الائتلاف: فلسفة ووقائع
الائتلاف: فلسفة ووقائع
عقاب يحيى
كلمة إئتلاف مشتقة من التآلف، والإلفة، أي المحبة.. ولأنه مسيّس تبدو المحبة مُبرمجة، أو مُقحمة في ثقب الحسابات الفئوية والسياسية والشخصية، بما يُضعف مضمون المصطلح، ويجعل مفهوم التحالف أقرب للحقيقة .
ـ الإئتلاف مشروع فرضته ضرورات تطور الثورة، وحاجتها إلى إطار جمعي، مرشّق عددياً، يمثل أكبر مروحة للمعارضة من جهة، ويتلافى الإشكالات التي وقع بها المجلس الوطني، والتي منعته من أن يكون القادر على إنجاز المهام المناطة بالإئتلاف، آخذين بالاعتبار عاملين متضافرين :
ـ تصاعد وتيرة الثورة السورية على الأرض، ووجود مساحات واسعة محررة، والحاجة الماسة لحكومة، أو جهة تنفيذية تتولى فوراً عبء الأوضاع الناشئة، وإدارة المناطق المحررة، وتوفير المستلزمات الضرورية للشعب والثورة والمقاومة المسلحة، والتهيّئة الجدية لمروحة الاحتمالات المتوقعة على جبهة الطغمة : سقوطاً، أو انهياراً، أو تصعيداً خطيراً، أو هروباً للساحل..أو تثمير مفاوضات المبادرات ..إلخ .
ـ وآخر يتعلق بتطور نسبي في المواقف العربية والدولية باتجاه دعم بلورة جسم سياسي يتولى المسؤولية على الصعيدين : المحلي والخارجي، قادر على حمل الأعباء الكبيرة، وقيادة المرحلة الحالية حتى سقوط النظام واجتماع المؤتمر الوطني الجامع .
ولئن كان الحديث عن الوضع الدولي ومروحته يتشعب ويطول، خاصة حول ماهياته ومدى جديته، وهل غادر حالة الانتظار، وحالة المراهنة على مبادرات سياسية، ومقايضات مع الروس والإيرانيين.. إلى الدعم الواضح للشعب السوري ومقاومته المسلحة، والاعتراف بالإئتلاف ممثلاً شرعيا بكل المستحقات الناجمة عن ذلك؟؟.. ونخصّ به حدود الموقف الأمريكي الذي ما يزال غير حاسم، وما يزال يستخدم ما يعرف بالسياسة الناعمة..؟؟...
*****
ـ الإئتلاف حالة خاصة تقع بين القيادة السياسية، والبرلمان . فهو من جهة صيغة تحالف سياسي يتولى مهاماً سياسية قيادية من طراز رفيع، ويتنطح لتمثيل الشعب السوري، ومن جهة أخرى فهو أقرب للبرلمان من حيث التشكيل، وصلاحيات التشريع.. الأمر الذي يخلق نوعاً من البلبلة والاختلاط، وعدم وضوح التخوم بينهما، فالبعض يعتبره تحالفاً سياسياً صرفاً بكل المواصفات، بما فيها الصراعات السياسية لمكوناته، وحق كل طرف بالحفاظ على مكوّنه، وتنفيذ القرارات، والعودة للمرجعيات التي يتبع لها، أي أنه ليس ممثلاً لحالة برلمانية، بل لوضع حزبي، أو تكتلي، بينما يراه آخرون صورة عن برلمان وجد بالتعيين، وبالتالي يجب أن يكون العضو فيه ممثلاً للشعب وليس للجهة الحزبية التي جاء منها، وأن تنتهي العصبوية الحزبية، وقصة الحصص، والتكتلات الانتخابية، والتصويت المبرمج.. هذا التشويش، وغيره من نقص يعود إلى غياب الرؤية السياسية والبرنامجية للإئتلاف، ورفض المعنيين به، حتى الآن، من تشكيل لجنة سياسية مصغرة تطور وثائق القاهرة بما ينسجم والتطورات، والحاجات الملحة والأفقية للثورة، وتضع مروحة الاحتمالات البرنامجية لأشكال سقوط نظام الطغمة، والتحضير لكل منها .
ـ العديد من أعضاء الإئتلاف يعتقدون أن غرضه الأول، والأساس، والمبرر هو إسقاط النظام.. وفقط، ويتصورون أن الإسقاط، وتلك الفقط لا تحتاجان لأي سياسية، وبذهن بعضهم أن السياسة خلاف، ومضيعة للوقت، لذلك رفضوا ويرفضون أن تكون هناك مرجعية سياسية، ومهمات برنامجية ولو بالحدود الدنيا، وهذا نقص كبير سيوقع الإئتلاف، وقيادته بالتناقض وحتى الصراع فيما بينهم حول التصورات والمواقفن وهو ما ظهر في أكثر من صورة ومجال .
****
الأخطر الذي يهدد الإئتلاف، منذ تشكيلته، وحتى الآن، هو أن المنتمين إليه لم يندمجوا فيه، لم يتعاملوا معه كهيئة جامعة تنهي ما قبلها من تكتلات، وتُخرج الحزبوية، والمصالح الخاصة، والمحاصصة منه ليلتقي الجميع فيه بكل مشاربهم وتفاعلهم ووجهات نظرهم وأصواتهم المستقاة من وحي وعيهم وقناعاتهم وليست كتجسيد إرغامي للجهات التي يتبعون لها.
هنا يجب القول الصريح أن وضع المجلس الوطني حتى الآن عامل إرباك وتقسيم طالما ظل يتعامل مع الإئتلاف ككتلة تجتمع لمناقشة كافة الأمور وتتخذ قراراتها التي تفرضها على الأعضاء للالتزام بها، والتصويت كبلوك واحد على المرشحين، ولا مانع عند كثيرهم أن يكون جميع الفائزين منتمين إليهم، وبعضهم يعتبر ذلك انتصاراً لمعركة يتصورها ويعيش عليها . وانه كلما حقق تقدماً في زيادة الحصص والسيطرة على المواقع كلما استحوذ أكثر على القرار ..
يقابل ذلك وجود مندوبي الإدارة المحلية، بغض النظر هنا عن مدى التمثيل وما يقال فيه، والذين يتصرفون، أيضاً، ككتلة.. ليصبح الآخرون بين مطرقة المجلس وسندان هؤلاء، وبما جعل كثيرهم يفكر بالانسحاب.. وهو أمر خطير سيهدد الإئتلاف بالتمزق والفرقعة ما لم يتمّ تدارك هذا التخندق وما يفرخه من التسابق على المواقع وكأنها احتلال ومغنم، ونصر ..
ـ إلى جانب ذلك فهيئة الرئاسة الغارقة منذ اليوم الأول بمجموعة واسعة من اللقاءات والزيارات والاتصالات تتصرف وكأنها هي الإئتلاف فتقرر الذي يقع ضمن اختصاصها وخارجه، والبعض قد يتصرف فردياً دون العودة لرفاقه في المؤسسة، بما يعني غياب المؤسسة، والروح الجماعية، وبما يجعل أعضاء كثيرين في الإئتلاف بلا أي عمل أو دور، وكأنهم مجرد أرقام، وواجهات.. في حين كان يمكن، رغم زحمة العمل، توزيع المهام وإنشاء اللجان، وإيجاد عمل لمعظم، ما لم يكن لجميع الأعضاء يشعرون من خلاله بأنهم معنيون، ولهم دورهم، وعليهم واجبات كغيرهم ..
ـ في هذه التركيبة التي جاءت على عجالة، والتي لم تستوعب جميع قوى المعارضة، ولا فئات المجتمع على قدم العدل، وأخص منها النساء الذين جاء تمثيلهن هامشيا .. سيكون من الضروري توسعته بمناضلين ومعارضين حقيقيين، وبعدد من الشخصيات النسائية النشيطة.. قبل أن يتوزع إلى مجموعة من الكتل يفترس كبيرها الأصغر.. لنعود إلى صورة مشوهة من واقع المجلس الوطني .. أو حدوث انسحابات متتالية تسيء إلى سمعته ودائرة تمثيله .
ـ الإئتلاف حاجة ضرورية لبلدنا وثوارنا وشعبنا، وتطويره، والحفاظ عليه واجب الجميع.. وفي المقدمة من ذلك مغادرة سياسة المحاصصة، والتسابق على المواقع وكأنها غنيمة، أو حق مقدس.. وإلا لن يرحمنا شعبنا وسيرجمنا الشهداء والتاريخ والضمير لأننا لم نكن جديرين بحمل الأمانة، ولا الوفاء للدماء والأهداف والتضحيات ..