لافروف في معركته الأخيرة .. وإيران أيضا
ياسر الزعاترة
منذ شهور طويلة، لا نرى لوزير خارجية روسيا أي عمل حقيقي خارج سياق المتابعة الحثيثة للمعركة الدائرة في سوريا، فيما يلاحظ الجميع تلك المسافة في المواقف بينه وبين نائبه بوغدانوف على سبيل المثال، ولا يعرف ما إذا كانت إيران قد اشترت جهوده تلك بطريقة أو أخرى، لاسيما أنه يبدو أكثر تشددا حتى من بوتين نفسه، فيما يتحدث عن المنطقة في بعض الأحيان كما لو كان شيعيا يدافع عن الشيعة ضد طغيان السنّة، وهو خطاب يثير الانتباه، معطوفا على قدر من الازدراء.
وفيما يؤكد المراقبون أن الخناق قد أخذ يضيق على بشار الأسد، فإن أحدا لا يمكنه الجزم بمدى قدرة نظامه على الصمود، أولا بسبب الإصرار الإيراني الروسي على الدعم، وثانيا لأن الثوار لا يزالون يترددون كثيرا في اقتحام المدن والمكوث فيها خشية تدميرها كما حصل في مدن عديدة مثل حلب وحمص، فيما يتحصن فيها النظام، من دون أن يذهب بعيدا في مهاجمة مواقع الثوار من حولها.
حين يشرع الصهاينة في بناء سور في المناطق المحتلة بغية النأي بأنفسهم عن مشاكل ما بعد الأسد (لم تكن هناك حاجة للسور قبل ذلك!!)، فهذا يعني أنهم باتوا يقرؤون المشهد على نحو مختلف، الأمر الذي ينطبق على الفرقاء الآخرين.
يمكن لبشار أن يصمد أكثر، ويواصل التدمير أيضا، لكن عاقلا لا يمكنه القول بقدرته على الانتصار، وهو ما اعترف به نائب لافروف (بوغدانوف)، واعترف به فاروق الشرع أيضا، بل ويعترف به حلفاء آخرون يقولون ذلك في الغرف المغلقة، ولعل ذلك هو ما يدفع الآن نحو هذه الحركة المحمومة من أجل إنجاز حل سياسي بتوافق أمريكي غربي روسي، وبالضرورة إيراني.
لم يكن بوسع الأخضر الإبراهيمي أن يتحدث من قلب دمشق عن حكومة “بصلاحيات كاملة”، مشددا على الصلاحيات الكاملة، لولا تأكده من أن أمرا كهذا لن يثير حفيظة الروس والإيرانيين، فضلا عن الأسد نفسه، ولا قيمة بعد ذلك لتصريحات لافروف التالية التي تمارس الغطرسة في الوقت الضائع.
ما بات واضحا منذ شهور أن الوضع على الأرض لا يُدار إلا من قبل النخبة العسكرية والأمنية العلوية (معها قلة قليلة غير فاعلة من السنة)، وهي نخبة لا يمكنها القبول برحيل طوعي للأسد لا ينطوي على تسوية سياسية تحميها من مغبة الانتقام.
هذا الوضع تدركه إيران، وتدركه روسيا، وكلاهما معنيتان بهزيمة أقل وطأة في سوريا؛ تحافظ على الحد الأدنى من هيبتهما ومصالحهما، ولن يحدث ذلك إذا ما استمرا في سياسة العناد حتى الرمق الأخير، لاسيما أنهما لا يملكان ضمانات بقدرتهما على حماية النظام من الانهيار بين لحظة وأخرى.
الأطراف الغربية، وفي مقدمتها أمريكا تدعم الحل السياسي، ليس خوفا على السلاح الكيماوي لصالح إسرائيل فحسب، وإنما على أمل التأثير في الوضع التالي بعد الأسد أيضا (هذا ليس قدرا بالتأكيد)، وعلى هذه القاعدة المشتركة تتم الحوارات، لاسيما أن قوى المعارضة وفي مقدمتها الائتلاف ستقبل على الأرجح حكومة كاملة الصلاحيات مع رحيل الأسد، وبالطبع خشية التدمير الكامل وخسارة المزيد من البشر، وفقدان مؤسسات الدولة وصولا إلى الانهيار. صحيح أن هناك أطرافا على الأرض لا زالت تشكك في الائتلاف وتصر على حسم عسكري شامل، لكن هذه الأطراف لن تكون قادرة على تجاهل الرأي العام الشعبي الذي قد ينحاز لحل سياسي (جيد) يحافظ على ما تبقى من مقدرات البلد، ويوقف سيل المعاناة.
مما تابعناه في الأيام الماضية، وبعيدا عن لغة لافروف المتشددة، يمكننا القول إن ثمة أفقا لانفراج سياسي يبدو أن النخبة المحيطة ببشار لا تمانع في دفعه قدما إلى الأمام، وإذا ما تواصلت الجهود، فإن المعركة قد تكون في طريقها إلى أن تضع أوزارها، وإن كان من الصعب الجزم بتفاصيل المرحلة التالية التي لن تمر بسهولة ويسر. إذا لم يحدث ذلك، وعاد الروس للاستجابة لتشدد لافروف، فستستمر المعركة وصولا إلى حسم عسكري لم يعد موضع شك، وإن بدا من الصعب الجزم بتوقيته.