تعرفت على الأخطل الصغير في مقهى أبو عفيف

عبد الخالق فريد

الصحف البغدادية ملاذ كتاب الخمسينات ودخلت صروحها عبر أخبار المساء

نظراً لوظيفة أخي أحمد مختار في سلك الشرطة فكنا ننتقل معه من مدينة إلى أخرى من الجنوب إلى الوسط فقد أمضيت طفولتي في العمارة وعلي الغربي من سنة (1932 – 1963) ومن ثم في بغداد أمضينا سنتين بعد ذلك تحولنا إلى الحلة حيث كنت في الصف الأول الابتدائي عام 1939.

وأنا بغدادي الأصل بيت جدي محمد وادي والد أمي يقع في زقاق الجلالي بمحلة البارودية القريبة إلى عقد المصرف الذي يطل عليه بيت الشاعر جميل صدقي الزهاوي في الجهة المقابلة من الشارع.

وقريباً منا محلة الفضل وفي هاتين المحلتين كان يسكن كبار موظفي الدولة ووجهاء بغداد القديمة سابقاً أمثال أسرة نوري السعيد وعبد الكريم كنه ونوري فتاح وأسرة شامل باشا وأسرة المصرف وسواهم من الأسر العريقة..

أما أسرتي فقد اندثرت بحكم الوفيات المستمرة منذ أواسط الأربعينات حتى لحظة كتابة هذه الكلمات وقد صح قول الشاعر:

حكم المنية في البرية جاري       ما هذه الدنيا بدار قرار

لقد ربانا أخي المرحوم أحمد مختار فريد 1913 – 1973 الذي توفي برتبة مقدم شرطة وكان في عام 1955 مديراً لشرطة محافظة كربلاء وأنا وشقيقتي ثمينة فريد تربية كريمة صالحة فقد تخرجت ثمينة في دار المعلمين العالية وحصلت على مرتبة الشرف الأول على قسم اللغة العربية وكان من زملائها الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد والأديب الناقد محمد جواد رضا (دعبل) كان ذلك في عام 1951 وعينت مدرسة للغة العربية في ثانوية الأعظمية وتزوجت من إنسان فاضل ينتمي إلى أسرة كريمة أصولها من كربلاء وهو محاسب في وزارة الصحة واسمه حسن مهدي الروماني وقد توفي زوجها مخلفاً لها ثلاثة أولاد وابنتين وهي الآن متقاعدة وبيتها في السيدية مقابل جامع أم الطبول أما أنا فأكملت دراساتي الثلاث بين مدن الحلة 1939 والمدحتية – الحمزة والكفل والمسيب والمحاويل والتكريت 1946 وانتقلنا منها في نصف السنة إلى بغداد حيث تخرجت في الصف السادس الابتدائي في مدرسة الأعظمية الأولى للبنين ودخلت بعدها في مدرسة الأعظمية المتوسطة وكان من رفاقي وأصدقائي فيها لؤي يونس، بحري وفيصل فهمي سعيد، وأكملت المتوسطة في مدرسة العربية وكان من رفاقي فيها إضافةً إلى لؤي وفيصل صديقي الحميم وجيه عبد الغني مصطفى الممثل المعروف، إضافة إلى الصديق سعدون بنية رحمهما الله.

ومنذ عام 1946 حتى الآن (نيسان 2011) أسكن بدار مملوكة لي خلفتها لي والدتي الراحلة وأعيش مع زوجتي ليلى الخزرجي التي تزوجتها عام 1961 وهي ابنة عم الشاعرة الكبيرة الراحلة عاتكة وهبي الخزرجي، وقد أنجبت لي ثلاثة أولاد وبنت واحدة، هم فريد 1962، وغلواء 1964، وفادي 1969، ومازن 1970.

وأنا منذ تشرين الأول 1981 متقاعد – ووظيفتي السابقة معاون مدير في مصرف الرافدين.

بدأت تجربتي في كتابة المقال الأدبي وقرزمة الشعر الغزلي والتأملي عام 1950 حين اكتملت ثمرة ثقافتي الأدبية والشعرية بحكم مطالعاتي الأولى للصحافة الأدبية جبربور والريدرز دايجست – مجلة المختار – التي كانت تصلنا للحلة من مصر العربية وكنت آنذاك في الصف الخامس الابتدائي فلما التحقت في مدرسة الغربية المتوسطة عام 1946 كنت أرتاد مع زميلي لؤي يونس بحري، المكتبة الوطنية في باب المعظم والتي كانت تقع خلف المدرسة الغربية مباشرة، وكانت المكتبة  تبهرني بعظمتها وإدارتها وضخامة الكتب النفيسة التي تحتويها، فكنت أتسلل من المدرسة لألج محرابي الذي تعشقت العبادة فيه بين أصناف مختلفة وعديدة من الكتب التاريخية والأدبية والقصصية والشعرية.

وحين وقع بيدي كتاب توفيق الحكيم.. أو بالأحرى قصته المشهورة (عودة الروح) قرأته بشوق غامر وقد بكيت كثيراً وأنا أطالع هذه القصة النادرة التي ربطتني بتوفيق الحكيم برباط وثيق جعلني أقرأ وأطالع بشغف جميع قصصه وكتبه ومسرحياته، كما طالعت كتب طه حسين ومحمد حسين هيكل وأعجبت غاية الإعجاب بكتابة السامق العظيم عن الرسول الأعظم (محمد) أما من الشعراء فعكفت على دواوين علي محمود طه علا ونهلا وجننت بصوره الشعرية وخيالاته المجنحة وأسلوبه الأنيق الرقيق المبهر، وقرأت جميع دواوينه وترجماته الفريدة للشاعرين بول فيرلتي ورامبو وسواهما من العباقرة الخالدين..

وهداني خالي الراحل الدكتور عبد المجيد الوادي إلى إلياس أبي شبكة (الشاعر اللبناني الأسطورة 1903 – 1947) فتولهت فيه وفي حياته وشعره من خلال الكتاب الذي صدر عنه عام 1948 عن دار المكشوف.. في بيروت بمناسبة ذكرى مرور عام على رحيله المبكر وكان عنوان الكتاب (إلياس أبو شبكة دراسات وذكريات) وقد صار لي إلياس في حياتي اليومية حلماً متواصلاً وقد قرأت دواوينه مرات.. ومرات وفي كل مرة أزداد إعجاباً بشخصيته الشعرية المثلى..

وفي أول سفرة لي لبيروت توجهت إلى بيته في زوق ميكائيل وجلست متوجداً متوحداً أمام زوجته – أولغا ساروفيم – غلواء، التي كتب ملحمته الشعرية الرائعة باسمها، وقد وصفت زيارتي لمدينة الزوق بمقال ماتع نشرته آنذاك مجلة الأسبوع التي كان يصدرها الصديق الأديب المغترب الكبير خالص عزمي الذي يقيم الآن في النمسا، ولإعجابي بالشاعر إلياس سميت ابنتي باسم غلواء حبيبة شاعري الأثير وقد كتبت عن إلياس أبي شبكة أربعة مقالات قسم منها نشرته في بيروت (مجلة الرسالة اللبنانية) وطبعت المقالات الأربع مع مقالتين أخريين هما (إلياس أبو شبكة ناقداً) و (إلياس أو شبكة وأثره في الشعراء العراقيين المعاصرين) كما أضفت إليها القصائد التي قيلت في رثاء إلياس أبي شبكة وهي للشعراء محمد مهدي الجواهري، علي الحلي، النقديان محمد وموسى، حارث طه الراوي، زهير أحمد القيسي، وعبد الخالق فريد وظهرت الطبعة الأولى من كتابي (إلياس أبو شبكة مقالات ورسائل) عام 1988 وظهرت عنه تنويهات وملاحظات لأدباء أمثال: نزار عباس، ويوسف نمر ذياب، وعبد الرحمن مجيد الربيعي وشكيب كاظم وغيرهم..

منذ عام 1951 وأنا تلميذ في الإعدادية المركزية، كنت أراسل وأكتب في الصحف العراقية أمثال أخبار المساء لغازي العياش، وجرائد الموصل أمثال الراية والعاصفة، والمثال للصحفي الراحل عبد الباسط يونس، وكان يقوم بإرسالها له زميلي في الرابع الإعدادي، المرحوم شوقي يوسف بكي وكان على علاقة أدبية سابقة لي في الكتابة بالجريدة الذي أصبح فيما بعد صاحبها من أعز أصدقائي وأول قصيدة نشرتها في جريدة الراية الموصلية هي قصيدة (ياس) وكانت مفعمة بالأشجان والمشاعر السوداوية ومطلعها:

ما مصيري في الحياة=ما مدى هذا الوجود؟

كلنا نمسي رفات=وإلى القبر نعود

لا تثر لي الذكريات=لا تستر تلك العهود

وكان للحرمان والفراغ النفسي وظلم الواقع الأثر الكبير في شعوري الملازم لهذه الثورة بأعماقي.

وفي أول مناسبة أتاح لي القدر فرصة للسفر إلى خارج العراق شعرت بنشوة عامرة تسربل حياتي وبتغير كلي يشمل تفكيري إذ أتاحت لي هذه الفرصة تحقيق رغباتي للاطلاع على أحدث الكتب والدواوين الشعرية التي أسمع بها ولم تصل للعراق، ومنذ سنة 1954 وكنت آنذاك طالباً في الصف الأول لكلية الحقوق العراقية، هيأ لي أن أسافر مع مجموعة من تلامذة الكلية – من مختلف الصفوف – إلى عمان، وبيروت، وأول وما وصلنا إلى هاتين العاصمتين شرعت للسعي وتعقب آثار وعناوين الشعراء والأدباء الذين كنت أقرأ لهم أهفو للقائهم، فتعرفت على بشارة الخوري (الأخطل الصغير) في مكتبه الكائن فوق مقهى أبو عفيف في ساحة البرج والتقيت الشاعر العراقي الشهير أحمد الصافي النجفي في مقهى فلسطين ثم زرته عدت مرات في نزل المعرض الذي كان يقيم فيه، وزارني في الفندق العربي بساحة البرج وأهداني بعض دواوينه.

كما تعرفت على سعيد عقل والدكتور جورج حنا في عيادته بالأشرفية، كما التقيت بنقيب الصحافة رياض طه ونشرت في مجلته الأحد قصيدتي (خواطر) التي أهديتها إلى الصديق حسين مردان شاعر قصائد عارية وكان مطلعها:

الريح تعزف صاح=لحن الهوى الصداح

أدر كؤوس السراح=فداك قلبي هيا

ولم أدخل هذه القصيدة في أي ديوان من دواويني فيما بعد نظراً لشعوري بضعفها.

وقد عدت من سفرتي المانعة مزوداً بأجمل الذكريات وأروع الكتب الأدبية ودواوين الشعرية التي أصبحت خير زاد لثقافتي الفكرية، وقد رأيت في شعر الشعراء اللبنانيين طاقة عظيمة من الإبداع في الصور، والأخيلة والعواطف التي افتقدتها في شعرنا العراقي المعاصر.. إلا قلة نادرة من الشعراء ذوي الثقافة ممن يحسنون اللغات الأجنبية خاصة من الشباب المتطلعين لمدارس الشعرية الجديدة.

أصدرت حتى الآن 23 ديواناً شعرياً جميعها في الغزل وأول ديوان صدر لي بعنوان (نداء الأعماق 1955) وفي عام 1964 – وفي شهر مايس منه – كنت أصطاف في بيروت وألتقي يومياً مع الشعراء والأدباء الذي حصل لي التعارف بهم في سفراتي السابقة وتذكرت أن ندوة ستقام عن ديواني – العطر الضائع – في رابطة الأدب الحديث التي يترأسها الناقد العظيم مصطفى عبد اللطيف السحرتي.

فسافرت في الباخرة "الجزائر" من ميناء بيروت متوجهاً إلى مدينة الإسكندرية التي وصلها بعد رحلة 23 ساعة ومكثت في الإسكندرية يوماً واحداً تجولت في بعض أحيائها وأسواقها وذهلت من جمالها الساحر وروعة كورنيشها البديع، وسافرت في صباح اليوم التالي بالقطار المجري السريع فوصلت القاهرة غب ثلاث ساعات أو أكثر تقريباً وحللت في فندق لونابارك بشارع إبراهيم باشا – الجمهورية حالياً – واتصلت فور وصلي بصديقي الكريم وديع فلسطين هاتفياً الذي رحب بي أجمل ترحيب وزودني بعنوان (مقر رابطة الأدب الحديث) لنلتقي معاً خلال معاد الندوة في اليوم التالي.

وحقاً ذهبت للرابطة ووجدت طائفة كريمة من الأدباء والشعراء المبدعين الذين رحبوا به وبدأت الندوة بكلمة السحرتي العظيم الذي أشاد بشعري وديواني كما تحدث الدكتور كمال نشأت والشاعر الربيع الغزالي ووديع فلسطين والشاعر كمال عمار وغيرهم من الأستاذة الأجلاء، وقد شكرتهم في الختام بكلمة قصيرة – كدت بها أذوب حياء وتواضعاً لهذا التكريم الحافل لشخصي الضعيف – ومنذ تلك السنة التاريخية وأنا أواصل السفر إلى هذه المدينة الخالدة وقد سافرت إلى شتى دول الغرب أمثال فرنسا وإنكلترا واسكتلنده وسويسرا وبولندا واليوان وألمانيا ومعظم الدول العربية فلم أجد في حياتي أجمل من أم الدنيا (مصر) التي زرتها حتى عام 2010 ثلاثاً وعشرين مرة وفي كل مرة أزداد حباً لها وإعجاباً بشعبها الكريم الذي يفتح أياديه وقلبه لكل زائر... وخاصة للعراقيين، وقد عرفت خلال هذه السفرات العديدة للقاهرة معظم أروع شعرائها وأدبائها وكتبوا عني وعن شعري أجمل القصائد أمثال: أحمد رامي، صالح جودت، محمد عبد الغني حسن، وعبد العليم القباني، وادور حنا سعيد، ومحمود أبو الوفا (صاحب أغنية عندما يأتي المساء) للعظيم محمد عبد الوهاب وعبد الرحمن الخميسي ود. محمد عبد المنعم خفاجي.

ومن النقاد والأدباء: د. كمال نشأت، مصطفى السحرتي، كمال نجمي، عبده بدوي، صالح جودت، محمد رضوان، علي الجندي، إبراهيم المصري، عبد الفتاح البارودي، أنيس منصور، محمد الجيار، د.عبد المنعم خفاجي، وديع فلسطين، أنور الجندي، وغيرهم ممن لا تعيهم الذاكرة الآن.

وقد طبعت وصدر لي في القاهرة سبعة دواوين وهي:

1- أحزان البنفسج 1968

2- الشوق الغارب 1969

3- صلاة العطر 1970

4- الرحيل في الدروب النائية 1975

5- أنين القيثارة 1971

6- أغنيات على شفاه الليل 1973

7- مرافئ الأشواق 1982

صدرت حتى الآن 23 ديواناً شعرياً في الحب والغزل وقد صدر ديواني الأول (نداء الأعماق 1955) كما أدرت كتابي إلياس أبو شبكة – مقالات ورسائل 1988 (طبعة أولى) وكتابي الثاني (مذكرات في الأدب) 1988 طبعة أولى – وجمعت رسائل الأدباء والشعراء الذين راسلوني منذ عام 1951 وقد ظهرت هذه الرسائل في 11 مجلداً بعنوان (عبد الخالق فريد في رسائل أدباء عصره) وسيصدر قريباً الجزء الثاني عشر من هذه الرسائل وعدد الأدباء والشعراء الذين ذكروا في هذه الأجزاء يتجاوز 120 أديباً وشاعراً.

لم أشارك إلا في مؤتمرين أدبيين أولهما مربد 1989 الذي ضيفني إليه الصديق الراحل عبد الجبار داود البصري، والثاني في مؤتمر الشعراء العراقيين الذين أقيم في الكويت وبدعوة من الصديق الراحل الكبير هلال ناجي في مايس 2005 ولم أشارك بأية فعالية في هذين المؤتمرين.

لم أنتم إلى أية جمعية أو اتحاد أدبي في العراق منذ بدء مسيرتي الأدبية والشعرية حتى هذا اليوم.

بعض المراجع التي فيها تنويه بذكري هي:

1- نقدات عابر: للناقد الكبير مارون عبود – بيروت 1956.

2- شعراء معاصرون للأديب والشاعر هلال ناجي – القاهرة 1962 مطبعة دار الكرنك.

3- الشعر العربي المعاصر: الدكتور أحمد قبش – دمشق 1975.

4- مصادر الدراسة الأدبية: يوسف أسعد داغر – منشورات الجامعة اللبنانية 1983.

5- عبد الخالق فريد – في رياض الأقحوان – الدكتور عبد الله الجبوري بغداد 2007.

6- شاعر الأعطار والأنغام – لفيف من الشعراء العراقيين والعرب – القاهرة 1076.

7- شعر عبد الخالق فريد – آراء ودراسات نقدية – القاهرة 1980

8- أدباء وعلماء وعرفتهم – الأستاذ أحمد عبد اللطيف الجدع – عمان – دار الضياء 2008.

9- محمود الوفا – مجموعة أعماله الكاملة – تعريف بعبد الخالق فريد من خلال قصيدة كتبها عنه الشاعر الكبير محمود أبو الوفا (شاعر أغنية عندما يأتي المساء).

10- هلال ناجي في ميلاده السبعين – قصيدة أهداها عبد الخالق فريد لهلال ناجي فوصفه هلال بترجمته أمير شعراء الغزل في العراق.

11- مجلة الهلال المصرية عدد شباط 2011 فيها حديث عن عبد الخالق فريد شاعر الحب والجمال.

12- آخر شعراء الرومانسية: كتاب صدر عن شعري ودواويني الشعرية في نيسان 2011.

13- 90 قصيدة غزل: كتاب من تأليف علي هاشم -  بيروت 1970.