أبواق الخليج .. وثورات الربيع !
أ.د. حلمي محمد القاعود
رحم الله الملك فيصل بن عبد العزيز ، دفع حياته ثمنا لموقف إسلامي عربي جليل ، وهو تمسكه بالقدس عربية إسلامية ، وسبق ذلك موقفه النبيل من الوقوف مع مصر بعد هزيمة 67 ،حيث تناسى ما فعله المناضل الحنجوري المهزوم دائما ، وقاد مؤتمر الخرطوم آنئذ ليقرر مساعدة مصر ماليا حتى تواجه العدوان النازي اليهودي ، وتجبر جناحها المهيض وتنهض مرة أخرى .
ورحم الله الشيخ زايد آل نهيان الذي قام بدور مشابه مع مصر الجريحة دون منّ ولا أذي ، ولم تصدر عنه كلمة معيبة في حق مصر ولا المصريين ، ولم يكن غريبا أن يسمي المصريون تعبيرا عن تقديرهم وشكرهم شارعا من أكبر شوارعهم باسم الملك فيصل ، وحيا من أكبر أحياء القاهرة باسم الشيخ زايد ، فضلا عن أحياء أخرى ومدن وقرى حملت اسم الراحلين الكريمين .
كانت السمة العامة لدول الخليج عدم التدخل في شئون مصر أو تسخير الإعلام الخليجي للنيل منها ، فهي تعلم أن قوة مصر قوة لها والعكس صحيح ، والشعب هناك مرتبط بالشعب المصري بأواصر وعلاقات عميقة ومصالح متبادلة ، والصداقات قائمة بين الأسر والعائلات والأشخاص ، والخليجيون حين يأتون إلى مصر يرونها بلدهم وربعهم الذي لم يفارقوه هناك . والمصريون بالمثل يعيشون في أرجاء الخليج بين أهليهم وذويهم يبنون ويعمرون . حتى في أثناء الفترات التي شهدت قلقا في العلاقات السياسية أو اضطرابا ظلت الأمور في إطارها المقبول الذي يجعلها تبقى كما هي طيبة ومتفاعلة . ولكن الفترات الأخيرة شهدت من بعض الأطراف في بعض دول الخليج محاولات للقفز على هذا الواقع ، والسعى إلى تدشين سياسة جديدة غير متسقة مع طبيعة المواطنين هنا وهناك ، وكانت ثورات الربيع العربي ، مناسبة لتعمل هذه الأطراف من خلال الإعلام خاصة ، لبث الفرقة بين الشعب المصري ، ومناصرة فريق ضد آخر ، وتحريض بعضهم ضد بعضهم الآخر !
إمارة خليجية صغيرة جعلت من نفسها مأوى وملجأ للهاربين من اللصوص والجلادين والفاسدين الذين آذوا الشعب المصري ، ونهبوه ، وجعلوه معرة الأمم . وليتها آوت هؤلاء المجرمين ، وجعلتهم يصمتون كما يفترض في دول الملجأ والملاذ الآمن ، ولكنها تركتهم يرتعون ويلعبون ، ويصنعون المؤامرات ، ويوجهون التهديدات والسباب إلى الشعب المصري وثورته العظيمة الرائعة بعد أن استقبلت أموالهم الحرام التي نهبوها من دماء المصريين ، بل إن بعض المسئولين في هذه الإمارة التي صارت بؤرة لأعمال التجسس والتآمر على العرب والمسلمين ، ومكانا للأعمال المنافية للأخلاق والآداب ، قام بنفسه بعمليات هجاء رخيصة لمن يحكمون مصر ، واستخدم التقنية الحديثة في التواصل الاجتماعي ليذيع رسائل مليئة بالسباب والبذاءة والفحش ضد أشقائه ، وهو الذي جعل إمارته ملعبا للموساد واليهود يتحركون فيها بمنتهى الحرية والاطمئنان ، ويرتبون لمؤامراتهم واغتيالاتهم وصفقاتهم الحرام !
لقد تضمنت إحدى رسائله مؤخرا إشارة واضحة إلى احتفاظه بخطوط اتصال وترتيب مع بعض القوى التي ترتب لانقلاب على الرئيس المصري المنتخب ، وعلى سبيل المثال - أطلق رسالة عبر حسابه الشخصي في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" يقول فيها إن مخطط إنهاء حكم الإخوان والرئيس محمد مرسي سينجح خلال شهرين ، وقال في تغريدات خطيرة "عناوين الصحف خلال الشهرين القادمين سوف تكون حول "الإخوان ذهبوا مع الريح" .
وواصل هجومه العنيف على جماعة الإخوان المسلمين قائلا : إن العناوين المقبلة أيضا ستكون "الإخوان ضربهم الطوفان ، وفلول الإخوان ليس لهم مكان" ، وفي إشارة عنيفة للرئيس المصري محمد مرسي قال : " إن الطاغية يتمسك بالمظهر الديمقراطي، فلا يستمع إلا لصوت غروره وغطرسته، فهو لا يحس كما نحس ولا يتألم كما نتألم ".
من حق صاحبنا أن يختلف مع الإخوان كما شاء ، ولكنه يجب أن يتذكر أن الشعب المصري هو الذي يختار في انتخابات حرة نزيهة من يحكمه ، وحين يختار الإخوان أو غيرهم فعليه أن يحترم هذه الإرادة ، ولا يتدخل فيها ، وأظنه لا يقبل أن يقول أحد من خارج إمارته إن الحاكم الذي عينه مقامر ، أو منحرف ، أو لص يسرق أموال الإمارة . وكما لا يقبل ذلك يجب عليه أن يكف لسانه وعدوانه على الآخرين . فإذا كان يتصور أن له لسانا وعينا ، فللناس ألسن وأعين بلا حصر ولا عد .
الأمر الغريب أن تتبنى بعض دول الخليج أبواقا إعلامية وصحفية مهمتها تسفيه الثورة المصرية وإذكاء نيران الخلافات بين القوى السياسية المصرية ، وللأسف فإن هذه الأبواق تتكون من مجموعات مصرية تنتمي غالبا إلى الفكر الشيوعي والناصري والمرتزقة الذين يرددون ما يقوله من يدفع لهم أيا كان . والمفارقة أن بعض هذه الدول يرفع راية الإسلام والدفاع عنه وفي الوقت نفسه تجد المنابر الإعلامية والثقافية والصحفية لديها تدار بوساطة هؤلاء الشيوعيين وأتباعهم من الذي لا يؤمنون بالله والناصريين الذين يقدسون الطاغية المهزوم والمرتزقة الذين لا خلاق لهم ، وكلهم يتمترس في خندق العداء للإسلام ومحاربته ، والعمل على استئصاله بكل السبل والوسائل ، والإصرار في أقوالهم وكتاباتهم على السخرية من الشريعة وتشويهها واتهامها بالجمود والتخلف .
لا يقتصر الأمر على الشيوعيين المصريين ، ولكن وحدة الشيوعيين العالمية تجعلهم يستدعون رفاقهم من الدول العربية الأخرى ليكون العمل الإعلامي والثقافي والصحفي في تلك الدول قاصرا عليهم وحدهم ، فإذا فتحت قناة تلفزيونية رأيت الوجوه نفسها ،وإذا فتحت صحيفة أو مجلة رأيت الأقلام ذاتها ،وكله تسعى إلى استئصال الإسلام في مصر العربية المسلمة ، ووأد التجربة الديمقراطية التي تؤصل للحرية والكرامة والعدل .
ماذا تقول حين ترى قناة تلفزيونية تبث من هنا أو هناك تابعة لهذه الدولة أو تلك وتقدم في تغطياتها لما يحدث في مصر أخبار الانفلات والتمرد والاستقالات والاشتباكات والعنف التي تقوم بها الأقليات الشيوعية والناصرية وتصفها بالثورة والمعركة التي توشك أن تتكلل بالنصر على الشرعية والأغلبية ، ولا تقدم في المقابل موقف الأغلبية وآرائها ومواقفها التي تشير إلى أن الشعب المصري يحمي ثورته وشرعيته ؟
إن أبواق الخليج الحانقة والموجهة نشاز في طبيعة أهل الخليج الطيبين وشعوبها المحبة لمصر . ثم إنها لن تحصد وردا أو خيرا لأنها تزرع الشوك والشر !