اللهم لا أسألك رد القضاء، ولكني أسألك اللطف فيه
اللهم لا أسألك رد القضاء،
ولكني أسألك اللطف فيه
د. ضرغام الدباغ
منذ كنا أولاد يافعين، نسمع من آبائنا وكبارنا، أن الإنسان يموت عندما تسقط ورقته من شجرة الحياة، ولا مجال لتبديل هذا القضاء. ولكننا علمنا أن الأجل يأتي بطرق مختلفة، ولله في خلقه شؤون وحكم والعبر أيضاً. فهناك من يغادر الحياة بلمح البصر دون أن يشكو من علة أو مرض، وآخر يتقلب على سرير المرض شهور، وربما سنتين، وهنا بيت القصيد.
قبل شهور كتبنا أن الحكم العائلي السوري يعاند قضاؤه، والله يريد أن يطيل في عمر النظام لأمد وغاية لا يعلمه إلا هو سبحانه، ومن المؤكد أن في ذلك عبرة لبني البشر، للحاكم الجائر والمحكومين المسحوقين. فطول الاحتضار مؤلم، ولكنه ينطوي حتماً على العبرة، ومن ذلك أن يدرك الحكام الظالمين في كل آن وأوان، أن نهايتهم تحل حتى وإن فعلوا المستحيل ليحولوا دونه فالموت آت وإن كنتم في بروج مشيدة، وكل من يعلم بدخائل الشؤون السورية، أدرك أن الثورة بمجرد انقضاء أسبوع واحد عليها، أنها ستتواصل حتى تتطيح بمن وصل لحكم تسلطوا عليه في مسيرة هيمنت عليها أجواء الدسائس والتآمر والغدر والاغتيال، واكتملت حلقات فصول الاستيلاء خلال عقود أربعة ونيف، خيل لهم بعدها أنهم تمكنوا من البشر عندما تمكنوا من تركيب جيش البلاد بما يفيد غايات السلطة والعائلة، وأحكموا حلقات الأمن والمخابرات وكل صنوف التجسس والتصنت على الشعب، حتى غدت آله القمع لا يماثلها جهاز قمعي في العالم، بل وصدروا ونشروا أنشطتهم خارج البلاد إلى ما يجاورها.
اليوم: كل ذلك قد أنتهي وحلت النهاية، القاصي والداني بات مقتنعاً بذلك إلا قادة العصابة المافيوية التي تسمي نفسها زوراً دولة ونظام. تريد أن تواصل الكابوس المرعب، وزعماء العصابة يبحثون عبثاً عن بصيص أمل، ينقذ الزورق المحطم ويفلت من نهايته المحتومة، كل الخدع والأضاليل انكشفت، فلا لافتات الممانعة المزيفة، ولا الشعارات القومية، اليوم سيقفون أمام شعبهم للحساب بعد سنوات طويلة من العبث المجنون، واحتقار الشعب.
العصابة كانت قد استعدت لهذا اليوم، فوفرت مصالح من ضاقت به الحيل، موسكو التي تبحث عن موطئ قدم، فمنحها قواعد بحرية وجوية كانت تحلم بها لقرون طويلة منذ عصور القياصرة، وطهران اللاهثة الباحثة عن موضع مسمار صدئ تبث من خلاله سمومها ومؤامراتها، ونظام الأسد العائلي لا علاقة له بالدين إلا بمقدار ما يمنحه هذا شيئ من الأمان، وحليف يستقوي به يوم الملمات والشدائد، وطهران بدورها فهمت الأمر كذلك، فغدت دمشق ورقة في يد مفاوضي النظام الأكريليكي الطائفي، نعم ورقة مصالح يعبر عنها بصراحة لا لبس فيها. وفي الداخل، فتش النظام عن حليف الشيطان فلم يجد سوى حزباً معادياً للعروبة بل أشتهر بهذا التاريخ الأسود الحافل بالاغتيالات والتآمر، فتطابقت المصالح، وحفنة من شخصيات رهنت حركاتها فأرتهنت كصدى للعصابة الحاكمة، وانظمت إلى معاداة الشعب، بل بعضهم لعب دور الشبيح فأسقط نفسه وتاريخه.
معسكر الشعب يكبر، خندق العصابة يضيق، وتقل فرصه، ونهايته تلوح، وعصابة الحكم تفقد احترام حتى أصدقائها وحلفاؤها. الحكم العائلي تحول إلى مشكلة، وهو لا يعيش أياماً أو ساعات إضافية إلا لأن رحيله يقلق الجهات المعادية للأمة من الصهاينة، ومن معهم ومن خلفهم، وكيانهم المهتز الذي تعصف بجنباته الرياح، فعواصف الثورات العربية لا حدود لها، وستبلغ كل بؤرة من بؤر الظلم والعسف، وتقتلع كل الطواغيت، وهو أمر بدأ يثير القلق والتخبط في الدوائر الغربية بوضوح كاف، وما يدور هو خارج التخطيط للمرة الأولى في تاريخ الشرق بل في تاريخ العرب الحديث.
ولكن عقارب ساعة التاريخ لن تعود إلى الوراء، ليس بوسع أحد أن يقاوم قدره ومصيره، ومن يعتقد بذلك إنما يطيل في عذابه لنفسه، ويحرم نفسه حتى من نهاية كريمة أو شبه كريمة، لن تعلو إرادة على إرادة الشعب الزاحف صوب النور والحرية، ولن يستطيع أكبر دجال أن يفلسف للقمع والطغيان، ولو تعلق بأهداب السماء...... هذه مرحلة انتهت، والنظام وأعوانه في الداخل والخارج نسوا أو تناسوا حكمة تاريخية بليغة:
إذا حلت المقادير بطلت التدابير.