البعد السيكولوجي في خطبة الأسد
د. خالص جلبي
بتاريخ 6 يناير 2013م خطب الأسد من جديد في أتباعه وحاول أن يختصر المعارضة بعصابة إرهابية وتقدم بمشروع لحل الأزمة وفسر الماء بالماء فهتف له الأتباع طويلا بطول العمر.
أنا شخصيا أعتبر أن كل حل يتقدم به الأسد لا يقترب من الحل إلا بعدا. السبب هو تكسر جسور الثقة بينه وخصومه. كما أن الدماء التي سالت جعلت أي حل ليس بحل.
حاولت أن أرى المسألة من وجهة نظر نفسية. في محاولة لدخول نفسية الطاغية ومعرفة كيف يفكر؟ حاولت استحضار المسألة من زاوية سيكولوجية بحتة من دراسة وقعت تحت يدي بعنوان سيكولوجية السيطرة والانصياع.
مما أذكر قصة معتقل سياسي يساري في سوريا لبث في السجن مدة 12 عاماً بسبب تورطه في تنظيم سري، وكان أفضل حظاً من آخرين فقد قضاها في زنزانة جماعية. وهناك من بقي في الإفرادية أطول بحيث خرج يترنح بين الجنون والعبقرية.
قال لي في إحدى الليالي أراد أن يعاقبنا السجَّان لسبب فلم يعثر عليه ولكنه رأى أحد الناس يصلي فلما طلب منه المثول لم يشأ أن يقطع صلاته فكلفه هذا أن يسحبه السجَّان ويرمى به الليالي ذوات العدد في إفرادية مظلمة. كان من يحكم وينفذ هذا نفس الجلاد وبرتبة صغيرة وعنده صلاحية أن يتصرف في مصائر الأفراد كيفما يحلو له بالتعذيب والإذلال.
إن هذه القصة تحكي مرض (علاقات القوة) بين الناس وتتبدى في صورتها العارية في السجن. وكما قال (أتيين دي لابواسييه) في كتابه (العبودية المختارة عام 1562 م):
(يجب أن لا نراهن على الطيبة الموجودة في الإنسان طالما يمكنه أن يؤذي ومعه مفاتيح القوة).
جميل ما ذكره باسكال في نفس السياق:
( أي شيء هذا الإنسان الذي يجمع بين الحكمة وبالوعة الضلال أن يكون قديسا أو وحشا. في كل فرح حزن. ومع كل حياة مأتم. فمن يحل لنا هذا التناقض؟
في ألمانيا عرض فيلم (التجربة Das Experiment) في شهر مارس من عام 2001 م عن العلاقة بين السجان والمسجون والجلاد والضحية فذعر الناس من رؤية الوحش المختبئ داخل كل منا ينتظر لحظة الانقضاض.
كان الفيلم تكرار لتجربة (ستانفورد Stanford) التي طبقت عام 1971 في كاليفورنيا التي كانت الأولى والأخيرة في هذا النوع من تجارب علم النفس بسبب الضجة الهائلة التي أطلقتها في الوسط الأمريكي.
ما هي القوة؟
يجيب (فيليب زيمباردو Philip Zimbardo) عالم النفس الاجتماعي الأمريكي: (إنها متعة الإلهة أفروديت).
ويقول الغزالي في كتابه الأحياء: (إنها أعظم اللذات قاطبة ولا تقترب منها اللذة الجنسية بحال ولا تقارن).
هي ممارسة الإلوهية بدون اسمها، وهي آخر ما يخرج من قلوب الصالحين، وصدق الإعرابي حينما وصف متعتها: (يا حبذا الإمارة ولو كانت على الحجارة)، أو على الجثث عند السياسيين.
يروى عن (لينين) قوله:(إن موت ثلاثة أرباع الشعب الروسي ليس بشيء إنما المهم أن يصبح الربع الباقي منهم شيوعيين) و(لينين) كان كاتباً محترفاً ألَّف أكثر من 55 كتاباً ولم يمارس القتل قط ولكنه مع التربع على عرش السلطة أرسل إلى الموت الملايين؟
أما (ستالين) فكان يعتبر موت الإنسان (الفرد) قد يكون تراجيديا ولكن موت الملايين مسألة إحصائية.
ضمن الملف السري للينين الذي كشف عنه النقاب أخيراً وسمح للباحثين بالاطلاع عليه في سرداب تحت الأرض بثلاث أبواب تصمد لضربة نووية تمت قراءة خطابات لينين الأصلية، وكيف كانت حياة الناس تنهى في كلمات وجمل قصيرة، فكل إنسان لا يزيد عن نقطة من حرف، وعرف أن تلهفه لتحقيق أفكاره قامت على خرافة عجيبة، فمع أن كل من حوله وكل الظروف وكل أفكار (كارل ماركس) كانت تقول إن الشيوعية هي ولادة من آخر مراحل الرأسمالية، وأن المجتمع الروسي متأخر لم يدخل المرحلة الرأسمالية بعد، إلا أن لينين قام بحرق المراحل لوقوعه تحت تأثير نبوءة من سيبريا، وقول لطبيب في سويسرا أن دماغه معتل ولن يعمر طويلاً. وفعلاً مات لينين عن عمر صغير وأقام شيوعية بنسخة مزورة بالإرهاب الأحمر وحرق المراحل، بما فيها حرق شعب بأكمله، وإرساله في طوابير لا تنتهي إلى الموت. واليوم يحشد الشيوعيون كل المؤمنين به ليزوروا ضريحه فلا يتجاوزوا المئات أمام عزم الحكومة السوفيتية على إنهاء خرافة معصوميته، وسوق الملايين من الناس زورا في طوابير ذليلة يتبركون برؤيته ويتمسحون بقبره، وكلفة حفظ جسمه مبرداً تعمل له مؤسسة على مدار الساعة بميزانية بالملايين.
صدق الرسول ص:(خير القبور الدَّرس).