الرئيس مرسي وضريبة الدفاع عن غزة...!!!
حسام مقلد *
ربما لا يعرف الكثيرون سر الأزمة المفتعلة التي انفجرت وتفاقمت دون مبرر في مصر خلال الأسابيع الماضية!! ويتساءل هؤلاء: ما الذي يجري؟! ما الذي سرَّع وتيرة الصراع السياسي في مصر؟! ثم ما الذي دفع المعارضين للرئيس الشرعي الدكتور محمد مرسي للخروج عليه ومحاولة إسقاطه ولمَّا يكمل بعدُ في منصبه ستة أشهر؟!
ويتساءل كثيرون: هل أدخل السيد الرئيس مرسي يده في (عش الدبابير) فهيَّجهم عليه بهذه الحدة والشراسة؟! ثم لماذا كل هذا الشحن والتحريض على الرئيس وعلى الإخوان المسلمين؟! ولماذا يدفع بعض رموز المعارضة الوضع للانفجار لدرجة التهديد علانية بإشعال حرب أهلية مدمرة دون أية مراعاة للمصالح المصرية العليا؟! ولمصلحة من جر البلاد إلى الهاوية بهذا الشكل المفتعل المتسارع الذي لا يوجد ما يبرره لأي صاحب بصيرة يفكر بمنطق وعقلانية؟!!
مفتاح الحل وكلمة السر لكل هذه التساؤلات هي (غزة) وموقف مصر الجديدة من مأساتها؛ فخلال العدوان الصهيوني الغاشم الأخير عليها ظهرت قوة الرئيس المصري الجديد الدكتور (محمد مرسي) وظهرت قوة مصر الحقيقية وقدرتها على الردع والتأثير في مجمل أحداث المنطقة، وذلك من خلال دعم الرئيس مرسي غير المحدود لقطاع غزة بكل السبل والوسائل دون النظر إلى أية ضغوط أمريكية من أي نوع!!
إن صواريخ حماس على تل أبيب أحدثت دويًّا هائلا في واشنطن وغيرها من العواصم الغربية التي زرعت إسرائيل في قلب العالم العربي وتضمن بقاءها وتتعهد بحمايتها وتقيم شراكات إستراتيجية معها، وهنا استشعرت الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها خطر مصر القوية على مصالحهم في المنطقة، إنهم لا يريدون مصر قوية، ولا يريدون رئيسا مصريا قويا يحقق مصالح شعبه ويناصر قضايا أمته، إنهم لا يريدون زعيما عربيا قويا يقف ضدهم ويهدد مصالحهم.
لقد جاء الرد الأمريكي الغربي سريعا جدا على موقف الرئيس مرسي القوي المتضامن مع أهلنا الفلسطينيين في غزة، حيث أثاروا القلاقل في وجهه وحركوا عرائسهم (...!!) بسرعة على المسرح السياسي بطول المنطقة كلها من دبي ورام الله إلى بيروت والقاهرة وغيرها من العواصم... وصدرت أوامر عاجلة وتعليمات مشددة لكافة وسائل الإعلام المصرية وزعامات الأحزاب الكرتونية بتسخين الأجواء وزيادة شحن جماهير المصريين ضد مرسي والإخوان والمشروع الإسلامي برمته، ودفع الشعب المصري للمطالبة بإسقاط النظام ونزع شرعيته!!
وبالعودة إلى جهاد الإخوان المسلمين التاريخي من أجل فلسطين وموقفهم المبدئي المشرف من القضية الفلسطينية واعتبارها قضية العرب والمسلمين الأولى، وسعيهم الدؤوب لتحرير فلسطين وعلى وجه الخصوص القدس الشريف وفك أسر المسجد الأقصى المبارك الذي يرزح منذ عقود تحت نير الاحتلال الصهيوني ـ بالعودة إلى ذلك التاريخ الناصع يتأكد لدينا أن الإدارة الأمريكية لن تهدأ حتى تسقط مرسى أو على الأقل تضعفه وتنتزع مخالبه إن لم تتمكن من اصطناع معارضة على مقاسها تصل بها لسدة الحكم في مصر لتعمل من أجل مصالح الصهاينة والأمريكان (والغرب عموما) كما كان المخلوع مبارك خادمهم وكنزهم الاستراتيجي، وهذا لن يحدث أبدا بإذن الله تعالى فقد تغير الزمن...!!
وهذا التحليل يؤكده في الواقع أن الإدارة الأمريكية في الآونة الأخيرة قدمت وما تزال تقدم دعما سخيا للمعارضة المصرية (ماديا ولوجستيا ومخابراتيا....!!!) لإسقاط الرئيس مرسي أو إضعافه على الأقل، ولعل هناك بعض الشواهد التي تدل على ذلك من بينها روح التحدي والتصعيد المستمر في لهجة المعارضين المصريين رغم تهافت حُجَجِهم، وبهتان دعاواهم، وبطلان مزاعمهم وافتراءاتهم، وهزال وهشاشة ظهيرهم الشعبي في الشارع إذا ما قورنت أعدادهم بملايين المؤيدين والداعمين لشرعية الرئيس، إضافة إلى رفضهم حضور المناظرات الانتخابية العلنية لمناقشتهم في وجهة نظرهم.
ومن هذه الشواهد كذلك لغة الصلف والغرور التي يتحدث بها الهارب (أحمد شفيق) والمدعو (ضاحي خلفان) لحد جزم الأخير منذ أيام بأن نظام الرئيس مرسي سيسقط خلال شهرين، وهذه اللقطات يصبح لها دلالة أخطر في رأيي عندما نجمع أجزاء الصورة ونتأملها جيدا، لاسيما لو أضفنا إليها ما يرشح على السطح من أنباء مثل: التقاء حمدين صباحي بسمير جعجع (مفجر الحرب الأهلية اللبنانية) في بيروت، ودعم النظام الإيراني لصباحي وإنفاق إيران على حملته الانتخابية، بالإضافة إلى مغازلة البرادعي للصهاينة وتصريحاته عن المحرقة (الهولوكست) وتكالب جميع القنوات المصرية بما فيها القنوات الرسمية على الرئيس وشن حملة ممنهجة لتشويهه وشيطنة جماعة الإخوان المسلمين ومحاولة جرهم للعنف، وكذلك الدفع بفصيل من القضاة للتغول على السلطة التنفيذية ممثلة في الرئيس مرسي لعرقلة مسيرته وإفشاله في النهاية.
لكن المفاجأة الكبرى التي أفشلت المؤامرة على مصر ورئيسها الشرعي الدكتور محمد مرسي كانت ملايين المصريين الذين نزلوا واحتشدوا في الميادين والشوارع دفاعا عن رئيسهم الشرعي وعن كرامة وطنهم وأمتهم ...
والمفاجأة الأكبر التي أذهلت العالم كانت ملايين المصريين الذين وقفوا ساعات طويلة أمام صناديق الاقتراع للاستفتاء على الدستور، فهؤلاء أيا كان قرارهم السياسي إلا أنهم قدموا للعالم شهادة مليونية موثقة بالصوت والصورة تقول: إن شعب مصر شعب راقٍ متحضر يتمسك بالشرعية ويسعى لبناء مؤسسات بلاده لتحقيق الاستقرار، وأنه يلتف حول رئيسه الشرعي الدكتور محمد مرسي ولن يرضى عنه بديلا؛ لحماية الدولة من الانزلاق نحو المجهول!!
وانتظروا الجولة الثانية من الاستفتاء على الدستور فبإذن الله سيكون الشعب المصري تعالى أكثر روعة وبهاء... وإن شاء الله سيكون الحشد أكثر جمعا، وتكون النتائج أشد حسما، حيث ستقول الملايين نعم للدستور؛ لأن جموع المصريين تنحاز للاستقرار والبناء لتحقيق التنمية والرخاء ...!!
* كاتب إسلامي مصري