اتحاد الكتاب.. وانحرافه عن مهمته!
أ.د. حلمي محمد القاعود
عندما سطا اليساريون من شيوعيين وناصريين وأشباههم على اتحاد كتاب مصر ،علا صوتهم لتشجيع الانحراف الفكري والعقدي ، ومساندة الكتّاب المجترئين على الله والإسلام والأخلاق وقيم الأمة الراقية ، وساعدهم على ذلك إهمال الأغلبية الساحقة من الكتّاب للمشاركة في اختيار مجلس الإدارة الذي يحتشد له اليساريون عادة في ملتقياتهم الليلية وعبر المؤتمرات التي تقيمها الحظيرة وتكون غالبا قاصرة عليهم وحدهم بسبب الإقصاء والتهميش والاستئصال لمن لا يسايرهم في توجهاتهم التدميرية الشريرة . فضلا عن أن معظم الكتاب الأعضاء يقيمون في الريف وعلى مسافات بعيدة من القاهرة ، فيكسلون عن السفر إلى العاصمة المزدحمة المرهقة .
أتاح وضع السطو والاستيلاء والاستحواذ والهيمنة والسيطرة على الاتحاد ومجلس إدارته من جانب اليساريين ومن يلوذ بهم أن يصدروا ما يريدون من بيانات وتصريحات لا تتفق مع إرادة الأغلبية الساحقة من الكتاب ، وفي الوقت ذاته يفيدون من ميزانية الاتحاد في السفريات والمكافآت والمطبوعات والعلاج ، ويحرمون الآخرين ممن لا يشاطرونهم فكرهم الحظائري الانتهازي ، بالإضافة إلى أنهم يوظفون وجودهم القهري في الاتحاد وإدارته لتأييد الممارسات الفكرية الشاذة الكريهة ومساندة المواقف الفجة التي يقترفها رفاقهم في أرجاء الوطن العربي !
هل أذكر القراء بموقفهم من رواية " وليمة لأعشاب البحر " التي كتبها شيوعي سوري أساء للذات الإلهية وللإسلام ، ولأخلاق المجتمع وقيمه في فن رديء متهافت؟ لقد أيدوا موقف الكتّاب والمؤلفين الذين يتاجرون في الابتذال والتسطيح والتجديف ، ولم يرجعوا في تأييدهم إلى القاعدة العريضة من أعضاء الاتحاد التي تملك وحدها حق التأييد والرفض ، وفي الوقت ذاته انصرفوا عن خدمة الأعضاء كما يقضي قانون الاتحاد بوصفه نقابة ترعى شئون الأعضاء المهنية والاجتماعية والسياسية ، وتدافع عن حقوقهم المادية لدى دور النشر ووسائط التعبير . ويكفي أنهم ينفقون معظم الميزانيات على المؤتمرات الفارغة والاحتفاليات السخيفة للرفاق اليساريين بمناسبة فوزهم بجوائز لا يستحقونها أو موت بعضهم أو ذكرى هذا الموت ، ويتركون كتلة مهمة من الأعضاء ممن بلغوا سن التقاعد ليلقوا إليهم بمعاش لا يسمن ولا يغني من جوع . هل تعلمون أن معاش عضو الاتحاد لا يتجاوز خمسين ومائة جنيه يخصم منها أول يناير كل عام ما يقرب من ثلثها ؟ هل تعلمون أن معاش اتحاد الكتاب أقل معاش بين النقابات المهنية جميعا ؟
ثم فاجأنا الاتحاد مؤخرا ببيان غريب شديد اللهجة يعلن فيه أنه يرفض الإعلان الدستوري الذي أعلنه رئيس الجمهورية في الثاني والعشرين من نوفمبر 2012 ، وأنه سيقاضي رئيس الجمهورية المنتخب لإلغاء هذا الإعلان ! لماذا يا حضرة الاتحاد ؟ لأنه يؤيد ما اتخذته القوى السياسية الوطنية ومنظمات المجتمع المدني (النقابات وما فى حكمها) من قرارات وإجراءات وتدابير فى مواجهة هذا الإعلان اللادستوري (؟) ، ويرفض رفضا تاما كل ما يصدر عن رئيس الجمهورية من إجراءات أو قرارات أو نصوص تخالف الأعراف الدستورية وتنتقص من حرية الشعب المصري بأية صورة ، كما يرفض الجمعية التأسيسية لوضع مشروع الدستور وكل ما يصدر عنها والتأكيد على حتمية حلها وتشكيل جمعية تمثل الشعب المصري بكل مكوناته تمثيلا حقيقياً فى مقدمتهم الأدباء والكتاب الذين هم ضمير الأمة وعقلها المفكر، ويرفض كذلك رفضا تاما ما يسميه العنف الذي يجرى فى ربوع الوطن أيا كان مصدره، مع التأكيد التام على مواصلة الاتحاد والتضافر التام مع القوى الوطنية لمواجهة ما تتعرض له الثورة المصرية من تحديات وما يواجه الوطن من مخاطر انطلاقاً من جبهة نقابات الرأي التي أسسها الاتحاد مع كل من نقابتي الصحفيين والمحامين، والتأكيد على أن اتحاد الكتاب الذي وقف مع ثورة 25 يناير وشارك فيها من يومها الأول وكانت أول نقابة فى مصر تصدر بيان تأييد للثورة يوم 26 يناير 2011 سيظل فى قلب ثورة الشعب المصري ليخوض غمار هذه الثورة النبيلة حتى نهايتها بين جماهير الشعب الذي ينتمي إليه كتاب مصر!
المفارقة أن رئيس الاتحاد كان من الأحد عشر كوكبا الذين أحاطوا بالمخلوع قبيل سقوطه في 30/9/2010، وكان من المقربين إليه ، وكان ومازال من أعلام الحظيرة الثقافية ، وشغل منصب وكيل وزارة الثقافة بجوار ناظر الحظيرة التي أفسدت الثقافة والمثقفين ، ونال جوائز النظام وعطاياه طوال ربع قرن مضي من نشر لكتبه الرديئة وعرض مسرحياته الضعيفة ، ورئاسة تحرير بعض صحف النظام ، ولأن المذكور ضد الثقافة الإسلامية فقد كافأته فرنسا بوسام فارس ، والرجل له دور في احتفالية مصر بالمحتل الفرنسي الذي ذبح بقيادة نابليون عُشر سكان مصر ، غير الجرحى والمصابين والتدمير والتخريب الذي لم يترك مكانا حتى وصل إلى أبي الهول !
رئيس الاتحاد انقلب إلى ثوري كبير ، ويقود رجاله لرفض إرادة الشعب المصري الممثلة في انتخاب المجلس التشريعي بغرفتيه والجمعية التأسيسية المنبثقة عنه ، والرئيس المنتخب من أغلبية المصريين ، ثم يهدد أعضاء الاتحاد الذين يؤيدون الإعلان الدستوري أو رئيس الجمهورية بالشطب ! يا له من رجل ثوري " تخر له الجبابر ساجدينا "!
لقد أحسنت جموع الكتاب حين أصدرت بيانا وقع عليه أكثر من مائة كاتب ؛ يرفض بيان اتحاد الكتاب الغريب ، ويوازي البيان الذي أصدرته النقابات المهنية في مصر يؤيد الإعلان الدستوري ويبارك خطوات الرئيس من أجل استقرار البلاد وبناء المؤسسات الدستورية والانصراف للإنتاج والعمل والمنافسة على أرض الواقع لخدمة المواطنين والمجتمع .
إن بيان اتحاد الكتاب سقطة يجب أن يعاقب من ارتكبها لأنه لا يعبر عن أعضاء الاتحاد ، ثم إنه لابد من إنهاء عصر السطو والهيمنة والاستحواذ والسيطرة والإقصاء والتهميش والاستئصال التي يمارسها اليسار المتطرف من خلال الاتحاد . إن تحويل الاتحاد إلى مؤسسة حزبية يسارية لا يتفق مع طبيعته والمهمة المنوطة به ، خاصة أن أغلبية الأعضاء ليسوا يساريين ولا يؤمنون باليسار وأفكاره الاستبدادية ولغته المتدنية التي تصف الخصوم بالعبيد . يجب أن يكون الاتحاد معبرا عن أعضائه تعبيرا حقيقيا ، وليس فرعا من فروع الأحزاب اليسارية المعادية للإسلام والمجتمع.