بشار وخيار شمشون والعالم المشغول بالكيماوي!!

ياسر الزعاترة

طوال الأسبوع الماضي لم نسمع غير جدل الأسلحة الكيماوية في سوريا، حتى أن الغضب الذي رشح عن جهاد مقدسي، أحد أهم أبواق النظام (انشق وقالوا أقيل) قد جرى تفسيره بإشارته إلى وجود تلك الأسلحة في تصريح له قبل شهور قليلة، لكأن الكيان الصهيوني كان في حاجة إلى إشارة من هذا النوع كي يعلم بامتلاك النظام لتلك الأسلحة!!

لم تبق دولة غربية، وصولا إلى مسؤولي الاتحاد الأوروبي، وتبعا لذلك مسؤولي الأمم المتحدة إلا وحذر النظام من استخدام تلك الأسلحة، وشملت الزفة مسؤولين من روسيا أكدوا أنهم تلقوا تأكيدات من النظام بأنه لن يستخدمها.

كنا إذا أمام زفة نفاق دولي غير مسبوقة، ظاهرها الحرص على أرواح السوريين من الأسلحة الكيماوية، وباطنها تصويب الأنظار إلى تلك الأسلحة الكيماوية كي لا تقع في “أيدٍ غير أمينة” قد تستخدمها ضد الكيان الصهيوني، وقد رأينا أفواجا من المخبرين والخبراء (دعك من طائرات التجسس) يتدفقون إلى الحدود السورية لمراقبة حركة النظام السوري على هذا الصعيد. نقول نفاقا دوليا لأن ما فعله النظام بالشعب السوري طيلة 20 شهرا لا يقل سوءا عن استخدام الأسلحة الكيماوية، فقد دمر البلد من أقصاه إلى أقصاه وقتل 40 ألفا من السوريين، إلى جانب مئات الآلاف من الجرحى والمعتقلين، وأكثر من ذلك من المشردين.

يحدث ذلك بعدما بات الجميع على قناعة بأن النظام يتداعى يوما إثر آخر، وأن سيطرته على الأرض تتقلص بشكل سريع، حتى أن مطار دمشق لم يعد آمنا لهبوط الطائرات، فيما يفكر النظام في فتح مطار زراعي في محافظة اللاذقية، الأمر الذي استدعى بالضرورة السيناريو (ب) كما صاغه العقل الإيراني ممثلا في الدولية العلوية.

الروس وهم حلفاء بشار تحدثوا صراحة عن رجل فقد الأمل في النجاة أو الهرب، ما يشير إلى ميله إلى خيار شمشمون (تدمير البلد على رؤوس من فيه)، وقد ذهب محلل روسي إلى أن فرصته في الفرار لم تعد متوفرة لأن القادة العلويين (27 ألف ضابط) في الجيش، بحسب صحيفة الغارديان البريطانية لن يسمحوا له بذلك، هم الذين يحيطون به بعد أن فرَّ معظم الضباط السنة، باستثناء قلة قليلة (1400) من أصل (4000) يبدو أنهم يتواجدون في الثكنات ولا دور لهم عمليا في القتال.

في هذه الأجواء، مال الروس إلى تقديم تنازلات سياسية تمثلت في إجراء حوار في دبلن مع واشنطن بحضور الأخضر الإبراهيمي من أجل البحث عن مخرج، لكنهم عادوا وقالوا على لسان رئيس الكتلة البرلمانية لحزب بوتين في الدوما إن قدرتهم على التأثير في قرارات بشار باتت محدودة، الأمر الذي يعني أن طهران، وربما القلة التي تحيط به هي الأكثر تأثيرا في قراره.

ويبدو أن هدف لقاء الروس والأمريكان هو الحديث عن اليوم التالي، أكثر من الحديث عن سيناريو حل سياسي، وإن لم يغيبوا هذا الاحتمال في حال تمكن النظام من الصمود لأسابيع أخرى تكفي للبحث عن مخرج، والواضح أن واشنطن لا تريد للقوى الإسلامية ذات الحضور الكبير في الثورة، على الأرض وبين أعضاء الائتلاف الوطني وقيادة الخارج، لا تريد لهم أن يتحكموا بالوضع الجديد، وفي هذا السياق جاءت خطوة وضع جبهة النصرة في قائمة الإرهاب، مع أن الأمر يتجاوزها كما يبدو إلى عموم الإسلاميين.

حراك سياسي وعسكري محموم من الصعب الجزم بطبيعة نهايته بشكل واضح، لاسيما أن خيار شمشون يمكن أن ينطبق على تصعيد التدمير واللجوء إلى خيار الدويلة العلوية، رغم أملها المعدوم بالبقاء، أو تصعيده أكثر فأكثر بحثا عن مخرج سياسي يرتبه الروس مع الغرب إذا تمكنوا من ذلك.

سيعتمد ذلك كله على تمدد الثوار على الأرض، ومن ثم قدرتهم على استباق أي حل سياسي بإسقاط النظام، مع ما يترتب عليه من فوضى لاحقة لا بد من التفكير بكيفية ضبطها بسرعة، ومن ضمن ذلك الحفاظ على السلاح الكيماوي الذي هو ملك الشعب السوري أيضا، وكذلك حال سائر المؤسسات والأسلحة والممتلكات.

الأسوأ أن تصعيد حالة الفوضى سيكون خيارا مناسبا لأركان النظام حتى لو أيقنوا بسقوطه، ربما لأنهم يعتقدون أن ذلك قد يخفف الضغط عليهم، كما سيكون في صالح إيران التي تريد مزيدا من الفوضى كي يُدمَّر البلد ويغدو عاجزا عن التأثير على منجزاتها في العراق ولبنان.

ما يجري جرائم بشعة يتواطأ على تنفيذها النظام المجرم وشبيحته، ومن يلتفون حوله من العسكر والأمنيين، وكذلك روسيا وإيران، بل وأيضا الغرب الذي لا يعنيه سوى السلاح الكيماوي لأجل الكيان الصهيوني. ولا بد تبعا لذلك من حراك تركي عربي يحول دون المزيد من القتل والتدمير، ويؤمِّن انتقالا للسلطة يصب في صالح الشعب السوري.

إنهم لا يريدون لهذه الثورة النبيلة أن تقطف ثمار انتصارها على نحو معقول، بل يريدون لها أن ترث بلد مدمرا تسوده الفوضى، لكن السوريين سيتمكنون من لملمة جراحهم والنهوض من جديد رغم بشاعة المؤامرة.