الإبراهيمي إذ يهدد الشعب ويتجاهل النظام!!
الإبراهيمي إذ يهدد الشعب ويتجاهل النظام!!
ياسر الزعاترة
لا يحتاج المرء إلى كثير ذكاء كي يلحظ ذلك الميل من طرف الإبراهيمي لتحميل المعارضة مسؤولية إفشال الحل السياسي، وإن لم يقل ذلك بشكل مباشر. من الصعب الدخول في لعبة التحليل النفسي للرجل، كما أن من الصعب الحديث عن استقلال كامل لحراكه السياسي، وإن استبعدنا أن يضع أي أحد فيتو على أية نتيجة يصل إليها يمكن أن ترضي المعارضة والنظام، لأن ذلك سيكون بمثابة تدخل مفضوح لا يمكن لأي طرف التورط فيه.
تبدأ المعضلة مع الإبراهيمي من لعبة التوصيف للوضع القائم في سوريا، والذي يبدأ من مصطلح الصوملة، وهو تحذير يبدو مبالغا فيه، لاسيما حين طرحه معطوفا على نفي إمكانية التقسيم، وتحدث عن أمراء حرب يسيطرون على المواقع التي يتحصنون فيها.
في سوريا يصعب تصديق هذه النظرية لاختلاف الظروف التاريخية والحضارية بين البلدين، لأن الشعب السوري لن يقبل ببساطة لعبة أمراء الحرب الذين يتحكمون بحياة الناس، ولن يلبث أن ينتفض في وجوههم إذا فعلوا ذلك.
اللافت في خطاب الإبراهيمي أنه، وخلافا لبعض الخطاب الروسي (بوغدانوف مثلا)، وجزء كبير من التقارير الغربية لم يتحدث أبدا عن إمكانية سقوط النظام، ولو خلال شهور عديدة وليس مجرد أسابيع، مع أن مراقبا عاقلا لا يمكنه التورط في حسم من هذا النوع في سياق الحديث عن نظام أمني مغلق لا يمكن لأحد التنبؤ بلحظة انهياره، ونتذكر في هذا السياق ما سبق أن قيل عن معركة طرابلس في ليبيا التي يمكن أن تمتد لشهور طويلة، وإذا بها تنتهي خلال ساعات.
هو في الخلاصة يوجه الخطاب (بل التهديد) للشعب السوري وللمعارضة وليس للنظام، وخلاصته: إما أن تقبلوا بحل بوجود بشار الأسد في السلطة، ولو لعام أو أكثر، أو تنتظروا حالة صومالية، مع 100 ألف قتيل خلال عام واحد فقط كما قال.
هل يعقل أن يصدر هذا الكلام عن وسيط محايد؟ أليس من الطبيعي أن يوجه تحذيرا مماثلا للنظام وللفئة التي تلتحم معه في المعركة، كالقول مثلا إن مصيرا سيئا ينتظرها في حال إصرارها على المعركة التي أخذت تنحو منحى طائفيا، وأنها -أعني الفئة إياها- تضحي بمصيرها ومصير أبنائها في معركة يائسة مع نظام سيسقط يوما ما، إن لم يكن بعد شهور، فبعد سنوات لن يكونوا خلالها مستمتعين بقتل الآخرين، بل سيُقتل منهم الكثير (صفوة أبنائهم) أيضا؟!
الإبراهيمي كان يهدد الشعب السوري، وأقله المعارضة وحدها، ويقول لها بشكل غير مباشر: إن عليها الاعتراف بأنها لن تُسقط الأسد بقوة السلاح، وإن عليها القبول به لفترة انتقالية الله أعلم بما يجري بعدها، بينما لا يوجه أي خطاب مماثل للطرف الآخر الذي يملك بكل بساطة حماية نفسه ومقدرات البلد من خلال قبول تنحي بشار مقابل الإبقاء على مؤسسات الدولة ومن ضمنها الجيش.
هذا الخطاب الذي تبناه الإبراهيمي خلال الأيام الماضية لم يأت من فراغ، بل جاء نتاج شعور بأن الغرب لم يعد معنيا بحل سريع للأزمة لا يتطلب تدخلا عسكريا مباشرا بقرار من مجلس الأمن، بل مجرد السماح بمد الثوار بأسلحة نوعية يمكنها حسم المعركة.
والحال أن هذا الموقف الغربي لم يأت بدوره سوى نتاج لتبدد شعور الكيان الصهيوني بالخوف من وقوع السلاح الكيماوي في أيدٍ غير أمينة، وبالطبع بعد أن جرى تحديد أماكنها بدقة، مع حصول نتنياهو على ضمانات روسية في السياق، ووجود فرق «كوماندوز» غربية في الأردن على أهبة الاستعداد للانقضاض عليها ونقلها إلى أماكن أخرى حال سقوط النظام.
بعد تأمين السلاح الكيماوي صارت مصلحة نتنياهو هي ذاتها القديمة ممثلة في إطالة أمد المعركة من أجل تدمير سوريا وإشغالها بنفسها لعقود طوية، أما الفوضى المحتملة فسيجري التعامل معها من خلال جدار تقرر بناؤه وسيفصل الكيان الصهيوني عن الأراضي السورية «غير المحتلة»، وهو سيناريو يبدو مناسبا لإيران التي تريد سوريا مدمرة لا تؤثر على منجزاتها في العراق ولبنان، فيما يرى نتنياهو أن استنزاف إيران في سوريا قد يشعل ثورة داخلية فيها، أو يصل بها إلى وضع اقتصادي بائس يدفعها إلى التنازل من المشروع النووي فرارا من العقوبات (روسيا أيضا لا تريد هزيمة تضرب هيبتها الدولية). كيف يمكن الرد على هذا الوضع البائس؟! هذا السؤال موجه إلى تركيا بشكل أساسي، ولقوى المعارضة ولبعض الدول العربية الداعمة لها، والرد عليه يكون ببناء استراتيجية جديدة تؤمن الحسم العسكري في أسرع وقت ممكن، أو تقربه بما يدفع النظام لقبول الرحيل الطوعي، وهي استراتيجية لا تبدو متوافرة بشكل جيد.
ليست لدينا تفاصيل حول الاستراتيجية المشار إليها، لكن تفعيل العمل الشعبي داخل المدن لإرباك النظام، وصولا إلى عصيان مدني، مع الضغط العسكري ربما كان جزءا من الحل، مع إحداث اختراقات في المدن لا تدفع إلى تدميرها، فضلا عن توجيه نداءات للنخبة العسكرية العلوية (اتصالات إذا أمكن) بأن انقلابها على بشار سيفضي إلى تفاهم معها يرضي الجميع.