الثورة تحتاج الجميع

أهمية نهوض تيار وطني ديمقراطي عروبي جامع

عقاب يحيى

للثورة السورية فضائل كبيرة علينا، نحن أبناء سورية بكل أطيافنا ومشاربنا، فقد أحيت فينا الحياة . زرعت الأمل وحقنتنا بدم جديد غير ذاك المتخثر، لكنها وضعتنا أمام تحديات كبرى لإثبات جدارتنا بأن نكون أبناءها البررة، الملتزمين بها، والمخلصين لها، الموحدين شعباً ومجتمعاً وهدفا يتمركز حول بناء دولة مؤسسات، عصرية، منفتحة . دولة مدنية ديمقراطية ركائزها العدل والمساواة بين جميع الأفراد على أساس المواطنة ..التي يكرسها دستور ناظم، وتحميها قوانين تطبق على الجميع .

ـ الثورة أخرجت دفين السوري، توقه للعمل والإسهام فيها وفي بناء مستقبله، فكثرت التشكيلات والأحزاب، وتعددت الأسماء واختلطت، وظهرت إلى السطح تيارات تطمح أن تكون جزءاً فاعلاً من معادلة القائم والقادم، بينما عرفت الأشهر الأخيرة محاولات لتجميع المتقاربين في الخلفية الفكرية والسياسية، كالاتجاهات الإسلامية، والليبرالية، وحتى ها، بينما يلاحظ غياب كبير للاتجاهات الوطنية والقومية .. فلماذا؟؟، ومن المسؤول عن هذا الغياب ؟؟....

*****

إشكاليات وأسباب كثيرة تثقل الاتجاهات القومية، بعضها يعود إلى جوهر الخطاب الفكري ـ السياسي الشائع، وأخرى ترتبط بالممارسة حين ركبت القوى العسكرية على ظهره طويلا، وباسمه وفعلت كل الموبقات تحت راياته، أو حين قبل أن يكون مطية، وأن يتقولب مع المطلوب، وتلك العائدة إلى بناء فكري ـ سياسي قومجي مشبع بالخطابية والشعبوية المفوتة، والشعارية التي أكلها دهر الممارسة، وشربتها نظم الاستبداد وتقيأتها أفعالاً إجرامية، واجتثاثية بحق الأهداف والأوطان والشعب والأحلام، والدور، والمبادئ...إلخ .

القوميون المتحسرون على غيابهم، والذين يضعون اللوم على أخر معلوم، أو مجهول" المؤامرة والأعداء" لا شك أنهم يتحملون المسؤولية الأولى في هذا الواقع، والمسؤولية متشعبة تتناول، انطلاقاً، وعي هذا الجانب، إن كان لجهة إعادة النظر الجدية بجوهر الخطاب التقليدي وحدة، وصياغة بديله، أو لجهة القيام بمراجعة شاملة للمارسات التي تمت على أيديهم، او باستخدامهم.

لقد أكدت الوقائع أن كثير الطروحات النظرية الخاصة بمفاهيم الأمة وهويتها وأسسها، والقومية وموقعها المتحول كتعبير، والوحدة، والدين، خاصة موقع الدين الإسلامي في تشكيل الأمة والوعي والثقافة، والتجزئة والدولة القطرية، والحزب الواحد والقائد، والاستئثار والاجتثاث، والحريات الديمقراطية، والملكية الخاصة، والفرد وموقعه ودوره وحقوقه، وفلسطين ومكانها.. وكثير من المفاهيم التأسيسية بحاجة إلى إعادة نظر، ناهيك عن التطورات المتلاحقة عبر العقود قد حوصلت مفاهيما جديدة لا يمكن لحركة سياسية أن تضعها خلف ظهرها، وان تظل متمسكة بخطابها القديم، وبتلك التبريرية التي تضع اللوم على آخر، وعلى أعداء معروفين، ومجهولين .

ـ نعم هناك حاجة، وحاجة ملحة وضرورية لقيام تيار وطني عروبي ديمقراطي يدخل معادلة اللوحة والغد السوريين، يعرّف العروبة بأنها انتماء وليست عرقاً، أو احتكاراً، والحرية نسغاً لا تستقيم أية حياة سياسية دونها، والاعتراف بالآخر المُختلف حقوقاً ومشاركة، ويمنح المفاهيم القومية بعدها الحضاري المتطور ، النابع من واقعنا، ومن موقع الإيمان في شعبنا، وباتجاه الانفتاح على جميع المكونات : قومية كانت أم دينية أم مذهبية أم سياسية .

ـ المؤمنون بهذا الاتجاه كثر.. ومنتشرون في تشكيلات وموضعات متعددة، لكن المهم أن يتجمّعوا في تيار عريض يتلاقى مع الإسلاميين والعلمانيين والليبراليين وغيرهم، على قاعدة التفاعل والحوار والتعاون لبناء وطن ديمقراطي عزيز .