تخيّل...
تخيّل...
مادونا عسكر
تخيّل أنّي زنبقة منحنية أمام وجهك الحبيب، وأنّك النّدى يمطر طهراً فيغسل قلبها ويرويه نعماً لا تنضب. وأنّك البستانيّ الّذي يرعاها صباحاً ومساء، فيطيب لها أن تترعرع بين يديك، حتّى تنمو وتلامس سمو روحك.
تخيّل أنّني دالية تتلألأ عناقيدها في حقلك وأنّك تقطفها وتعتصرها مُداماً، تملأ به خابيتك وتحفظه لسنين عديدة في كهفك الأمين، حتّى إذا ما عتق وطاب سقيت به جذور قلبك لينبض بخمرة حبّي.
تخيّل أنّك واقف على قمّة جبل عالٍ تتأمّل عمق كيانك، وإذ تتملّى سحر سكونه، ترى عينيّ ترنوان إليك كلّ حين، ترجوان حنوّ فؤادك وتحنانه. عيناي الشّاخصتان إليك أبداً، تستقيان من إشراقك نوراً تفعم به سراجها.
تخيّل أنّي جائع ملقى على حافة هذا العالم، يتوق إلى قوت أبديّ يشبع روحه ولا يشبعها، وأنّك بيدر قمح مقدّس، كلّما لامسه جوعي انحنت سنابله لتمنحه خبز الحياة الأبديّة.
تخيّل أنّك نهر من الآلام، ينبع من أعالي السّعادة، ثمّ يفيض وينسكب في بحري، يمتزج به، ويحوّل أمواجه المالحة عسلاً تذوقه الرّوح فتثمل من خمرة الألم وتنتشي، ويتقدّم مدّ الحبّ فألتحم برمالك الملتهبة من نار عشقك. وإذ يسطع مجد نورك أتبخّر هياماً وأستحيل ديمة تمنح العالم عبرات حبّك السّرمديّ.
تخيّل أنّي قبر دامس، مظلم يترقّب بزوغ فجرك، حتّى إذا ما تسرّب إلى داخله سناك، شقّ الظّلمة، مزّق أكفان الموت وفجّر منه الحياة. وأنّك ملاك يتجلّى بأبهى حضور، يمدّ يده ليحملني إلى ذرى قلبك.
تخيّل، لا ليسرح بك الوهم وتبني قصوراً من الأماني البعيدة، ولا ليتبعثر الرّجاء كدخان في الفضاء، وإنّما تخيّل عظمة الحبّ، لتدرك مقاصد لغتي القاصرة والمقصّرة. تخيّل، حتّى تبلغ معانيه المقدّسة الّتي تعجز قواميس العالم عن ترجمتها حروفاً وكلمات. فحبّك يا سيّدي كنجمة الصّبح الفريدة والمتفرّدة بفتنتها، كالسّماء البعيدة القريبة برحابها، كأيقونة أمضى كاتبها سنين طوال ينحت في قلبه كلامك العذب، ويتنسّم عبير بخورك المتهلّل. حبّك يا سيّدي، أرفع من اللّغة بل فوق كلّ لغة، أنت الّذي يليق بك وحدك كلّ الحبّ.