال.
4. وبين هؤلاء وأولئك هنالك مجموعات أخرى لا يسع المجال لذكرها.
ثانياً: التيارات الجنوبية الانفصالية:
تتعدد مشارب وأهداف وأسباب بروز التيارات الجنوبية الانفصالية ولكن عموماً يمكن إجمالها في النقاط التالية:
1. بعض الجنوبيين في الجنوب ممن لا يعرفون الشمال، وينظرون إلى الشمال بحسبانهم شكلاً من أشكال الاستعمار وأحفاد تجار الرقيق متأثرين في ذلك بالبعثات التبشيرية وماضي سلوك بعض الشماليين في الجنوب.
2. بعض التيارات الجنوبية ممن رأت أن بالجنوب ثروات يجب الانفراد بها دون الشمال.
3. بعض الجنوبيين ممن توصلوا إلى قناعة باستحالة العيش مع الشماليين، وباتوا لا يثقون في الشماليين لنقضهم المتكرر للعهود وعدم صدقهم ووفائهم.
المسلمون في جنوب السودان وموقفهم:
حسب بعض الإحصائيات فإن المسلمين في جنوب السودان يبلغ تعدادهم 18 في المئة من السكان وقد ساهمت الحركة الإسلامية عبر تاريخها الطويل مساهمة كبيرة في رعاية المسلمين في الجنوب والعناية بهم عبر منظمات مثل منظمة الدعوة الإسلامية والوكالة الإسلامية الأفريقية للإغاثة واتحاد الطلاب المسلمين بجنوب السودان وبيت الزكاة الكويتي..الخ، حيث كانت الحركة الإسلامية الحزب السياسي الشمالي الوحيد الذي حرص على أن يكون له وجود مكثف بجنوب السودان.
طوال العقود السابقة للإنقاذ لم يكن المسلمين في جنوب السودان في خطر كبير، رغم نظرة الريبة من قبل الجنوبيين تجاههم، ومع مجيء الإنقاذ وانتماء معظمهم للحركة الإسلامية، واعتماد الجهاد كوسيلة لتحرير الجنوب وانتظام جزء منهم في صفوف المجاهدين تغيرت نظرة الجنوبيين لهم وأصبحوا يتهمون بالعمالة للشمال والمساهمة في الحملة الجهادية لقتل الجـنوبيين ومؤازرة السلطة الشمالية لظلم الجنوب وحرمانه من حقوقه المنزوعة.
إبان مفاوضات نيفاشا لم تهتم حكومة الإنقاذ الوطني بتضمين حق المسلمين الجنوبيين في الاتفاق ولم تحرص كثيراً على المطالبة بحقوقهم كما حرصت الحركة الشعبية على صيانة حقوق الجنوبيين في الشمال وحقوق المسيحيين بصورة عامة، ولذلك جاء الاتفاق خالياً من أي إشارات لحقوق هؤلاء، وبعد وصول الحركة الشعبية للحكم في الجنوب وجد المسلمون الجنوبيون أنفسهم في موقف صعب بين التمسك بدينهم أو تهميشهم وإبعادهم عن مختلف الوظائف حيث جاء استيعاب المسلمين في مواعين السلطة في الجنوب محدداً جداً، وتم التضييق على الدعوة الإسلامية هناك وقفل كل المنافذ أمام انتشار الإسلام بحسبانه إسلاما سياسيا أو إسلام حزب المؤتمر الوطني كما تم قفل مؤسسات مثل ديوان الزكاة وفرع جامعة القرآن الكريم بجوبا والبنوك الإسلامية في الجنوب، لكل ذلك فقد أصبح المسلمون في الجنوب في موقف صعب، فأصبحوا في قفص الاتهام بالعمالة للشمال، وارتفعت نداءات ضـد وجود هؤلاء بالجنوب فهـجر بعض قياداتهم الجـنوب إلى الشمال.
لكل ذلك ونسبة لارتباط المسلمين في جنوب السودان بشماله فمن المتوقع أن يصوتوا جميعهم للوحدة لا الانفصال، فإذا ما حدثت الوحدة فسيكون دورهم في الوحدة متعاظماً، أما إذا حصل الانفصال فليس من المتوقع أن يهنأ هؤلاء كغيرهم من الجنوبيين وسيجبر الكثيرون منهم للتخلي عن دينهم خاصة أن تمسكهم بالدين هش، فقد ارتد الكثيرون منهم حتى قبل انفصال الجنوب وانضم الكثيرون ممن كانوا في الحركة الإسلامية لصفوف الحركة الشعبية.
تقييم للموارد في حالة الانفصال:
في حالة الانفصال تخصم هذه الموارد من الشمال لصالح الجنوب:
- 21 – 33 في المئة من الموارد البشرية.
- 25 في المئة من الأرض وهي بكر صالحة للزراعة طول العام لوجود الأمطار.
- الجنوب عمق استراتيجي للشمال (26 في المئة من الكتلة الحيوية).
- 60 في المئة من الثروة الغابية.
- 70 في المئة من الحياة البرية.
- مياه النيل الأبيض وروافده.
- 55 في المئة من الثروة الحيوانية.
-60 في المئة من الثروة السمكية.
- 80 في المئة من النفط.
- يتجدد الصراع بشكل أقوي ومذهل بعد أن تجهز الجنوب لذلك (دبابات، طيارين من أوكرانيا وإسرائيل والدعم غير المحدود من الولايات المتحدة
- الخلاف حول أبيي – جبال النوبة ومنطقة النيل الأزرق.
الآثار السياسية المترتبة على انفصال جنوب السودان(2)
مشكلات ومخاطر منح الجنوبيين حق تقرير المصير:
تكتنف استقلال جنوب السودان عن شماله الكثير من المخاطر المحلية والإقليمية والدولية على النحو التالي:
أولاً: سابقة في أفريقيا:
أبرز مخاطر تقرير المصير للجنوب أنه يرمي لسابقة أفريقية في هذا الصدد، وهو أمر يناقض ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية كما ذكرنا، وسوف يؤدي إلى انهيار عدد كبير من الدول الأفريقية التي تعاني مشاكل مماثلة.
ثانياً: تفتيت السودان:
قد يؤدي انفصال الجنوب إلى تفتيت السودان إلى عدة دويلات، ففي السودان الكثير من النزاعات المسلحة والكثير من الأقاليم التي رفعت السلاح في وجه المركز على غرار الجنوب، وفي أحيان كثيرة يرفع حملة السلاح في تلك الأقاليم رأيه الانفصال ويلوحون بها لتهديد المركز بغرض تلبية مطالبهم، ولا نشك في أن الوضع في السودان بات أكثر هشاشة فقد يتشظى السودان إلى دويلات في أي لحظة خاصة مع انفصال الجنوب والذي سيؤدي إلى تشجيع الكثيرين لذلك.
ثالثاً: الاحتراب الداخلي في الجنوب:
من المتوقع في حال انفصال الجنوب أن تندلع حروب أهلية بين مكونات الجنوب المختلفة أو يذهب الكثير من المراقبين إلى أن الجنوب سيكون ساحة للمعارك بين أبنائه وقبائله المختلفة، ولا أميل كثيراً إلى تأييد هذا الرأي على إطلاقه، فالتنوع العرقي في الجنوب أقل بكثير من شمال السودان، فكل قبائل الجنوب زنجية إضافة إلى أن عدد قبائل الجنوب الرئيسية قد لا تتعدى عشر قبائل يسيطر عليها ثلاثة قبائل كبيرة هي الدينكا والشلك والنوير، أما القبائل الأخرى فهي أقليات غير مؤثرة، وبإمكان القبائل الثلاثة أن يتوافقوا فيما بينهم حول كيفية حكم الجنوب تكفيهم شر الاحتراب مثلاً تقسيم ولايات الجنوب الثلاثة على هذه القبائل وإرضاء المجموعات العرقية الصغيرة بتمثيلها بحسب وزنها في المواقع المختلفة. وفي لقاء أجري مع أحد أفراد الحركة الشعبية ذكر أن سبب احتراب ابناء الجنوب فيما بينهم يرجع إلى تدخل حكومات الشمال وممارسة سياسة فرق تسد بين أبناء الجنوب، مستهدفة السلطة والمال، أما في حال انفصال الجنوب ونأي حكومة الخرطوم عن التدخل بين الجنوبيين فلن يكون هنالك أي قتال أو خلاف يذكر بين أبناء الجنوب.
رابعاً: الاحتراب الداخلي في الشمال:
من أبرز الاحتمالات كذلك أن يؤدي تقرير المصير إلى حروب داخلية واضطرابات في الشمال وذلك لعدة عوامل منها:
استمرار نفس الوضع التقسيم السابق قبل الاستفتاء من دعاوي التهميش من قبل بعض الأطراف مثل دارفور وشرق السودان وكردفان وأقاليم أخرى، وسيشجع الانفصال تلك الأقاليم لتسعير نار صراعها مع الخرطوم بهدف الانفصال أو الضغط بالانفصال للحصول على نصيبها كامل من السلطة والثروة.
2. التباين العرقي في الشمال والديني أصبح أسوأ من الجنوب، فإذا كان في الجنوب ما لا يبلغ عشرين قبيلة في أسوأ الفروض ويسيطر عليها ثلاث قبائل رئيسية فإن الشمال مئات القبائل وعشرات القبائل الكبيرة التي تدعي كل منها السيطرة والهيمنة وهم موزعون على كل أرجاء السودان مما ينذر بخطر حال انفصال الجنوب خاصة في ظل إثارة النعرات العرقية والجهوية واعتماد القبلية كأساس للعمل السياسي. ومحاولة استغلال القبائل من قبل الأحزاب في الانتخابات القادمة التي كما يبدو أنها ستتم على أساس قبلي بحت.
3. اكتظاظ الشمال بالمليشيات والحركات المسلحة في الخرطوم والولايات، فكما ذكر مدير عام الشرطة الأسبق بأن الخرطوم وحدها 52 جماعة مسلحة، ولا شك أن كل هذا خطر على الأمن والاستقرار.
4. استمرار التدخلات الخارجية والوجود الأجنبي في الشمال حيث القوات والمنظمات الدولية في كردفان ودارفور، واستمرار المطالبة بمحاكمة من ارتكبوا جرائم حرب في دارفور، ولا شك أن كل هذه عوامل انفجار قد تؤجج الصراع في الشمال.
خامساً: حدود الجنوب مع الشمال:
من المشاكل التي قد يثيرها انفصال الجنوب مسألة ترسيم الحدود في أبيي والنيل الأزرق وجنوب كردفان، حيث ظلت هذه المناطق في وضع نزاع لم يتفق عليها حتى الآن خاصة أن جميعها مناطق ثروات بترولية وغيرها ما ينذر بخطر حال انفصال الجنوب، فقد يكون الترسيم الآن في إطار الدولة الواحدة أسهل من تأجيلها ليكون الترسيم بين دولتين متنازعتين.
محاسن ومساوئ منح الجنوبيين حق تقرير المصير:
أولاً: المحاسن:
إنهاء النزاع الدائر في السودان منذ عام 1955م، ووقف الحرب التي أزهقت الكثير من الأرواح وشردت الكثير من المواطنين وأقعدت السودان عن النهوض والتقدم الاقتصادي، وساهمت في عدم الاستقرار السياسي وتغلب الحكومات وأفرزت حروب في ولايات أخرى من السودان، وأدت إلى شقاق وتصدع في جدار الوحدة الوطنية السودانية.
2. الوحدة الطوعية ستؤدي إلى سلام مستدام لا شك أن وحدة السودان إذا حدثت عبر استفتاء واختار الجنوبيون طوعاً الوحدة مع الشمال، لا شك أن ذلك سيؤدي إلى سلام مستدام ووحدة راسخة تمنع ظهور حروب ونزاعات مرة أخرى ويؤدي إلى استقرار السودان.
تأثير العـوامل الداخلية والإقليمية والدولية علي مسار الوحدة والانفصال:
1/ البيئة الداخلية للسودان وتأثيرها على الوحدة أو الانفصال:
السكان:
السودان خليط من أجناس أفريقية وقبائل عربية حديثة التكوين لم ينسجموا في أمة سودانية واحدة. كذلك العدد حالياً 39 مليون نسمة وهو لا يتناسب مع حجم المساحة والموارد.
النفط:
انتعش الاقتصاد السوداني بعد دخول النفط إليه بعد عام 2000م، لكن عامل النفط يواجه الآتي:
داخلياً: النفط يستخرج من مناطق متنازع عليها (أبيي) أو في مناطق تماس (غرب النوير- عدارييل).
خارجياً: البورصة يسيطر عليها الأوبك ومجموعة السبع والولايات المتحدة وهذا في حد ذاته مؤشر سالب.
كما أن الوضع في السودان يتصف بالآتي:
• عدم المؤسسية تفشي الجهوية والعنصرية لعدم وجود الضوابط القانونية، أو لعدم تفعيلها.
• تباعد الرؤى السياسية والأيديولوجية للأحزاب التي فقدت قدرتها علي التعامل داخلياً وخارجياً بعد الانشقاقات التي أصابتها.
• غياب الإرادة القومية (وحدة المشاعر والمصير والهدف) التي تؤدي إلي وحدة الشعب عامة ذلك لاختلاف الموروثات والثقافات ما قاد لضعف الولاء القومي.
• القوة الاقتصادية الكامنة ضخمة جداً لكن النشاط والفعالية ضعيفة.
• القوة العسكرية تحتاج للمزيد من التركيز والتنظيم.
يمكن القول بصورة عامة إن الأوضاع في السودان غير واضحة، كما أن السودان يعيش حالة من الضعف لدرجة أن خيوط اللعبة قد أصبحت خارج يده، ولكن عموماً إن الأوضاع داخل السودان تدعم بشكل كبير الانفصال.
المواقف الإقليمية من الوحدة أو الانفصال:
مصر: من مصلحة مصر الحفاظ علي وحدة السودان أرضاً وشعباً.
أريتريا: تشجع انفصال الجنوب وتهدد السودان الشمالي بدعم حركات التمرد في دارفور والشرق.
إثيوبيا: تشجع الانفصال وتعتبر السودان مهددا رئيسيا لأمنها، وتحتاج للسودان لأنها دولة حبيسة تكتيكياً وليس استراتيجياً.
كينيا: عاصمتها هي العاصمة السياسية للحركة الشعبية لتحرير السودان، تعمل على وزن علاقاتها بين شريكي الحكم في السودان واستراتيجيتها الأمنية تفرض عليها دعم انفصال الجنوب.
أوغندا: تعتبر مأوى للاجئين الجنوبيين ووفرت لهم التعليم بكل مستوياته، ينطلق منها التمرد العسكري، استراتيجيتها الأمنية دعم الانفصال وتكوين دولة مسيحية.
الكنغو الديمقراطية: علاقتها مع السودان تتأرجح وغير متزنة، استضافت حركات التمرد الجنوبية منذ الستينيات خاصة فترة الصراع اليوغندي- البورندي، علاقتها القوية مع كل من تشاد و»إسرائيل» تحتم عليها دعم الانفصال للجنوب.
أفريقيا الوسطى: علاقاتها مع السودان هادئة لازدهار التجارة بين القبائل الحدودية وعلاقتها قوية مع «إسرائيل» تحتم عليها دعم انفصال الجنوب.
تشاد: لها قبائل مشتركة ومتداخلة، ويلعب السودان دوراً بارزاً في الحياة السياسية لتشاد، دعم نشاط المعارضة في البلدين هو السمة الواضحة، علاقتها القوية مع فرنسا و»إسرائيل» تحتم عليها دعم الانفصال في الجنوب ودعم الانفصال في الغرب (دارفور).
ليبيا: ليس لها استراتيجية واضحة ومفهومة، تدعم الحركات المسلحة منذ 1983م، ويمثل السودان محوراً أساسياً في سياسات ليبيا وسيكون لها أثر كبير وفعال في انفصال الجنوب.
المواقف الدولية من وحدة أو انفصال السودان
أولاً: الولايات المتحدة:
تسيطر الولايات المتحدة الأمريكية على قمة البيئة الدولية، وتدعمها في ذلك معظم الدول الغربية فيما يعرف بالعالم الحر وفق مفاهيمها ورؤيتها المستقبلية للعالم. ونجد أن الولايات المتحدة تبنت تدريب وتعليم أفراد الحركة الشعبية بهدف الضغط علي حكومة السودان ولعبت دوراً كبيراً وبارزاً في توقيع اتفاقية السلام في 9/ 1/ 2005م، ويرى كثير من المراقبين أنها سوف تدعم خيار الانفصال بعد أن اعتبرت الحكومة السودانية ذات إسلام سياسي وداعمة للإرهاب.
ثانيا: «إسرائيل»:
وهي تتبع استراتيجية الولايات المتحدة بالإضافة لهدفها الاستراتيجي الذي تسعي لتحقيقه بشتى السبل وهو مياه النيل ثم النفط والمنتجات الزراعية، حيث تهدف إستراتيجيتها لإضعاف السودان الداعم للقضية الفلسطينية حيث تدعم انفصال الجنوب من خلال السيناريوهات المختلفة.
الصين:
تقوم علاقاتها مع السودان علي أساس الصداقة والاحترام وتبادل المنافع والمصالح والندية، وهي تركز على العلاقات الاقتصادية وتبعد السياسية عن التعامل، ومن خلال تحركاتها ومواقفها يظهر أنها تشجع وحدة السودان، ولكن في نفس الوقت لن تعارض الانفصال إذا كان الجنوب يرغب فيه، وغالباً ما تنتهج سياسة حكيمة مع الجميع شمال وجنوب.
الدول الأوربية:
تعتبر بريطانيا دولة رئيسية في خلق مشكلة الجنوب، وهي مصدر جميع المعلومات عن الجنوب بما فيها (أبيي) وداعمة للانفصال، كما نجد أن فرنسا، إيطاليا، ألمانيا، النرويج، وهولندا تؤثر علي مشكلة الجنوب عبر المنظمات وعبر العاطفة الدينية. وعموماً يرتبط الموقف الأوربي بالمصالح في المنطقة من واقع العلاقات الثنائية مع الحكومة السودانية.
الضغوط والاهتمام الدولي بتنفيذ اتفاقية نيفاشا:
اجتمع في يونيو 2009م أكثر من 30 بلداً ومنطقة في واشنطن في محاولة لتنشيط سلام السودان الشامل المضطرب الذي سينتهي في عام 2011م، وستنتهي الفترة الانتقالية التي أنشئت بموجب اتفاق السلام الشامل وذلك بإجراء استفتاء لتقرير المصير لجنوب السودان، هذا هو المعيار النهائي الذي حدده اتفاق السلام الشامل الذي أنهي أكثر من 20 عاماً من الحرب الأهلية بين شمال السودان وجنوبه، ولكن لا يزال هناك تأخر في تنفيذ كثير من أحكام اتفاق السلام الشامل البارزة، هذا التأخير وزيادة العنف في جنوب السودان سلط الضوء علي عدد لا يحصي من المشاكل.
أعدت (A.N.F) مؤخراً ورقة إستراتيجية بعنوان:
«السودان- العد التنازلي» من تأليف البروفسور جيرار بورنير ومساعدة مدير الشئون السياسية لمشروع أينف ماغي فيك، تناقش الورقة الوضع الراهن وتقول إن المجتمع الدولي بحاجة إلي اعتماد نهج جديد لفترة ما قبل النهاية الحاسمة واستفتاء عام 2011م. ويشير المدير التنفيذي لمشروع اينف جون نوريس، قائلاً (احدي المشاكل الرئيسية التي تواجه أطراف اتفاق السلام الشامل حتى الآن، أن المجتمع الدولي لم يحملهم أي مسئولية لعدم تنفيذ الأحكام الرئيسية للاتفاق، الأمر الذي إذا ما لم يتغير فإن الصراع الدائر في السودان سيتزايد)، وتقول ماغي فيك (هناك عدد لا يحصي من التحديات والمخاطر التي تواجه السودان في غضون الـ19 شهراً المقبلة لا يمكن التصدي لها والتخفيف من حدتها ما لم يعتمد المجتمع الدولي نهجاً جديداً للمراحل النهائية والحاسمة من تنفيذ اتفاق السلام الشامل.
كذلك من أكثر التحديات خطورة، الانتخابات التي اجريت في عام 2010م، وبعدها الاستفتاء علي تقرير مصير الجنوب. حيث يبدو أن احتمال التحول الديمقراطي في السودان من خلال انتخابات 2010م لم يعد واقعياً، إلا أن إجراء انتخابات في الوقت المناسب وتوفير بيئة آمنة لا تزال ضرورية لتجنب الانهيار التام لاتفاق السلام الشامل، وعلاوة علي ذلك التحديات الخطيرة التي سبق طرحها تؤثر بشكل مباشر علي الموعد النهائي القياسي للفترة الانتقالية لتنفيذ اتفاق السلام الشامل (الاستفتاء لتقرير مصير جنوب السودان.
ويظهر تتبع الرأي في الجنوب اتساقاً في الرغبة العارمة لدي الجنوبيين في التصويت لصالح الانفصال في استفتاء تقرير المصير، بينما لا يعرف الجنوبيون الذين يعيشون في القرى النائية علي وجه الدقة كيف ومتي سيتم التصويت في الاستفتاء، ولكنهم يعلمون أن الاستفتاء «آت» وهنالك تأخير كبير يمكن أن يواجه ذلك في المستقبل.
هناك العديد من المهام التي يجب أن يطلع بها المجتمع الدولي في تنفيذ اتفاقية نيفاشا يمكن تلخيصها في الآتي:
علاج مشاكل السودان بصورة شاملة ووضع أولويات لتنفيذ اتفاق السلام الشامل باعتبارها الوسيلة الأساسية لمعالجة الأسباب الجذرية للصراعات في السودان، والذي يهدف إلي معالجة الأسباب الجذرية للصراعات المتشابكة في السودان.
وضع استراتيجيات منسقة قصيرة الأجل وطويلة الأجل للتعامل مع المسائل الرئيسية. وكل الضامنين لاتفاق السلام الشامل ويجب أن يخضع لعدة مسائل هامة تتعلق بالحكومة أو السياسة العامة وسيناريوهات ما تبقي من السلام الشامل خلال الفترة الانتقالية. بالإضافة إلى تكوين فرق عمل في كل بلد من البلدان الضامنة لمناقشة الأولويات والمجالات المثيرة للقلق.
تشجيع المفاوضات بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان علي المدى الطويل وترتيبات تقاسم الثروة قبل استفتاء 2011م.